هل تتخلى أمريكا عن قيادة العالم؟

ترامب يعلن عزمه على الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني في 8 مايو 2018.

تحول القوة.. تراجع أمريكا يعمل على إعادة تشكيل الشؤون العالمية

 

الولايات المتحدة، التي قادت الكثير من دول العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تبتعد عن المؤسسات العالمية، ومع ذلك؛ يعتقد الكثيرون أن القيادة الأمريكية ضرورية لدفع العالم إلى الأمام بشأن المشكلات التي تتطلب تعاون القوى العظمى. 

مر ما يقرب من ثمانية عقود منذ أن وضع الرئيس فرانكلين دي روزفلت نهاية لعصر الانعزالية في أمريكا، وبدأ تأثيرها الذي لا يقاوم على العالم.

وقد اعتاد العالم، مع أنه كان يتذمر بشأن ذلك -غالبًا بغضب- على هذا التأثير، وكانت قيادة الولايات المتحدة لـ”العالم الحر”، ثم العالم بأسره تقريبًا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، أمرًا مفروغًا منه.

لكن الرئيس دونالد ترمب تخلص في غضون ثلاث سنوات فقط من كل هذه التوقعات، بعد أن أدار ظهره للعديد من المؤسسات الدولية التي تدير العالم، ولم يُظهر أي اهتمام مؤخرًا بقيادة أي استجابة عالمية لوباء كورونا، وحتى قبل فترة طويلة من تفشي المرض، أبدى ترمب نفوره مرارًا وتكرارًا من الانضمام إلى مبادرات متعددة الأطراف؛ مثل التجارة وتغير المناخ والبرنامج النووي الإيراني.

ولا يزال باقي الكوكب، الذي أخل بالتوازن بسبب هذا السيناريو غير المألوف، يبحث عن توجهات خاصة به، فقد اتبعت معظم البلدان -إلى حد ما- خطى أمريكا فيما يتعلق بالوباء، من خلال اتباع نهج “كل يهتم بشأنه”، فقد أغلقوا حدودهم، وتنافسوا مع بعضهم بعضاً على المعدات الطبية النادرة، وفي حالة الصين، تجادلوا حول على من يقع اللوم على أصل الفيروس.

يقول نيكولاس بيرنز، وكيل وزارة الخارجية الأمريكية السابق: لقد كانت صدمة للنظام العالمي، و”كوفيد-19″ يعتبر مثالاً مناسباً جدًا لما يحدث عادة إذا رفض بلد بحجم الولايات المتحدة أن يقود العالم.

وقد قام بقية العالم في الغالب بتجميع الحلول البديلة لإدارة الاضطراب الناجم عن تنازل واشنطن عن دورها المهيمن تقليديًا في الشؤون العالمية، ولكن إلى متى يمكن أن تستمر هذه الحالة؟ مع الوضع في الحسبان أنه لا يمكن تجنب حقيقة أننا في عالم لا توجد فيه قوة أخرى جاهزة أو مستعدة لملء الفراغات الاقتصادية والعسكرية الضخمة لأمريكا، وقد أدى فشل الحكومة الفيدرالية الأمريكية في التعامل بشكل فعال مع تفشي كورونا في الداخل لإثارة مخاوف كبيرة في الخارج.

تقول ياشا مونك، أستاذة السياسة الدولية في جامعة هارفارد في كامبريدج، ماساتشوستس: حتى لو لم تعجبك الولايات المتحدة، عليك أن تحترمها باعتبارها القوة العالمية البارزة القادرة على إنجاز الأمور، لكن “كوفيد-19” جعل الناس يتعاملون مع الولايات المتحدة بجدية أقل، وينظرون لها بشفقة، على أنها لم تعد مؤهلًة جيدا لقيادة العالم الحر.

أمريكا أقوى بمفردها!

ترمب هو أول رئيس أمريكي منذ الحرب العالمية الثانية يعتقد أن أمريكا أقوى بمفردها من كونها عضوًا في تحالفات تتخذ إجراءات تعاونية دولية، ومع ذلك؛ فإن مقاربته الانعزالية الجديدة تتماشى مع الرأي العام الأمريكي، فما يقرب من 6 من كل 10 أمريكيين يريدون من الولايات المتحدة “التعامل مع مشكلاتها الخاصة والسماح للبلدان الأخرى بالتعامل مع مشكلاتها الخاصة بأفضل ما يمكن”، فوفقًا لمسح أجرته مؤسسة “Pew”، في عام 2016، قال حوالي 41% من المشاركين: إن واشنطن تفعل الكثير، وقال 27: إنها تبذل أقل من اللازم لحل مشكلات العالم، والواقع أن سياسات ترمب لم تنبثق من العدم، فقد سبقه سلفه، باراك أوباما، عندما أحجم عن استخدام القوة الأمريكية في كثير من الأحيان كما كان شائعاً من قبل.

