دراسة حول التعليم الإسلامي العالي بعد “كورونا”

 

يجب إعادة ترتيب أولويات التعليم العالي وأهدافه ووسائله

التعليم الإسلامي العالي بحاجة ماسة إلى إعادة ترتيب أولوياته ليسهم في توظيف كنوز التراث

هل الكتب الجامعية أدوات لبناء الطلاب وتفجير طاقاتهم أم تسير عكس الاتجاه المطلوب؟

لا بد من إعادة صياغة أهداف الجامعات وترتيب أولوياتها للتنبؤ بالأزمات والاستعداد للتعاطي معها

يجب دعم حركة التخصصات البينية بين العلوم المختلفة لتكامل المعرفة واشتراكها في أكثر من تخصص

إنشاء منصة إلكترونية تعليمية موحدة وقمر صناعي لتوفير الإنترنت للطلاب

 

    

طالب عدد من الخبراء بضرورة تكاتف الدول الإسلامية لإطلاق قمر صناعي للدول الإسلامية يدعم إتاحة خدمات الإنترنت للطلاب والباحثين غير القادرين، وللمناطق المحرومة من الإنترنت مجاناً؛ لمراعاة الأبعاد الاجتماعية، وتقليل الفجوة الرقمية، ومن ثم المساعدة على دعم التعليم الإلكتروني والمنصات الإلكترونية التعليمية، وما يستجد من متطلبات.

أكد د. أحمد علي سليمان، عضو المكتب الفني بالهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمصر، في دراسته المقدمة للمؤتمر الدولي الافتراضي “التحديات التي تواجه التعليم الإسلامي العالي بعد أزمة كورونا”، الذي نظمه المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة بالتعاون مع رابطة الجامعات الإسلامية، التي حملت عنوان “بدائل الكتاب الجامعي في ضوء أهداف التعليم الجامعي وأزمة كورونا”، أكد أن التعليم الإسلامي العالي في حاجة ماسة إلى إعادة ترتيب أولوياته، ليسهم في توظيف كنوز التراث الإسلامي، وما تزخر به مؤسساته حول العالم من معامل ومراكز بحوث وكوادر بشرية قادرة على التنبؤ بالتحديات والأزمات والجوائح والتصدي لها.

وأوضح أنه من الضروري ربط مراكز البحوث والمختبرات والمعامل العلمية في جامعات العالم الإسلامي تحت كيان موحد، وتسخير كل الإمكانات لشتى الباحثين في جامعاتنا، ومساعدتهم حتى يكون لهم قصب السبق في اكتشاف الأمصال والعلاجات للأوبئة والجوائح وما يستجد من مشكلات.

وتساءل د. سليمان، منسق عام المؤتمر: هل الكتب والمذكرات الجامعية هي أدوات لبناء الطلاب وتفجير طاقاتهم، أم أنها تسير عكس الاتجاه المطلوب؟

وأكد أن الناظر المدقق في كثير من الكتب والمذكرات الجامعية والملخصات التي يُعدها أعضاء هيئة التدريس للطلاب يجدها أحد الأسباب التي أسهمت في إضعاف مستوى الخريجين، وإضعاف العملية التعليمية في الجامعات، وأرجع ذلك إلى الأسباب الآتية:

أولاً: إذا كان من أهداف المرحلة الجامعية تفجير طاقات الطلاب، وتدريبهم على البحث والتقصي والحصول على المعلومات، من خلال الرجوع إلى المصادر الأصيلة وغيرها من مصادر المعلومات الحديثة؛ بحيث يتكوّن لدى الطلاب القدرة على المعرفة ومتابعتها واستنباتها وإنتاجها، وتكوين تفكيرهم الناقد والقادر على الرصد والتحليل والاستقصاء والتركيب والاستشراف والإبداع؛ فإن الكتاب الجامعي أسهم بصورة لا يستهان بها دون تحقيق هذا الهدف.

ثانياً: إن عدم التزام عضو هيئة التدريس بالأخذ بنظام قائمة المراجع المتعددة والكتب والمصادر العلمية المختلفة من خلال إعداد “قائمة القراءات المفتوحة” لكل مقرر، والتقيد بما يسمى الكتاب الجامعي والمذكرة الجامعية والملخصات التي تباع في مكاتب تصوير المستندات، قد أسهم في إيجاد خريج يعتمد على الحفظ والاستظهار، في ظل عالم مفتوح أصبح الحصول فيه على المعارف والمعلومات من السهولة بمكان.

وكان الأولى الاعتماد على القراءات المفتوحة للطلاب التي تسهم في إيجاد خريج قادر على الفهم والتحليل والتركيب والاستقصاء والاستشراف والإبداع (كما سبق)، في ظل حرية أكاديمية تمكنه من الانفتاح ومواصلة التعليم، بعيداً عن الحدود الضيقة للمذكرة الجامعية التي تحصر نطاق معارف الطالب في حدود معينة لا يتخطاها، وسرعان ما يفقد جُلَّ مما درَسه عقب أدائه الامتحان.

ثالثاً: تحول المنهج في بعض الجامعات إلى مجرد مذكرات يروّجها مؤلفوها بهدف الربح السريع؛ مما جعل الكتاب الجامعي أحياناً “أداة للاسترزاق”، ووسيلة لحل المشكلات المادية لبعض أعضاء هيئة التدريس، بدلاً من أن يكون مصدراً للحصول على المعرفة والمعلومات الجادة والجوهرية.

رابعاً: لم يعد الكتاب الجامعي نافذة يطل من خلالها الطالب على آفاق رحبة للعلم والمعرفة، بل تسبب الكتاب الجامعي والمذكرات الجامعية في تقديم معارف هشة في كثير منها، فضلاً عن إسهامها في تنميط عقول الطلاب وجعلها “إسطنبات” مكرورة؛ حتى أمسى الكتاب الجامعي تحدياً خطيراً يضاف إلى التحديات التي تواجه التعليم الجامعي.

