هل بات “الاحتلال” هو أمل الشعوب العربية؟!

“أنقذنا لأنك أملنا الوحيد”، “لا تعطِ الأموال لحكومتنا الفاسدة”، “تعال وجيب معك الانتداب.. ما بقي بدنا هالاستقلال”! هذه عينة من مناشدات بعض اللبنانيين للرئيس الفرنسي ماكرون وهو يتجول في بيروت لتفقد نتائج انفجار مينائها، ختموها بالهتاف: “الشعب يريد إسقاط النظام”، ولم يتبق سوى أن يقولوا “الشعب يريد حكم المحتل الأجنبي”!

وهو ما فعله بالفعل فريق من اللبنانيين الذين وقعوا على عريضة على موقع التصويت العالمي “avaaz” طالبوا فيها بعودة الاحتلال الفرنسي لبلادهم وإدارة فرنسا لبلادهم بدعوى فشل وفساد الطبقة الحاكمة، ووقع عليها حتى الآن 55 ألف لبناني!

ما فعله هؤلاء اللبنانيون اليائسون من إصلاح أحوال بلادهم والناقمون على فساد الطبقة الحاكمة، من مناشدة الرئيس الفرنسي وتوقيع هذه العريضة للمطالبة بعودة الاحتلال الفرنسي لحكم بلادهم، هو مؤشر خطير على فشل الطبقة الحاكمة في العالم العربي في تلبية تطلعات الشعوب.

والأخطر أن هذه العريضة اللبنانية قد تفتح الباب لمطالبة شعوب عربية أخرى للدول الأجنبية التي كانت تحتلها حتى منتصف القرن الماضي، بالعودة والترحيب بها لإعادة احتلال بعض البلاد العربية؛ يأساً من هذا الفساد المنتشر برعاية الطبقة الحاكمة وهو جرس إنذار خطير.

فهذه الدعوات معناها عملياً الكفر بشعارات الربيع العربي وشعار “الشعب يريد إسقاط النظام”، واعتبار “الاحتلال” هو أمل الشعوب العربية بدل “الثورة” للتخلص من الطبقة الحاكمة الفاسدة، ومعناها أن “الشعب يريد إسقاط النظام” ولكن، إحلال المحتل الأجنبي مكانه!

يأس اللبنانيين

قبل انفجار ميناء بيروت الذي أتى على الأخضر واليابس مما تبقى من حالة الفقر والانهيار الاقتصادي الذي يشهده لبنان منذ عدة أشهر، كان اللبنانيون يخرجون في مظاهرات مستمرة مطالبين بالتغيير ورحيل رموز النظام تحت شعار “كلن يعني كلن”، ولكن جاء انفجار الميناء وما حملته التحقيقات الأولية من أنباء عن فساد وإهمال في تخزين مواد معرضة للانفجار، لتحيل يأس اللبنانيين إلى “كفر” بمنظومة الحكم الطائفية ككل، والدعوة للتدخل الأجنبي بديلاً عنه.

فلم يكتف اللبنانيون بالتحلق حول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في شوارع بيروت ومناشدته أن يقدم المساعدات المالية مباشرة إلى ضحايا الانفجار والمنكوبين دون تمريرها عبر الحكومة اللبنانية لأن هنالك “فساداً”.

ولم يكتفوا بالقول له: “رجاء أنقذنا لأنك الأمل الوحيد المتبقي لنا”، في صورة أعادت لأذهان البعض مرحلة الانتداب الفرنسي، ولكن بعضهم دعا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وعبر موقع التصويت العالمي “avaaz” لعودة الانتداب الفرنسي لبلادهم، حتى إن الممثلة اللبنانية كارمن لبس كتبت عبر حسابها في “تويتر” تقول لماكرون: “تعال وجيب معك الانتداب، ما بقي بدنا هالاستقلال” مرفقة بصورة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون!

وتمنى البعض أن يكون ماكرون “رئيس دولتنا كي نشوف حالنا فيك قدام كل دول العالم”، وهتف آخرون له وهو يمر في شوارع بيروت: “تحيا فرنسا”، وهتف بعضهم “ثورة، ثورة”، و”الشعب يريد إسقاط النظام”، والبعض كانوا يصدحون بشعارات معادية لرئيس الجمهورية ميشال عون والحكومة والساسة اللبنانيين.

وهو ما دفع ماكرون، بدوره، لإطلاق تصريحات بدا خلالها كأنه الحاكم الفعلي للبنان ويوجه أوامره لساسة لبنان، مثل قوله: “جئت لأوفر المساعدات والأدوية للشعب ولأبحث موضوع الفساد”، وإعلانه أنه لن يسلم المساعدات الفرنسية لحكومة لبنان وإنما سيوزعها مباشرة على اللبنانيين!

بل واجتمع ماكرون مع كافة المسؤولين اللبنانيين وطرح ما أسماه بـ”ميثاق سياسي جديد لتغيير النظام”، متناسياً أن بلاده فرنسا هي من وضعت نظام الحكم الطائفي الحالي الذي ينتقد فساده، كما ظهر ماكرون كأنه يحكم لبنان فعلياً، قائلاً: إنه سيعود الشهر القادم لمتابعه تنفيذ ما طلبه من المسؤولين والقوى السياسية اللبنانية!

خطورة ما قاله وفعله الرئيس الفرنسي في بيروت ودخوله العاصمة كأنه أحد الفاتحين الذين ستُحل مشكلات لبنان على يديه، أنه وجد أرضاً مهيأة وممهدة ليقول فيها ذلك، مستغلاً يأس وكفر اللبنانيين بالمنظومة الحاكمة الفاسدة، ودعوة بعضهم لعودة الانتداب الفرنسي بعد قرابة 60 عاماً على انتهائه.

والأكثر خطورة أن يكون النموذج اللبناني في التغيير نبراساً ونموذجاً عربياً بديلاً للربيع العربي الديمقراطي، بالدعوة للتغيير باستقدام المحتل الأجنبي بدل الأنظمة التي ترفع شعار الوطنية ولكنها متهمة بالقمع والفساد، وأن يحل هذا النموذج محل النموذج التونسي الصامد حتى الآن، بعد وأد الثورة المضادة للربيع العربي؛ ما يشكل انتكاسة في التطور التاريخي للعالم العربي، ويعيدنا إلى القرن الماضي.

Exit mobile version