نخبة نزيهة ومضلِّلَة!

حديثنا عن نخبة حقيقية من حملة الفكر والقلم بل والنزاهة، ولكنهم ساهموا مساهمة فعالة في توطئة ظهور جمهورهم لركوب الدكتاتور!

نخبة قدمت إنتاجاً فكرياً وأدبياً راقياً يُمَجِّد في الحرية ويدعو إلى الديمقراطية، وكتبوا في نقد الفساد السياسي والظلم الاجتماعي، وبرغم هذا روّجوا لأسطورة “متلازمة الأمن والدكتاتورية”.

كاتب نزيه مثل خالد محمد خالد الذي سخَّر قلمه للدعوة إلى الحرية والديمقراطية، يقول في مقال له بعنوان “أيها السادة هذه هي الديمقراطية” في كتابه “لو شهدتُ حوارهم لقلت”:

“في الاستفتاء الأخير على رئاسة الجمهورية الثالث للرئيس مبارك أعطيته موافقتي لعزمه الجسور وإصراره الكبير على أن يرد لمصر أمنها الغائب وطمأنينتها المشردة”!

ومناضل قديم مثل الأستاذ الراحل حسن دوح ينقل عنه الكاتب يوسف إدريس قوله: “أطالب بالالتفاف حول مبارك لأن البديل عنه مخيف مخيف..”، ثم يُعقب يوسف إدريس: “وأنا أتفق معه قلباً وقالباً”! (نقلاً عن كتاب “الأب الغائب” ليوسف إدريس).

وقِس على هذه النماذج غيرهم من عموم الكُتَّاب والأدباء المرموقين من هذا الجيل، الذين وقعوا أسرى غريزة الخوف التي زرعتها فيهم الدكتاتورية، وغذَّتها الموروثات الاجتماعية، وبدلاً من انتشال جمهورهم من “المشي جنب الحيط”، والخوف من آذان الحيط التي تسمع همسهم وتنقله للسلطات، قاموا هم بتثبيت الخوف في جمهورهم، وتوجيههم للتمرغ في تراب الميري!

وفي لحظة صدق لواحد من هذا الجيل وهو لويس عوض في حديث له مع “الأهرام” عام 1985، نعى جيل كبار الكُتَّاب من الأحياء وعلى رأسهم توفيق الحكيم، ونجيب محفوظ، ويحيى حقي، ويوسف إدريس.. وغيرهم (ذكرهم هكذا بالاسم)، وقال عنهم: “لقد انتهى هذا الجيل بحلول هزيمة 1967 ولم يعد لديه ما يقوله أو يبدعه؛ حتى أنا مللت الكتابة والكلام وفرغت جعبتي”.

هذا الجيل وبرغم اعتراف البعض منهم باستلاب الوعي في الفترة الناصرية مثل توفيق الحكيم في كتابه “عودة الوعي”، فإنهم استمروا في أداء الدور نفسه في فترة حكم مبارك.

فماذا كانت النتيجة؟!

هل حققت دكتاتورية مبارك، وبن علي، والأسد، وصالح… الأمن؟!

حالنا يغني عن مقالنا ويجيب عن سؤالنا.

وليس هدفنا من المقال التقليل من شأن أحد، ولكن هدفنا إسقاط واحدة من الأساطير المؤسسة للدكتاتورية، والتحرر من عقدة أسطورة “متلازمة الأمن والدكتاتورية”، التي ما زالت هي الورقة الرابحة في يد النظم الدكتاتورية وكهنتها.

ونؤكد ما صار معلوماً من السياسة بالضرورة، وهو أن “الأمن يرتبط تحقيقه بدولة التقدم والرفاه والعدالة الاجتماعية واحترام الإنسان وسيادة القانون”.

فإذا غابت تلك الركائز غاب معها الأمن ولو بعد حين.

{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} (الأنعام: 82).

Exit mobile version