ماذا وراء إشاعة وجود مخطط لتسميم الرئيس التونسي قيس سعيّد؟

على إثر نشر معلومات أمنية مسربة لصحيفة “الشروق” اليومية التونسية، حول مخطط لتسميم الرئيس التونسي قيس سعيّد عن طريق مخبزة في ضاحية البحيرة 2 الراقية بتونس العاصمة، توالت ردود الفعل الإعلامية ولا سيما الإذاعية ومواقع التواصل الاجتماعي بين مكذبة للخبر ومؤيدة له، وقد شرق كثيرون وغربوا حول القضية، ولم تهدأ الأمور إلا بعد أن أصدرت الرئاسة التونسية بياناً أكدت فيه أن الخبر عار عن الصحة، ولا يعدو أن يكون إشاعة لتسميم الأجواء.

إخراج الإشاعة

فوجئ التونسيون، أمس الجمعة، بخبر رئيس في الصفحة الأولى من جريدة “الشروق” يتحدث عما وصفها بتفاصيل محاولة تسميم الرئيس التونسي قيس سعيّد، كان خبراً نزل على التونسيين كالصاعقة، في ظل أزمة سياسية واجتماعية واقتصادية خانقة، وصف فيها رئيس حكومة تصريف الأعمال الوضع بأنه “على حافة الإفلاس”.

زد على ذلك تفشي فيروس كورونا في عدد من جهات تونس كالوسط والجنوب، وقد أكد كثيرون بأن الهدف من نشر الإشاعة بذلك الإخراج المثير لم يكن مجرد حصول على سبق صحفي، أو أمني، وإنما وراءه مشروع كامل وفق البعض، ومن ذلك إعطاء الرئيس التونسي حجة لاستهداف منافسيه أو خصومه في الساحة السياسية.

وقام البعض بتشبيه ما جرى بمحاولة محاكاة ما فعله جمال عبدالناصر في مصر باختلاق حادثة المنشية للتخلص من “جماعة الإخوان المسلمين” في خمسينيات القرن الماضي، لا سيما وأن الرئيس التونسي قد تحدث بعفويته، في وقت سابق، عمّا وصفه بالصواريخ التي على منصاتها وتستعد للانطلاق لأهدافها، وربما حاول البعض توجيه تلك الصواريخ ظناً منهم أن الهمم متطابقة، وأن ظروف الخمسينيات يمكن أن تتكرر في بداية القرن الـ21، وأن موازين القوى قد لا تختلف من ذلك الزمن إلى ثورة عمرها 10 سنوات صقلتها كل محاولات الإطفاء وزادتها قوة.

فشل المحاولة

أفشلت الرئاسة التونسية المحاولة برفضها الهدية المسمومة حقاً، حيث نفت دائرة الإعلام بالرئاسة التونسية، أمس، ما تم تداوله من أخبار حول محاولة المس من سلامة رئيس الجمهورية قيس سعيد، معتبرة أن ما تم نشره من أخبار حول استهداف الرئيس يتنزل في خانة “الإشاعات التي لا أساس لها من الصحة”.

وعبرت المكلفة بالإعلام في رئاسة الجمهورية رشيدة النيفر عن امتعاضها من نشر إشاعة محاولة تسميم الرئيس التونسي، وكتبت على صفحتها على “فيسبوك”: “يبحثون عن تسميم الأجواء ببث الإشاعات، ولكن الأمل يبقى قائماً في تونس جديدة حرة ومزدهرة”.

مصدر مشكوك فيه

رغم أن رئيس وحدة الإعلام بالمحكمة الابتدائية بتونس العاصمة محسن الدالي قد علّق بعد بيان الرئاسة بأن مخطط اغتيال الرئيس قيس سعيّد يأتي في إطار “الإشعار الكيدي”، وذلك وفق الأبحاث الأولية، على حد تعبيره، وأنه حسب الأبحاث الأولية تبيّن أن هناك خلافاً بين مخبزتين، وأن الإشعار الذي تلقته السلطات القضائية، في أواخر يوليو الماضي، والمتعلق بمخطط الاغتيال ليس إلا إشعاراً كيدياً في إطار التنافس بين المخبزتين، رغم ذلك لم يستسغ كثيرون التفسير بتلك البساطة، إذ إن الرئاسة التونسية لا تتزوّد بالخبز من الخارج، بل لديها مخبزتها الخاصة، والجهات التي تلقت الإشعار أو التبليغ تعلم ذلك، فلماذا وقع تسريب الخبر للصحافة ولا سيما لجريدة معروفة بميولاتها التمويلية وعلاقاتها المشبوهة؟!

