أطباء مصر بين مطرقة الموت وسندان الحبس والاتهام بالتقاعس

أثار تعامل السلطة المصرية مع الأطباء استغراب الكثيرين؛ حيث تم منعهم من عقد مؤتمر صحفي لهم بنقابتهم، مؤخراً، وحوصرت النقابة، واعتقال عدد من أعضاء النقابة في اعتداء صارخ على المهنة وأبنائها.

ولم يكن هذا التصرف الوحيد المشين تجاه الأطباء، فقد تم إهمال مطالبهم بحمايتهم وتوفير أبسط قواعد الأمان؛ مما نتج عنه وفاة العشرات منهم، فضلاً عن اتهام رئيس الوزراء مصطفى مدبولي لهم بالتقاعس والإهمال؛ مما تسبب في ارتفاع نسب وفيات فيروس كورونا؛ وهو الأمر الذي قوبل بحملة من الرفض والغضب سواء من جانب الأطباء ونقابتهم، أو من جانب جموع كبيرة من الشعب المصري المتعاطفين مع الأطباء.

موت أو حبس!

وتعرض الأطباء لمعاناة كبيرة مؤخراً ما بين مطرقة الموت وسندان الحبس والاتهام بالتقاعس، حيث توالت مؤخراً وفيات الأطباء المصريين بأعداد كبيرة تعدت الـ100 طبيب، وهو معدل قياسي عالمي، فضلاً عن اتهامات رئيس الوزراء لبعض الأطباء بالتقاعس والإهمال؛ وهو ما أثار غضب الأطباء ونقابتهم، وحبس 8 أطباء، آخرهم الطبيب محمد الفوال بنقابة أطباء الشرقية لمجرد الإبلاغ عن وجود حالات كورونا، أو مطالبات لحمايتهم، بالإضافة إلى منع مؤتمر صحفي النقابة مؤخراً كانت تنوي الرد من خلاله على اتهامات رئيس الوزراء الأطباء بالتقاعس.

وأكدت البيانات الموثقة أن أعضاء الفرق الطبية تتعرض لكارثة، حيث بلغت وفيات الأطباء وحدهم أكثر من حوالي 95 طبيباً بنسبة 3.5% من إجمالي وفيات المصريين بسبب كورونا، في حين أن وفيات الفريق الطبي في دول أخرى تتراوح ما بين 0.5% في إنجلترا، و1.3% في إيطاليا، بما معناه مشكلة شديدة في توافر وكفاءة الواقيات وكل نظم مكافحة العدوى في المستشفيات، بالرغم من كل مخاطبات ومطالبات النقابة المتعددة، وهذا يعكس أن هناك انفلاتاً متزايداً في نسب الإصابات والوفيات، حيت تضاعفت نسب وفيات الأطباء في العشرين يوماً الأخيرة.

من جانبها، عبرت نقابة الأطباء عن غضبها الشديد مما يجري لأعضائها، وطالبت أكثر من مرة الحكومة المصرية بحماية أعضائها، والإفراج عن المعتقلين منهم ورفض أي اتهامات لهم، والاعتذار من جانب رئيس الوزراء عبر بيانات غاضبة للنقابة العامة والنقابات الفرعية.

اعتقالات وفرض حراسة

وفي تعليقه على هذا الأمر، قال وكيل وزارة الصحة السابق د. مصطفى جاويش: مع بدء انتشار جائحة وباء كورونا المستجد، تزايدت شكاوى الأطباء من نقص مستلزمات منع العدوى وفساد بروتوكولات العمل، خاصة أنهم في خط المواجهة الأول ضد فيروس سريع الانتشار وشديد العدوى، وبدأت الأصوات تتعالى، وكان التعسف الأمني هو الرد باعتقال الأطباء، مشيراً إلى اللقاء الذي ضم رئيس الوزراء مع نقيب الأطباء منذ حوالي شهر كانت المطالب توفير بيئة عمل صالحة، وتعديل القانون رقم (16) لسنة 2018 الخاص بشهداء الجيش والشرطة بحيث يشمل الأطقم الطبية، وانتهى الاجتماع بلا نتائج سوى عدد من التطمينات.

