تونس.. لماذا طلب سعيّد من الغنوشي والقروي إسقاط “حكومته الثانية”؟

يعرض رئيس الحكومة التونسية المكلّف هشام المشيشي، اليوم الإثنين، برنامج حكومته على البرلمان للحصول على النصاب المطلوب وهو 109 نواب، أو أكثر لتصبح حكومته دستورية ويمكنها مباشرة عملها خلفاً لحكومة تصريف الأعمال التي يترأسها إلياس الفخفاخ الذي لم يتمكن من مواصلة مهامه لارتكابه مخالفة دستورية وقانونية تتعلق بشبهة تضارب مصالح.

وقد انقسمت الكتل البرلمانية وهي 9 كتل مع مستقلين، قبل عقد جلسة منح الثقة بين مريد لحكومة المشيشي مع إبداء ملاحظات وتحفظات، مثل حركة الشعب، والكتلة الوطنية، وحزب قلب تونس، وبين من أعلن رفضه لها وعدم منحها الثقة أثناء التصويت اليوم في البرلمان مثل ائتلاف الكرامة، والتيار الديمقراطي، في حين يبدو أن حركة النهضة سيصوّت بعض نوابها لصالح الحكومة حتى يكتمل نصاب مرورها، وسيمتنع البعض الآخر عن التصويت حتى لا تبدو الحركة مؤيدة لحكومة المشيشي.

وتكتنف العملية الكثير من الألغاز والألغام أشبه ما تكون بلعبة الشطرنج فكل خطوة محسوبة، وكل موقف له ثمن.

ولم تعد الخلافات بين القصر والمشيشي، تسريبات، إلى حد توقع البعض أن يعيد المشيشي العهدة إلى الرئيس الذي كلفه، وهناك من طالبه بذلك مثل القيادي البارز في التيار الديمقراطي، غازي الشواشي، ويبدو أنها ليست خلافات بسيطة، لدرجة يفكر فيها الرئيس قيس سعيّد سحب التكليف من المشيشي عن طريق البرلمان، وهو ما أكده مؤسس حزب قلب تونس، نبيل القروي، في تصريح إعلامي، من أن الرئيس قيس سعيّد اتصل بزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي وبه وطلب منهما عدم التصويت على حكومة المشيشي.

وكانت أنباء قد تحدثت عن بقاء المشيشي مدة 5 أيام لم يزر فيها القصر قبل عرض حكومته على البرلمان، وفق الإعلامي سفيان بن حميدة، وتحدى القصر أن يكذبه، ولم يصدر تكذيب حتى الآن، وأن المشيشي يتعرض لضغوطات من قبل القصر لجعله مجرد ساعي بريد وفي أفضل الأحوال وزيراً من الوزراء وليس رئيس حكومة بيده سلطات السياسة الداخلية ولا رقابة عليه سوى من البرلمان.

ماذا يريد قيس سعيّد؟

بعد ظهر أمس الإثنين التقى الرئيس قيس سعيّد، بقادة الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان في قصر قرطاج وهي كل من حركة النهضة، والتيار الديمقراطي، وحركة تحيا تونس، وحركة الشعب، ولم يستدع حزب قلب تونس، وهو الحزب الثاني بعد حركة النهضة، كما لم يستدع ائتلاف الكرامة وأحزاب أخرى كالدستوري الحر وغيره.

وهذه أول مرة يدعو فيها الرئيس التونسي لاجتماع مع الأحزاب، قبل منح الثقة لحكومة المشيشي، وفق الناطق الرسمي باسم حزب حركة النهضة عماد الخميري.

وأفاد رئيس كتلة تحيا تونس مصطفى بن أحمد أنّ سعيّد اقترح، في حال سقوط حكومة المشيشي، أن تتوافق هذه الأحزاب على مواصلة حكومة تصريف الأعمال الحالية مهامها مع تغيير رئيسها الحالي إلياس الفخفاخ بشخصية أخرى، حسب تصريحه.

وتابع في تصريح لإذاعة “موزاييك” الخاصة: إن رئيس الجمهورية قيس سعيد أكد خلال اجتماعه مساء اليوم (أمس الإثنين) بالأحزاب البرلمانية أن لا نية له في حل البرلمان في حال عدم نيل حكومة هشام المشيشي المقترحة الثقة الثلاثاء.

وهو ما أكده الناطق الرسمي باسم حركة النهضة عماد الخميري، قبل ذلك مؤكداً على أن الرئيس قيس سعيد أعلم رئيس البرلمان راشد الغنوشي في آخر لقاء بينهما بعدم نيته حل البرلمان في صورة عدم منح الثقة لحكومة المشيشي.