خامساً: إضافة إلى ما سبق، وفي ظل الجائحة العالمية التي يشهدها العالم بسبب أزمة “كورونا” وتعطل حركة الحياة بما فيها الجامعات، فلا بد من إعادة صياغة أهداف الجامعات وترتيب أولوياتها للتنبؤ بالأزمات والاستعداد للتعاطي معها، وتجهيز البدائل والمنصات التعليمية والتربوية الجامعية الإلكترونية بشتى مكوناتها وأركانها، وجاهزيتها، وضرورة إيجاد بدائل للكتاب الجامعي؛ بحيث يعالج المشكلات التي أحدثها من قبل، ويراعي الأزمات التي تعرض لها الطلاب خلال الجائحة، وأيضاً يسهم في تكوين عقل الطالب وبنائه وتكوين التفكير الناقد لديه. 

    مقترحات علاجية

وطالب د. سليمان بعلاج هذا الخلل، من خلال ما يلي:

– أن يقرر الكتاب الجامعي في أضيق الحدود، وفي مواد معينة وقليلة، وذلك كأن يكون مثلاً في المقررات العامة التي تقررها الجامعة على كل طلابها، على أن يقوم بإعداده نخبة من كبار المتخصصين في المادة العلمية، ونخبة من خبراء التربية وعلم النفس، وأيضاً خبراء في اللغة، بحيث يكون الكتاب مصدراً أصيلاً للمعرفة التخصصية، ومراعياً للفروق الفردية بين الطلاب، ويكون من آليات اكتساب اللغة السليمة لدى الطلاب، وأن يراعى في الكتب التي يقررها عضو هيئة التدريس بالجامعة أن تكون كتباً إرشادية، تفتح المجال أمام الطلاب والباحثين لتوسيع دائرة البحث والتقصي.

– الاعتماد في المقررات الدراسية على: قائمة القراءات المتعددة والمفتوحة في موضوع المادة الدراسية، التي يعدها أساتذة المادة مجتمعين بعناية، والتطبيقيات العملية لمحتوى المقرر الجامعي، وعمل الأبحاث وأوراق العمل في موضوعات المقررات الجامعية، واعتماد إستراتيجيات حديثة في طرق التدريس وتناول موضوعات المقرر؛ بحيث يعول أكثر على عقد مناقشات عامة للطلاب يعرض فيها كل طالب رؤيته وما توصل إليه من معلومات جديدة، ومن ثم تعم الفائدة بين جموع الطلاب، وأيضاً نضمن تدريب الطلاب على الإلقاء، والنقاش، وإلقاء المحاضرات، والعصف الذهني وتبادل الأدوار.

– إقرار نحو 20% من المادة الدراسية كقراءات مفتوحة بلغة أجنبية، شريطة أن تكون قراءات حديثة لم يمر على نشرها أكثر من ثلاثة أعوام، بحيث يحرص الطلاب على تطوير لغتهم الأجنبية، وفي الوقت نفسه مساعدتهم على متابعة آخر ما وصل إليه العلم الحديث في تلك الموضوعات.

– دعم حركة التخصصات البينية بين العلوم المختلفة، بحيث نضمن تكامل المعرفة واشتراكها وتشابكها في أكثر من تخصص، وهذا من التوجهات التربوية العالمية الحديثة التي تستهدف تقليل الهوة بين التخصصات، ودعم الابتكار والإبداع وتكامل المعرفة.

– التعويل على إستراتيجيات التعلم التعاوني والتعلم النشط والتعلم الذاتي، من خلال تحديد قوائم القراءات المفتوحة من قبل الأقسام العلمية لكل مقرر. 

وقدم د. سليمان آليات تنفيذ بدائل الكتاب الجامعي، منها:

– تفعيل المواقع الإلكترونية للجامعات والأقسام العلمية وأعضاء هيئة التدريس؛ للتفاعل المباشر مع الطلاب عبر هذه الآليات الحديثة، وجعل ذلك من صميم الخطة التدريسية للمقررات.

– عمل مجموعات بريدية للتواصل السريع بين الطلاب والباحثين والأساتذة، فيما يخص المنهج الدراسي عبر تطبيقات الهواتف الذكية.

– إنشاء بنك أفكار وبنك معلومات “إلكتروني” -من قبيل المنتديات- في موضوعات التخصص، يشترك الطلاب والباحثون والأساتذة في إعداده، وتنميته وتغذيته بصورة دورية، ليكون رصيداً ضخماً، يضيف عليه ويغذيه الطلاب الجدد في السنوات التالية.

– تخصيص عمادة للتعليم الإلكتروني بالجامعات لمباشرة العملية التعليمية عن بُعد، والإشراف على شتى الأمور المتعلقة بتدريس المقررات للطلبة، ومتابعة أعضاء هيئة التدريس، والإشراف عليهم بما ييسر لهم الخطوات العملية الإجرائية في إدارة عملية التدريس واللقاءات مع الطلبة، وتذليل كل العقبات والمشكلات التي تواجههم بما يحقق الأهداف المرجوة من الخطط التدريسية.

– العمل على تسريع إنشاء المنصات الإلكترونية بالجامعات وإعطاء الأولوية لهذا الأمر، فربما يتم الاعتماد على التعليم الإلكتروني الذي يدار عن بُعد لفترات قد تطول، وربما يتم دمجه مع التعليم التقليدي الحضوري؛ لما فيه من الفوائد الكثيرة التي ظهرت خلال الاعتماد عليه في شهور الحظر الكلي.

Exit mobile version