رغيف بالجبن! (قصة قصيرة)

حينما كنا صغيرين كان يحلو له أن يمزق أوراقي ويسلبني رغيف الخبز المحشو جبنا؛ كنت أحاول الابتعاد عنه؛ يجري ورائي ويتصنع حبي، لفرط سذاجتي كنت أسامحه، يتمادى في حمقه وأفرط في تلك الوداعة التي صارت قيدا يكبلني.

  في مقاعد الدرس يجلس وسطا تخايله الزعامة، يسكتني ويصيح، يسرق مفرداتي وتعبيراتي ومن ثم يسطرها في كراس درسه، يرفع سبابته مرددا بعضا مما أختزنه في عقلي، أبحث في حقيبتي عن أقلامي وعلبة الألوان المائية ودفاتري فأجد كل أشيائي بين يديه، أجتهد أن أعيد بعضها فيساومني رغيف خبز محشوا بالجبن، ها أنا في منتصف العمر وقد ابيض شعر رأسي وما أزال أعتاش على ذلك الجبن – سامح الله أمي ليتها أطعمتني غير ذلك الطعام- كان يمكن لها أن تلقي بي في الحياة وألا تحوطني بذلك القماط يلف جسدي ولا يترك لي من الصراخ صيحة.

أحاول الهروب من ذاتي المحبطة جراء النواهي التي صارت سورا مغلقا يحتوشني.

أتلمس أصابعي فأجدها ترتعش، أحاول أن أتكلم فترتجف شفتاي، لا أدري سببا لكل هذا؛ غير معقول أن أبقى عاجزا والحياة تفور من حولي.

 أقراني يعلمون أنه لص فيتحاشونه إلا أنا أشفق عليه، يلاحقني بوشايته وأقاويله الزائفة، بت أتساءل أهو قدري في تلك الحياة أن يكون ذلك الإنسان جاري الذي صعد فوق كتفي، حتى الفتاة التي أحببتها استلبها مني، لم تعد منه غير تلك النمائم تشبه تقرح الجسد إثر حمى تصيب المريض فيصفر لونه وتتملكه رعدة الموت وإن نجا يعيش عليلا، هل صار القيد والنفي والانزواء بعيدا قدر المهمشين؟

لا أحد يمتلك إجابة فأبدو تائها في ليل تنبح ورائي كلاب تتشمم رائحة جسدي، تغرس أنيابها في ثوبي الممزق.

تعاودني تلك الذكريات فيمثل لي ذلك المختال، تباعدت بيننا الحياة في سباق المسافات الطويلة، يشغل بذلك النزق مكانا رفيعا.

ترى أكل هذا العجز الذي يحاصرني سببه ذلك الرغيف؟

لا أجرؤ أن أرفع يدي، أغوص داخل جسدي، أفر من تلك الجموع تزدحم مطالبة برغيف خبز يخلو من الجبن؛ تنتابني رعدة حيث أتذكر ذلك الزميل وقد طالبني به مرارا.

تهتف به الجموع، يرونه أملا في سراب الزيف؛ يمتلك في كتاب أوهامه حلولا، يصدقونه، سرت في الناس تلك العدوى التي أصبت بها جراء ذلك الرغيف المحشو.

بت أنفر من الطعام، أشرب الماء لكنه مخلوط بشوائب من كل صنف، إنه الدجل يخيم على العقول، لا أمتلك قلما وليس لدي ترف الصخب، حين رآني ملازما الحائط أطلق ورائي كلاب حراسته، أمسكوا بي، في المساء كنت أقبع في حجرة مظلمة؛ نشرت صوري في الصحف بدأ الناس يتحدثون عمن يسرق القمح ويتلاعب في أسواق المال من يمتلك حسابات سرية في مصارف وخزائن سويسرا، تخيلوا أصابني شعور بالزهو، امتلأت رئتي بالهواء وإن كان عطنا في ذلك القبو المظلم؛ ها أنا حديث الناس.

ينتصف الليل فأتكوم فوق خرقة بالية، يعاودني الوهم بأنني أمتلك كل تلك الأشياء الزائفة.

أمسك بقطعة جير وأرسم نخلة عند ضفة النهر، أجتهد أن أتسلقها؛ ألتمس الشمس في ضحاها؛ يتساقط المطر، تدب في رغبة أن أخرج لساني تلفحه نار الغضب.

Exit mobile version