لقد ولت، منذ فترة طويلة، ممارسات أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، عندما كانت الولايات المتحدة ملتزمة بالدفاع عن 42 دولة، وقد كانت تنشر أكثر من مليون جندي في أكثر من 800 قاعدة في 100 دولة.

فمنذ انهيار الاتحاد السوفييتي، تميزت السياسة الخارجية للولايات المتحدة بمغامرتين عسكريتين مكلفتين وغير ناجحتين، أدت إلى انتكاسات، إلى حد كبير، في أفغانستان والعراق، تلك الانتكاسات لنوع النزعة الدولية العدوانية التي تبناها الرئيس جورج دبليو بوش دفعت أوباما إلى كبح جماح الطموحات الأمريكية، فرفض اتخاذ موقف حاسم في سورية كان من الممكن أن ينقذ الانتفاضة ضد بشار الأسد وداعميه الروس، وتراجع في الحملة التي تقودها بريطانيا وفرنسا للإطاحة بمعمر القذافي في ليبيا.

وأعلن الرئيس دونالد ترمب، في 8 مايو 2018، عن نيته الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني.

وقد أصبح نهجه معروفًا باسم “القيادة من الخلف”، فعكس شعور أوباما بأن قوة الولايات المتحدة آخذة في التراجع بالنسبة لدول مثل الصين، وسمح بمساحة أكبر للحلفاء بالعمل، لكنهم أثبتوا أنهم غير قادرين على ملء الفراغ.

والآن، يتجه الرئيس ترمب للانسحاب الأمريكي من العالم إلى اتجاهات أبعد من ذلك بكثير، ولكنه يفعل ذلك بطريقة أكثر اضطرابًا تكون نتيجتها أقل قابلية للتنبؤ.

معادلة أضعف

آخر باب دولي قام ترمب بإغلاقه كان باب منظمة الصحة العالمية (WHO)، فقد قال الرئيس الأمريكي في مايو: إن واشنطن “ستنهي علاقتنا” مع وكالة الصحة التابعة للأمم المتحدة؛ لأن الصين تتمتع بنفوذ كبير فيها.

على أي حال، كان ترمب في أول يوم عمل له في المكتب البيضاوي، في يناير 2017، يُظهر بالفعل غرائز مماثلة، حيث سحب واشنطن من شراكة عبر المحيط الهادئ، وهي اتفاقية تجارة حرة تضم 12 دولة تربط آسيا بالأمريكتين.

واعتقد الجميع أنه بدون الولايات المتحدة ستنهار الصفقة، وخشي بعض المشاركين من انتقام الولايات المتحدة إذا مضوا قدماً، لكن الدول الأخرى تابعت مشروعها بغض النظر عن موقف واشنطن، ودخلت نسخة جديدة من الاتفاقية حيز التنفيذ بعد عامين.

كان من الممكن أن تشمل الشراكة عبر المحيط الهادئ دولًا تشكل 40% من الاقتصاد العالمي، ولكن الاتفاق الجديد يشمل نصف هؤلاء فقط، تقول ديبورا إلمز، التي ترأس مركز التجارة الآسيوي، وهي مجموعة مناصرة في سنغافورة: “عندما يخرج أكبر اقتصاد في العالم من المعادلة، فإن الأرقام لا تبدو جيدة”.

وتضيف د. إلمز: كان الوضع سيكون أفضل للجميع لو ظلت الولايات المتحدة موجودة، وتضيف أن الصفقة التجارية تعمل وتقدم “مزايا كبيرة” لأعضائها، لكن بدون واشنطن كقوة دافعة، لم يكن لدينا الزخم اللازم لما نفعله.

وهناك هيئة تجارية دولية أخرى ليس لها أي تأثير على الإطلاق في الوقت الحالي بسبب مقاطعة الولايات المتحدة هي هيئة الاستئناف التابعة لمنظمة التجارة العالمية، والحكم النهائي في النزاعات التجارية العالمية، لكن أعضاء آخرين في منظمة التجارة العالمية يحاولون إطلاق نظام بديل.

 

 

___________________________

المصدر: “CSmonitor“.

Exit mobile version