سعيّد في طابور الخبز

ورداً على الإشاعة ومشروعها، نزل قيس سعيّد بعد أدائه صلاة الجمعة في أحد مساجد ضاحية النصر بالعاصمة ووقف في الطابور ودفع ثمن الخبز والتقط صوراً وخرج.

لكن الحديث عن أهداف لا يزال مستمراً كما لا يزال الرأي العام في تونس يجهل خيوطه وذيوله، لا سيما وأن الخبر الكاذب يتحدث عن رجل أعمال حاول دفع 20 ألف دينار تونسي لعامل المخبزة المزعومة من أجل تسميم الخبز الموجه للرئاسة التونسية (المخبزة المذكورة لا تزود الرئاسة بالخبز كما سلف)، وأن التحقيقات متواصلة في ظل وجود احتمالات تورط سياسيين، حسب ما جاء في الصفحة الأولى لـ”الشروق” التونسية، والخبر الكاذب يحمل إيحاءات كما يحمل استدراجاً لسعيّد ليلتقط الخيط ويصفي حساباته على طريقة المستبدين مع خصومهم، لكنه لم يفعل لاعتبارات كثيرة غائبة تماماً عمن نسجوا خيوط الكذبة الكبرى.

ابحث عن المصادر

تمسّكت كاتبة المقال، منى البوعزيزي، في تدوينة على صفحتها بموقع “فيسبوك” بصحة معلوماتها، وتحدّت الناطقة باسم رئاسة الجمهورية رشيدة النيفر، ومعروف عن البوعزيزي علاقاتها بأطراف أمنية لدرجة زعم فيها البعض أنه شاهدها في سيارات أمنية (يمنع على الأمنيين حمل مدنيين في سيارات إدارية غير مخصصة لنقل المدنيين كالسجون والإيقاف مثلاً)، وكانت قد أثارت جدلاً بخصوص قضايا أمنية أخرى أثارت الكثير من الجدل.

وقال المحلل السياسي سفيان بن حميدة تعليقاً على رواية “الشروق”، لإذاعة “ابتسامة إف إم”: إنّ الصحفية قد تكون ضحية تلاعب المصادر وعدم سعيها للتدقيق والتثبت من المعلومات.

واعتبر المعلّق بإذاعة “موزاييك” هيثم المكي أنّ جريدة “الشروق” تعاملت بشكل خاطئ مع تسريب أمني لإشعار كيدي معتاد لدى المصالح الأمنية، ولم يتم البتّ فيه في إطار التحقيقات الأولية والقضائية.

فيما اعتبر كثيرون نشر” الشروق” للخبر الكاذب هدفه تحويل الأنظار عن عملية التطبيع الجارية في المنطقة، وإشغال الراي العام عن كثير من المواقف الصادمة في الساحة السياسية حيال قضايا تونسية وإقليمية ودولية كالعدوان الصهيوني على غزة، والتطبيع، والاكتشاف الطاقي في تركيا وغيرها من القضايا المهمة للأمة، وقارن كثيرون بين إعلان أردوغان عن اكتشاف كميات كبيرة من الغاز وتحوّل سعيّد لشراء خبز من مخبزة، رغم تأكيدهم أن الرؤساء العرب لا يفعلون ذلك، وهي من بركات الثورة، ولكنها لا تضاهي عظائم يصنعها الرجال كما يفعل أردوغان، وقد نشر كثيرون صورة لأردوغان وهو يعلن البشرى بجانب صورة لسعيد وهو يشتري الخبز.

Exit mobile version