وأشار الخميري، في تصريح لإذاعة “شمس أف أم”، إلى أن الحركة لديها تحفظات على بعض الأسماء المقترحة في حكومة المشيشي.

ويبدو أن قيس سعيّد بصدد تعديل إستراتيجيته (عزل الأحزاب عن الحكم) بعد أن تبيّن له أن سياسته أعادت اللحمة مجدداً للأحزاب الوازنة في الساحة السياسية، بعد أن كادت سياسة فرق تسد، تحقق أهدافها داخل الصف الثوري، وإن أثخنت جراحه، بسبب نهم بعض الأحزاب للسلطة وبناء سياساتها على التضاد مع حركة النهضة، ولا سيما حركة الشعب، والتيار الديمقراطي، وبعض مزق نظام بن علي.

وتراجع سعيّد على مقولة فلاديمير لينين “خطوتين إلى الوراء وخطوة إلى الأمام”، لا سيما وأن أحد المقربين منه يلّقب برضا لينين، وبالتالي رأى قيس سعيّد وفق محللين أن يبقى على تركيبة حكومة إلياس الفخفاخ ويبحث عن رئيس حكومة آخر بدلاً عنه دون تغيير الحكومة برمتها؛ مما يؤكد ما قاله نبيل القروي آنفاً من أن سعيّد اتصل بالغنوشي وبه شخصياً وطلب منهما إسقاط حكومة الشاهد.

المؤيدون للحكومة

تختلف خلفيات المؤيدين للحكومة، كما تختلف خلفيات الرافضين لها، فبعضهم يجد في تركيبتها بعض الشبه بخياراته، وبعضهم مناكفة لطرف سياسي منافس، وبعضهم بحثاً عن موطن قدم فيها لم تمنحه إياه الانتخابات، والبعض للتخلص من رئيس حكومة متهم بشبهة تضارب مصالح، وفي هذا الإطار أكد رئيس حزب قلب تونس نبيل القروي على أهمية التصويت لصالح حكومة هشام المشيشي، وإقامة حكومة تحظى بتأييد سياسي واسع.

ودعا القروي قيس سعيد إلى الالتزام بحدود ما منحه الدستور من صلاحيات، ورفض القروي دعوة سعيّد إلى عدم إدخال تغييرات على حكومة المشيشي بعد مدة من التصويت عليها، وقال القروي: إنه سيتم سحب الثقة من بعض وزراء المشيشي الذين اقترحتهم نادية عكاشة (مديرة مكتب قيس سعيّد ومستشارته).

وأشار القروي، في تصريح لقناة “نسمة” التي يملكها، أن النواب في مؤسسة دستورية وسيمارسون صلاحياتهم مع حلفائهم بالبرلمان دون خوف وذلك بوضع من يرونهم مناسبين لتقلد مناصب بوزارات السيادة خاصة، وأنهم يعلمون جيداً كيف تم تعيينهم.

وأردف: وزراء السيادة لم يتم اختيارهم من المشيشي ونعرف كيف حصلت مسخرة اختيارهم، حسب تعبيره.

إلى جانب حزب قلب تونس، أكد القيادي بحركة تحيا تونس (14 نائباً) وليد جلاد، أن نواب كتلة حزبه سيمنحون خلال الجلسة الاستثنائية بمجلس نواب الشعب، الثقة لحكومة هشام المشيشي المقترحة، واعتبر جلاد في تصريح لإذاعة “موزاييك” الخاصة، أن التصويت لحكومة المشيشي هو الخيار الأقل سوء لأن خلاف ذلك سيؤدي إلى الذهاب نحو المجهول وتعطيل مؤسسات الدولة وانتخابات ستفرز نفس النتيجة، أو إضاعة الوقت باختيار خلفاً المشيشي، وفق تعبيره.

وموقف حزب تحيا تونس، الذي يترأسه رئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد، يلتقي مع مواقف كتل أخرى مثل كتلة الإصلاح، والكتلة الوطنية.

وصباح اليوم الثلاثاء، أعلنت حركة النهضة التصويت لصالح حكومة هشام المشيشي في جلسة منح الثقة بالبرلمان.

وقال رئيس مجلس شورى حركة النهضة عبدالكريم الهاروني، في مؤتمر صحفي، اليوم عقب اجتماع مجلس الشورى، رغم التحفظات على طريقة مشاورات تشكيل الحكومة وهيكلتها، قد قرر مجلس شورى حركة النهضة منح الثقة لحكومة المشيشي تقديراً للمصلحة الوطنية، وأن الحكومة ستحظى بالأغلبية في البرلمان في جلسة منح الثقة.

وأشار إلى أن حركة النهضة لا يزال خيارها سياسياً في حكومة وحدة وطنية سياسياً، وهي الوحيدة القادرة على مواجهة التحديات التي تواجهها البلاد.

