حرق وركل القرآن بالسويد.. كيف يرد المسلمون هذه الإساءات؟

– عنصريون يستعدون لتنظيم عمل مسيء في العاصمة أستوكهولم يوم 12 سبتمبر

– أحزاب وممثلون عن الشرطة والكنيسة واليهود أعلنوا تضامنهم مع المسلمين ضد هذه الممارسات المسيئة

– عثمان: حادثة حرق القرآن تكررت في الدنمارك والمرة الأولى في السويد

– عزام: أهمية تنظيم المسلمين خياماً بالمناطق الحيوية يتم خلالها توزيع نسخ مترجمة من القرآن

– عكاري: مساعٍ حالية لمنظمات إسلامية للوصول إلى صياغة مناسبة لمشروع قانون يجرّم الإساءة للمقدسات والأديان

 

قبل أيام شهدت مدينة “مالمو” بالسويد واقعتين مسيئتين للمصحف الشريف، وفي بلدة “بليكينغا” كانت واقعة مماثلة، بينما يستعد عنصريون آخرون تنظيم عمل مسيء أيضاً في العاصمة أستوكهولم، إساءات يسعى من خلالها اليمين المتطرف إلى العودة للواجهة مجدداً بعد أن فقد نسبة كبيرة من شعبيته مؤخراً، لكن الأهم كيف يتجنب المسلمون الانجرار وراء استفزازات العنصريين؟ وكيف يمكنهم الرد على هذه الإساءات؟

يقول الكاتب الصحفي المقيم في السويد د. عثمان عثمان: واقعة حرق نسخة من المصحف الشريف تكررت في الدنمارك، لكن في السويد تعد هذه المرة الأولى لمثل هذه التصرفات. 

 

ماذا حدث؟ 

يوضح عثمان: في بداية الأمر الشرطة السويدية منحت السياسي الدنماركي المتطرف راسموس بالودان ترخيصاً لتنظيم فعالية في “مالمو” بمشاركة الفنان السويدي دان بارك يطلق عليه “فنان الشارع”، وهو عنصري وسبق إدانته بالتحريض ضد الجماعات العرقية، يقوم برسم رسومات على الجدران مسيئة للمهاجرين والمسلمين وحتى اليهود والسود، وبعد حصولهما على التصريح لتنظيم الفعالية المقرر فيها الإساءة للمسلمين، تداعت جمعيات ومنظمات إسلامية رفضاً لهذه الفعالية باعتبارها تسيء لفئة من السكان في مالمو؛ وبالتالي لا يمكن التنبؤ بما سيترتب على هذا الحدث.

ماذا كان يخطط بالودان؟

اليميني الدنماركي راسموس بالودان كان يرتب للمشاركة في فعالية بصحبة دان بارك يتم خلالها حرق مصحف ملفوف في لحم الخنزير المقدد، وهو ما فعله عدة مرات في الدنمارك.

حظر دخول

من جانبها، استجابت الشرطة، الأربعاء 26 أغسطس الماضي، لطلب الجمعيات المسلمة وسحبت ترخيص تنظيم الفعالية العنصرية، وقررت حظر دخول العنصري الدنماركي بالودان للسويد لمدة عامين، وهو القرار الذي صادقت عليه المحكمة الإدارية العليا في مالمو بعد أن استأنف دان بارك على قرار الشرطة.

الخميس 27 أغسطس، اجتمعت بعض الأحزاب وممثلون عن الشرطة والكنيسة واليهود، وكذلك رئيسة بلدية “مالمو”، وأعلنوا تضامنهم مع المسلمين ضد هذه الممارسات المسيئة، واستنكروا هذه الفعاليات العنصرية.

حرق وركل المصحف

يوم الجمعة 28 أغسطس، فوجئ المسلمون بواقعة حرق المصحف الشريف على يد متطرفين قاموا بحرق نسخة من المصحف وتصوير ذلك ونشره على وسائل التواصل الاجتماعي لاحقاً، وفي نفس اليوم وقعت حادثة أخرى عندما قام أشخاص بركل المصحف فيما بينهم وسط حضور الشرطة، لكنها وقت الحادثة لم تفعل شيئاً لمنع هذه الإساءة، بينما اعتقل هؤلاء لاحقاً.

