نعم علِموا التوحيد.. ابن سلول.. أبو لهب.. أبو جهل (2)

ذكرنا في المقال السابق أن كفار قريش يعلمون بوجود الله تعالى علمًا حقيقيًا، ويعلمون علوم التوحيد، ويعلمون تمامًا أن الله تعالى هو الذي يدير هذا العالم وهذا الكون بنجومه وكواكبه، وأمطاره وشمسه وقمره، وزرعه وحصاده، وهو سبحانه وتعالى مدبر الأمر كله، وهم يعلمون علم اليقين كفار قريش، ويقرون بذلك.

وأكدنا ذلك من خلال كتاب الله تعالى الذي لا يأتي إلا بالحق، وهو كلام الله تعالى، وذكرنا بعضًا من هذه الآيات الكريمة التي تدل على ما نعرضه، وأن الله تعالى ذكر هذا لتأكيده لا للنظر فيه ومن ثم تخمين الأمر ممكن أم غير ممكن، فكتاب الله يقول الحقيقة لا شك الظاهرة على تصرفاتهم، والحقيقة المكنونة التي يخفونها في صدورهم وعقولهم.

وفي هذه السطور بعون الله وفضله، نكمل بقية الآيات التي تعرضت لذلك، وهي لا شك حجة عليهم من الله تعالى وحجة على ولمن هو من بعدهم إلى قيام الساعة.

وكفار قريش، ومن على شاكلتهم حينها، هم كما الفلاسفة اليوم والباطنيون الزنادقة، يقرون بوجوده وربوبيته تعالى، ولكنهم ينكرون العودة بعد أن يكونوا رفاتاً وعظاماً، وهي نظرة قريبة جدًا من نظرة أدعياء الكذب والزندقة من الفلاسفة الدهرية والباطنيين؛ أدعياء وحدة الروح والاتحاد عودةً إلى مصدرها! فلذلك.. كانت قريش مع جهلها المطبق إلا أنه يطلق عليها في ذلك الحين “العلمانية!”.

يقول الله تعالى في كتابه العظيم مبينًا إيمان الكفرة بوجوده، إلا أنهم يجحدون باكتمال وتكامل التوحيد الذي أقره الله لذاته منزهاً ذاته، فأصروا تبجحًا وتقاليد، وتقليدًا للآباء والأجداد بنقصانه جل وعلا العظيم الأعظم، فلذلك جعلهم في هامش الكفر، والخلود في نار جهنم، وإن أقروا بشيء من التوحيد إلا أنه ناقص قال تعالى: (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ) (الزمر: 38).

ولا شك كفار قريش، وكل من على شاكلتهم يعلمون أن الله تعالى المحيي والمميت والمدبر للأمور والأرزاق، يعتقدون بذلك كما يعتقد اليهود والنصارى مع الخلل والنقص، ولذلك قال تعالى: (قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ) (يونس: 31).

الله أكبر ولله الحمد

كل ما ذكر في الآيات الكريمة هو معلوم عند كفار قريش وعلى رأسهم أبو جهل، وأبو لهب، وابن سلول، والقرآن العظيم يقر لهم بذلك، والقرآن كلام الله تعالى، وكلام الله تعالى صفة من صفاته، وهو الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

الله أكبر، لماذا مع كل هذا الاعتراف والاعتقاد وهم ما زالوا كفارًا؟ لماذا يا ترى؟

قال تعالى: (مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ {74} اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ {75} يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ) (الحج).

نعم، ما قدروا الله حق قدره، جعلوا مخلوقاته من عبيده الذين اصطفى ندًا له بالنداء والتوسل والتزلف له!

كيف ما قدروا الله حق قدره؟!

قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) (الأعراف: 194).

وحّدوا الله تعالى التوحيد القاصر والناقص؛ فلذلك بقوا على ما هم عليه، ولم يدخلوا الإسلام رغم اعترافهم؛ وبدقة أكثر، اعترافهم فقط بتوحيد الربوبية، ورغم إقرار القرآن العظيم لهم بذلك، فإنهم بقوا خارج دين الإسلام، ومخلدين في النار لكفرهم، وشركهم بالله تعالى، فما ميّزوا بين الله تعالى، وآلهتهم الشركية، الفلسفية، الظنية، كما يدعون، وجعلوها ندًا لله تعالى؛ لنقص في عقولهم، أو تكبرًا وحقدًا أو اتباعًا للآباء والأجداد، أو حسدًا وحقدًا على من يحمل التوحيد الصافي، الذي ينفي علومهم ومعتقداتهم التي توارثوها، أو تعلموها من أسيادهم وكهانهم ومعلميهم.

نعم لأنهم تركوا التكامل في التوحيد، وذلك لخلل أصابهم في توحيد الربوبية أو توحيد الألوهية؛ قال تعالى: (أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ) (الزمر: 3).

نعم، وهذا الخلل هو الذي صنع اللات والعزة ويغوث وغيرها، وهو الذي صنع قول فرعون: “أنا ربكم الأعلى”، وهو الذي صنع قول الباطنية المتطرفة بوحدة الوجود القائل: “ما في الجبة إلا الله”! وهو الذي صنع “عزير ابن الله”، وهو الذي صنع “المسيح ابن الله”، وهو الذي صنع “ثالث ثلاثة”، وأيضًا هو الذي صنع “شد الرحال لما هو لا دليل عليه”، وهو الذي يصنع ولي الأمر المقدس المعصوم ظاهرًا وضمنًا! الذي بمجرد مخالفته أو نصحه توصم الأمة بالخوارج، وتهدر منها الدماء والأعراض، وهو الذي صنع الروح والإله شيئاً واحداً! فكانت عقيدة الفلاسفة الزنادقة وحدة الوجود، وعدم البعث والخلود كما جاء في الكتاب والسُّنة.

وأيضًا، ماذا قالوا عن أصنامهم وأوثانهم ونصبهم؛ يقول الله تعالى: (وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ) (يونس: 18).

هذا ما قالوه بأصنامهم، وهي كلمة وعبارة جامعة تحتها كل أصحاب الخلل (الصوفي الموغل بدعة، ولا نعني المعتدلين منهم، وأيضًا المتوسل بالجن وعابد العقل والمنطق تقديمًا على النص والنقل، جميعهم يدعون الشفاعة بهم أو التزلف إلى الله من خلالهم).

لو دققنا في كلمة “دون” لوجدناها تحمل كل الخلائق المخلوقة حينما تسبق اسم الجلالة “دون الله”.

الكلام يطول.. ولكن سنكمله في السطور أو المقالة القادمة بإذن الله تعالى.

يتبع..

 

 

________________________

إعلامي كويتي.

Exit mobile version