وشدّد على أن النهضة غير راضية عن مشاورات تشكيل حكومة بدون أحزاب بما لا يحترم قواعد الديمقراطية ولا إرادة الناخبين.

الدعوات لإسقاط الحكومة

الداعون لإسقاط الحكومة لديهم دوافعهم التي ليست بالضرورة تنطلق من مشكاة واحدة، فهناك من سيحافظ على موقعه في حكومة تصريف الأعمال: إن سقطت حكومة المشيشي، وهناك من اشترط إصلاحات تعقب إسقاط حكومة المشيشي والتعامل بجدية مع مقترحات الأحزاب السياسية والكتل البرلمانية، وقال القيادي في التيار الديمقراطي غازي الشواشي الذي يتولى حقيبة أملاك الدولة والشؤون العقارية، في حكومة تصريف الأعمال، إن حكومة هشام المشيشي المقترحة لن تستمر حتى إن نالت الثقة في جلسة الثلاثاء.

وقال الشواشي: في مداخلة له على الإذاعة التونسية المملوكة للدولة: “يبدو أن رئيس الدولة اتخذ موقفه بأنه لن يتولى حل البرلمان إن سقطت هذه الحكومة”، مضيفاً: “الحل أصبح واضحاً وهو أن ينسحب هشام المشيشي، وأنا أنصحه بالانسحاب قبل جلسة منح الثقة ولا سبب يدفعه لجلب حكومته لمجلس نواب الشعب، لفسح المجال لرئيس الدولة لاختيار شخصية جامعة لتشكيل الحكومة”، وهو الأمر المتاح دستورياً لرئيس الجمهورية، وفق الشواشي.

وشدد الشواشي على أنّ حكومة التكنوقراط خطر على مسار الانتقال الديمقراطي في تونس وتمس من النظام السياسي.

كما بدا التغيير في المواقف واضحاً في موقف حركة الشعب، التي كانت مريدة لحكومة المشيشي، لكن موقفها تغيّر 180 درجة بعد خلاف المشيشي مع الرئيس قيس سعيّد، وبعد تراجع سعيّد كما يبدو عن حكومة الكفاءات لإرضاء أطراف يقول البعض، أنهما كعب أخيل الثورة، وحصان طروادة القصر.

كعب أخيل الثورة، وحصان طروادة القصر، مثّلهما التيار الديمقراطي، وحركة الشعب، فبعد تقاربهما مع حركة النهضة، وحزب قلب تونس، في أعقاب الإعلان عن حكومة المشيشي التي لم يكن لهما فيها نصيب بدأ الطرفان يهاجمانها وتراجعت حركة الشعب عن تأييدها دون أن تسفر عن موقف واضح في هذا الاتجاه وهو ما عبّر عنه القيادي بحركة الشعب هيكل المكي، الذي ذكر بأن رئيس الحكومة المكلف هشام المشيشي لم يتفاعل مع جميع النقاط الواردة بالمبادرة التي قدمتها حركته على الرغم من أنه كان قد صرّح بالتفاعل الإيجابي معها، مبيناً أن المبادرة المذكورة تقترح هدنة بعد إعلان المشيشي عن برنامج.

وقال المكي: إن حركة الشعب ما زالت تخوض نقاشاً حول موقفها من حكومة المشيشي، وإنها ستصوت لها في حال كان فيها مصلحة لتونس وتمتنع عن ذلك إن لم تكن فيها مصلحة.

وهو ما يعني عدم التصويت وفقاً للمعطيات الجديدة وتراجع الرئيس سعيّد عن حكومة التكنوقراط واستمرار الحكومة الحالية مع تطعيمها بوزراء يحددهم القصر، ومرة أخرى يستجيب التيار الديمقراطي، وحركة الشعب للطعم الذي ألقي إليهما من قصر قرطاج، لكن يبدو أن المؤيدين للحكومة بعد تغيّر المواقف بشكل مثير للدهشة لحجم المناورة في الساحة السياسية التونسية والانتقال من الموقف إلى ضده تماماً، قادرين على تحقيق النصاب الذي ستمر به حكومة المشيشي إلى السلطة في القصبة، وبداية مرحلة جديدة من التدافع السياسي، وهو ما قاله القيادي في حركة النهضة محمد القوماني: من عملوا على إقصاء النهضة وطربوا لذلك سيجدون النهضة في الساعات الأخيرة طرفاً رئيساً في التشكيل الحكومي، وقد تعوّدت رمال السياسة المتحركة في تونس، الهبوب في كل الاتجاهات، ففي أي اتجاه ستهب اليوم؟

Exit mobile version