استفزاز المسلمين 

من جانبه، يقول رئيس المجلس السويدي للإفتاء د. سعيد عزام: العنصري الدنماركي راسموس بالودان كثيراً ما سعى لإثارة المسلمين، ويتعمد الذهاب إلى المناطق التي بها تجمعات سكنية للمسلمين لاستفزازهم مستغلاً الحرية التي تكفلها القوانين المحلية، فيذهب أمام المساجد أو تجمعات للمسلمين ويقوم بأعمال عنصرية ضد الإسلام، بعد الحصول على تصريح رسمي بتنظيم فعالية.

هذه المرة قرر الذهاب إلى “مالمو” في السويد، وهي مدينة تتميز بها نسبة كبيرة من الجاليات المختلفة من بينهم نسبة كبيرة من المسلمين، فأراد المجيء إلى “مالمو” للمشاركة في فعالية يتم خالها حرق نسخة من المصحف الكريم، في واحد من أشهر أحياء السويد وهو حي “روزنجارد”، لكن السلطات رفضت التصريح له ودخوله البلاد.

ويضيف عزام: ومع انتشار فيديو حرق المصحف، اشتعلت شرارة الاحتجاج في شارع رئيس بالحي قطعت الطريق لبعض الوقت، لكن هذه الاحتجاجات تسلل إليها مندسون لحث المشاركين على التخريب وحرق إطارات السيارات وتعطيل الطرق، وساهموا في احتدام المواجهة بين المحتجين والشرطة.

بالتزامن

وبعيداً عن “مالمو” وتحديداً في منطقة “بلكينغا” وقعت حادثة مماثلة بالإساءة لنسختين من المصحف الشريف ورميه على الأرض بجانب قطعة من لحم الخنزير.

في انتظار إساءة جديدة

ومن العاصمة أستوكهولم وردتنا بعض المعلومات حول فعالية مماثلة مرتقبة لم يتأكد بعد حصول منظموها على تصريح، ويدور الحديث أنها مقرر لها يوم 12 سبتمبر الجاري، أيضاً يخطط القائمون عليها لحرق المصحف ملفوف في لحم خنزير.

فاتحة غالي إريكسون، وهي كاتبة وأمينة السر في منظمة “بيت الشرق” (منظمة معنية بتعزيز العمل العربي المشترك من قبل الجاليات والمؤسسات العربية الرسمية وغير الرسمية في أستوكهولم)، قالت لـ”المجتمع”: إنه لم يتأكد بعد أنه تم التصريح لهذه الفعالية أم لا، لكن المنظمون لها أعلنوا عنها بطريقة استفزازية أيضاً للمسلمين.

استغلال اليمين 

وبالتواصل مع الناشطة المقيمة بالسويد هالة عكاري، تعمل في إدارة مشاريع تتعلق بالاندماج قالت: رغم أن التحقيقات لم تنته بعد، فإن اليمين المتطرف الذي يبرع ببث أفكاره عبر منصات التواصل الاجتماعي استغل الاحتجاجات وأخذ بتحميل المسلمين المسؤولية عما حدث والمطالبة بمعاقبتهم.

لا للعشوائية

وحول أحداث الشغب التي أعقبت هذه الإساءات، يقول د. عثمان عثمان: إن رد الفعل من قبل المسلمين القائم على العاطفة الذي تسبب في عشوائية أو تخريب، لا يصلح في هذه البلاد كما اعتدنا في بلادنا، وإنما هذه البلاد في الغرب مثل السويد هي قائمة على القانون، وبالتالي على المسلمين في مثل هذه الأمور اللجوء إلى المسار القانوني لمواجهة هذه الإساءات، لا سيما مع التنامي الملحوظ في شعبية اليمين المتطرف وأحزابه وحركاته الشعبوية في أوروبا بشكل عام، وفي السويد بشكل خاص، يضرب مثالاً بالحزب العنصري في السويد الذي حصل على 9% قبل نحو دورتين، وفي الدورة قبل السابقة حصل على 18%، أما في الدولة الأخيرة قبل نحو سنتين حصل على 19%، لكن منذ بداية جائحة كورونا، تظهر الاستبيانات تراجعاً كبيراً لهذا الحزب العنصري، وبالتالي هذا التنامي لليمين في أوروبا عموماً يوجب على المسلمين الاستعداد للتعامل بحكمة مع مثل هذه التحديات.

