تونس.. ماذا بعد منح الثقة لحكومة المشيشي؟

– الجورشي: تصويت البرلمان بالثقة لحكومة المشيشي انتصار للبرلمان

– سالم: الثقة التي منحتها الأحزاب لحكومة المشيشي في البرلمان سيكون لها ما بعدها

– الجلاصي: تصويت الأحزاب المذكورة لصالح المشيشي كسبت رهان الحكومة على المديين المتوسط والبعيد

 

يبدو أن رئيس الحكومة التونسية الجديد، هشام المشيشي، الذي أدت حكومته اليمين الدستورية يوم الخميس الماضي، ونالت حكومته ثقة البرلمان الأربعاء 2 سبتمبر بـ134 صوتاً، من أصل 217 مقعداً (في حين كانت في حاجة لـ109 أصوات فقط لتكتسب الشرعية) مُقْدم على تغيرات جذرية على حكومته بعد أن خرج من جبة الرئيس قيس سعيّد على إثر خلافات بدأت تسريبات ثم طفت على السطح، وصلت إلى حد طلب سعيّد من الحزب الأول ممثلاً في النهضة، والحزب الثاني وهو قلب تونس، عدم التصويت على حكومته.

ووفقاً للمحلل السياسي صلاح الدين الجورشي، في تصريح لإذاعة “اكسبريس إف إم”، فإن المشيشي كان يعلم بوجود رغبة قوية جداً في تعيين عدد من الوزراء من قبل رئاسة الجمهورية، ومن هنا بدأت الخلافات والحيرة لدى المشيشي؛ إما أن يكون الوزير الأول له تعليمات من رئاسة الجمهورية، أو رئيس حكومة بكامل صلاحياته الدستورية.

وقد قرر المشيشي أن يخرج من جبّة رئيس الجمهورية، ووجد نفسه في حاجة ملحّة إلى دعم قويّ من الأحزاب السياسية، خصوصاً النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة، فأصبح هؤلاء بالنسبة إليه ملجأ بعد أن كانوا بدورهم ينوون فرض حصار عليه.

غضب الرئيس

تحوّل رئيس الحكومة هشام المشيشي، أو خروجه من جبة الرئيس كما يقال في تونس، أغضب الرئيس قيس سعيّد الذي صب جام غضبه على النواب الذين انتقدوه في جلسة منح الثقة.

وقال سعيد، في كلمته خلال موكب أداء أعضاء الحكومة اليمين الدستورية مخاطباً الوزراء: “أنتم أديتم اليمين وتستحقون الاحترام بالرغم من أن البعض لا يستحق الاحترام (قال البعض: إنه يعني المشيشي).

كان خطاب الرئيس سعيّد متشنجاً لأبعد الحدود، ومتوتراً لحد ظهر ذلك على وجوه الوزراء، ولا سيما رئيس الحكومة هشام المشيشي.

وكعادته لم يسمِّ أحداً، ولكنه ذكر في كل جملة تقريباً ألفاظ الخيانة، والغدر، والكذب، والافتراء، والازدراء والاحتقار، والاتهام بارتماء في أحضان الصهيونية والاستعمار.

البرلمان يحتضن المشيشي

عندما اشتدت الخلافات بين المشيشي، وسعيّد، لجأ الطرفان إلى الأحزاب التي سعى الثاني إلى تهميشها وشكّل حكومة دون مشاورتها، ثم حاول فرض حكومته عليها، طالباً في اللقاء الذي جمعه، مساء الإثنين الماضي، مع قيادات من النهضة، والتيار الديمقراطي، وحركة الشعب، وتحيا تونس، عدم المساس بتشكيلة الحكومة بعد التصويت عليها، وذلك بنبرته المعهودة الجازمة النافية.

لجأ المشيشي إلى البرلمان، واتفق مع حركة النهضة، وحزب قلب تونس، وكتلة المستقبل، وكتلة الوطنية، على التصويت لصالح حكومته، وتم له ذلك بشروط منها تعديل تشكيلة حكومته والتخلص من الوزراء الذين فرضوا عليه، وهم تقريباً 7 وزراء في مرحلة أولى.

وقد أشار رئيس البرلمان راشد الغنوشي، بطريقة غير مباشرة وعلى طريقة استخدام قوة الخصم ضده، في قوله: البرلمان هو من يمنح الثقة (الشرعية) وهو من يسحبها.

وصلاحيات البرلمان لا تقف عند الحكومة، بل يمكنها سحب الثقة من رئيس الدولة إذا ارتكب خطأ جسيماً لا يكف المعارضون له عن تجسيمه (الخطأ) من خلال أقواله وأفعاله، وهو ما يعكس مستوى النقد الموجه إليه.