ولفت في حديثه لـ”المجتمع” إلى اتهام رئيس الوزراء الأطباء بالتسبب في زيادة الوفيات بدعوى أن عدداً قليلاً منهم قد تقاعس عن الحضور إلى المستشفيات، مؤكداً علم رئيس الحكومة جيداً أن نقص الأجهزة والمستلزمات هو العائق الأساسي الذي تسبب في تردّي الخدمة الصحية في مصر، وأن الهدف كان هو تحميل الأطباء مسؤولية فشل المنظومة الصحية.

وعن السيناريوهات المتوقعة، قال جاويش: السيناريو الأول تحريك قضية فرض الحراسة على نقابة الأطباء كما حدث مؤخراً مع نقابة الصيادلة لإسكات صوتها، والسيناريو الثاني تفعيل قانون الطوارئ ليشمل جميع المؤسسات الصحية، وتكون المحاكمات العسكرية هي السيف المصلت على رقاب الأطباء.

استمرار نزيف الأطباء

ومن جانبه، قال أمين صندوق نقابة الصيادلة السابق د. أحمد رامي: إن نسبة وفيات الأطباء وصلت إلى 10 أضعاف المعدلات العالمية، وهذا يؤكد استمرار نزيف الأطباء طالما أن السلطة في مصر تجعل الاقتصاد واستقرار سلطتها لها الأولوية الأولى لها على حساب صحة المصريين وخاصة الأطباء، حيث لم يتم اتخاذ أي إجراء حقيقي لحمايتهم طبقاً لما هو متفق عليه مع رئيس الوزراء، لافتاً إلى ما يجري من اعتقالات الأطباء؛ وهو ما جعل منظمة العفو الدولية تطالب بالإفراج عن الأطباء المعتقلين الذين بلغ عددهم 8 أطباء على خلفية أزمة كورونا.

وأضاف، في تصريحه لـ”المجتمع”: اتهام الأطباء بالتقاعس يمثل أسلوب السلطة التي تبحث عن مبرر للفشل، وهو ما حدث من قبل في مرات عديدة؛ حيث اتهام ثورة يناير أو “الإخوان” من قبل، والآن الأطباء هم أسباب فشل مواجهة الحكومة لفيروس كورونا.

وحول موقف نقابة الأطباء الأخير ودفاعها عن أعضائها، قال رامي: موقف مقبول، ولكن يجب أن يكون هناك ضغوط مستمرة، ويتم تطوير الموقف معلناً عن استعداده وزملائه بالخارج للتواصل وتوفير أدوات الحماية للأطباء بالداخل، مؤكداً التواصل بالفعل، ولكن لم يتلقَّ رداً حتى الآن بهذا الشأن.

إدانة شديدة

أما وكيل نقابة الأطباء السابق منى مينا، فقد أدانت منع المؤتمر الصحفي الأخير، وعبرت عن رفضها لهذه التصرفات التي تمنع الأطباء في عز أزمة تفشي وباء كورونا من مناقشة مشكلاتهم الخطيرة، والمطالبة بحلول ناجعة لها لصالحهم ولصالح كل الوطن.

وأضافت، في تصريحات صحفية، أنه حتى الآن لم تتم الاستجابة لمطالب بسيطة للأطباء ومهمة جداً في هذه الفترة الحرجة، مثل توفير حماية شرطية للمستشفيات، وإصدار تشريع بتشديد عقوبة الاعتداء على الأطقم الطبية، رغم أن هذه المطالب لا تكلف أي أعباء مالية، وهي مطالب أساسية لمنع الفوضى والمزيد من تفشي العدوى في المستشفيات، وتساقط الأطقم الطبية لتخلو منهم المستشفيات نتيجة الإصابة والوفاة وليس نتيجة “التقاعس”.

كما طالبت النقابة بمعاملة شهداء الأطباء والفرق الطبية معاملة شهداء الجيش والشرطة من حيث التكريم الأدبي والتعويض المادي، وهي مطالب لم تنفذ حتى الآن.

Exit mobile version