أما هالة عكاري، فترى أن الأمر برمته كان بنية استفزاز المسلمين واستدراجهم للخروج والتظاهر، وكما هو معتاد في حالات كهذه، وهذا شيء يحصل في كل مكان، فقد اندسّ بين المتظاهرين السلميين عناصر شغب يقول بعض شهود العيان: إنهم من تجار المخدرات في المنطقة ممن يكيدون لرجال الشرطة ويريدون الانتقام منهم، وهو المخطط الذي كان المسلمون ضحية له، إذ ترتفع الآن الأصوات التي تصف المسلمين بالهمجية والعنف مرفقة بصور السيارات المحروقة ومواقف الباصات المدمرة والمرافق المتأذية الشيء الذي يؤثر في الرأي العام وخاصة في الشريحة الرمادية من المواطنين الذين تعنيهم الصورة التي يرونها وقليل منهم من يبحث حقاً عن الحقيقة، وهو الأمر الذي بالطبع يزيد من رصيد اليمين في الانتخابات القادمة.

وتؤكد عكاري أهمية أن يسعى المسلمون في السويد إلى تنظيم أنفسهم واختيار ممثلين لهم أمام السلطات يصطف المسلمون خلفهم وإيجاد وسائل لاحتواء مثل هذه التحديات وفق خطط مدروسة، تحفظ وجود المسلمين وتظهر صورتهم الحقيقية.

بدورها، ترى فاتحة غالي إريكسون، وهي أيضاً عضو مؤسس في اتحاد جمعيات مؤسسة الإمام مالك في السويد، أن تتقدم المنظمات المسلمة للسلطات بطلب عدم السماح للمجموعات المتطرفة باستفزاز الشباب المسلم وغيرهم من المندسين إلى العنف والمخاطرة بالأمن والسلام الاجتماعي في السويد.

عبر بوابة القانون

وأضافت أن سلطة الهيئة السويدية لدعم المجتمعات الدينية تستعد حالياً لعقد لقاء مع الشرطة والطوائف الدينية، وأيضاً لاجتماع خاص مع المنظمات الإسلامية، في الأسبوع القادم، وكشفت عن مساعٍ حالية تقوم بها منظمات إسلامية للوصول إلى صياغة مناسبة لمشروع قانون يتم اقتراحه يجرم الإساءة للمقدسات والأديان ومنها الإسلام، كما أنه يمكن تنظيم فعاليات يتم خلالها التعريف بالإسلام وقدسية القرآن لدى المسلمين.

أنت تحرق ونحن نوزع

أما د. سعيد عزام، فيشير إلى أهمية تنظيم المسلمين خياماً بالمناطق الحيوية يتم خلالها توزيع نسخ مترجمة من القرآن، فإذا أحرق العنصريون بعض النسخ من المصحف يرد المسلمون بتوزيع آلاف النسخ المترجمة من القرآن على الشعب السويدي.

المسلمون في السويد

أصبح المسلمون في السويد نحو مليون مسلم من إجمالي عدد السكان البالغ حوالي 10 مليون نسمة، أي أن المسلمين يمثلون نحو 10% من السكان، أما وصول المسلمين فكانت أبرز المراحل بعد السبعينيات، سبقتها أعداد قليلة من المسلمين، وبمرور الوقت ومع توالي النكبات والأزمات على البلد المسلمة، بدأت هجرات جديدة للمسلمين إلى السويد مثل الذين جاؤوا من البوسنة هرباً من الحرب هناك أو الصومال أو أفغانستان خلال فترات عدم الاستقرار التي شهدتها هذه البلاد وغيرها.

يشار إلى أن القوانين في السويد تجرم الإساءة لبعض المكونات منها “الغجر” واليهود” باعتبارهم قوميات أو عرقية خالصة مغلقة على أهلها، بينما هذه الحماية لا تشمل الإسلام باعتباره ديناً يعتنقه أناس من عرقيات وبلاد ولغات شتى وليس عرقية مغلقة على أصحابها القدامى.

Exit mobile version