البرلمان ينتصر

واعتبر المحلل السياسي صلاح الجورشي، في تصريح للمصدر المذكور آنفاً، تصويت البرلمان بالثقة لحكومة المشيشي انتصاراً للبرلمان؛ مثّل انتصاراً للبرلمان الذي بقي مهدّداً بنوع من السيف المصلت عليه بحلّه ودعوة رئيس الجمهورية لانتخابات سابقة لأوانها، وكأنّه وجّه رسالة إلى رئيس الجمهورية مفادها: نحن هنا، لن تستطيع حلّ البرلمان بإسقاط المشيشي، سندخل اللعبة ونفتك المبادرة، في حين حمّل الرئيس سعيّد الخسارة وقال: الخاسر في هذه النتيجة هو رئاسة الجمهورية، بينما الرابح مؤقتاً هو المشيشي.

وأردف: هذا الإصرار على محاولة تغيير النظام السياسي من داخله في ظل الدستور الحالي، أمر أثبت محدوديته، والمواصلة فيها مغامرة ستكسّر الوضع السياسي وستضع البلاد في مأزق كبير.

تجسيم الخطأ الجسيم

تصريحات قادة أحزاب ونواب تدفه إلى هذا الاتجاه، فقد دعا رئيس حزب قلب تونس نبيل القروي الرئيسَ قيس سعيّد إلى الاعتذار من الشعب التونسي، لأنه جاء بحكومة الفخفاخ (رئيس الحكومة المستقيل)، وهي أفسد حكومة في تاريخ تونس، ووزراؤها يرفعون شكاوى إلى القضاء ضد بعضهم بعضاً.

وجدد القروي مطالبته الرئيس سعيّد، في تصريح لإذاعة “شمس إف إم” الخاصة، عدم التدخل في صلاحيات رئيس الحكومة، واحترام الدستور، والكف عن المطالبة بعدم تنحية الوزراء الذين اختارهم القصر.

وأشار رئيس كتلة الإصلاح في البرلمان التونسي، حسونة الناصفي، إلى دور غير جامع في الساحة السياسية بل العكس “انتظرنا أن يكون رئيس الجمهورية شخصاً جامعاً وضامناً للدستور، لكن لم نر مفهوم الجامع، بل كان عنصراً لتوتير الأجواء”.

وأنه من غير المعقول التغييرات بالجملة على مستوى رئاسة الجمهورية، ومن غير المعقول 14 سفارة دون سفراء، إلى جانب أن العلاقات بين الرئيس ومدير ديوانه متوترة، ويجب أن يراجعها ويقيمها.

كما دعا الناصفي، سعيّد إلى تغيير نظرته السلبية للأحزاب والبرلمان؛ لأن وضع البلاد لا يحتاج لخطابات سلبية وشيطنة الآخر.

بدوره، عبر النائب عن كتلة ائتلاف الكرامة عبداللطيف العلوي عن استنكاره لتصريحات رئيس الجمهورية التي اعتبر فيها أنه لا مجال لتغيير الحكومة بعد منحها الثقة.

تداعيات منح الثقة للمشيشي

يربط البعض بين حمل قيادي من حركة الشعب إلى المستشفى العسكري بالعاصمة التونسية، وإعلان محمد عبو الاستقالة من الأمانة العامة لحزب التيار الديمقراطي، بنتائج التصويت على منح الثقة لحكومة المشيشي، فقد أعلن وزير الوظيفة العمومية ومقاومة الفساد في حكومة تصريف الأعمال محمد عبو، الأربعاء الماضي، عن استقالته من الأمانة العامة لحزب التيار الديمقراطي واعتزاله الحياة السياسية.

وبدا الحديث في تونس اليوم عن حزام سياسي حول رئيس الحكومة المشيشي يتكوّن من حزب حركة النهضة، وحزب قلب تونس، وائتلاف الكرامة، وكتلة المستقبل، وكتلة الوطنية، ومستقلين، وهو التحالف الطبيعي، الذي يلتقي على قاعدة، نعمل على ما يمكن الاتفاق عليه، وترك ما نختلف فيه جانباً.

واعتبر المحلل السياسي بولبابة سالم أن الثقة التي منحتها الأحزاب لحكومة هشام المشيشي في البرلمان سيكون لها ما بعدها، وتوقع أن تحدث تغييرات على الحكومة في الشهور القادمة.

وتابع: أمام تطورات الأوضاع الأخيرة والخلاف الحاصل بين رئيس الدولة والمشيشي والطموحات الجارفة لسعيد الذي صار المؤوّل الوحيد للدستور ورغبته في تغيير النظام السياسي دفع هذه الأحزاب خصوصاً قلب تونس والنهضة إلى تزكية حكومة المشيشي حتى تستعيد زمام المبادرة.

وهو رأي الناشط السياسي عبدالحميد الجلاصي، الذي اعتبر تصويت الأحزاب المذكورة لصالح المشيشي كسبت رهان الحكومة على المديين المتوسط والبعيد، وأصبح المشيشي كما قال الرئيس قيس سعيّد مسؤولاً أمامها، وإن كانت عبارته “مسؤولاً أمام البرلمان”.

Exit mobile version