ماذا يعني لجوء مصر إلى مجلس الأمن في أزمة “سد النهضة”؟

من المفارقات المستمرة في السياسة المصرية أنه رغم إعلان إثيوبيا تحديها، وأنها ستبدأ ملء سد النهضة خلال الأسابيع المقبلة، ولن تعبأ بأي اعتراضات مصرية ومستعدة للحرب، أن تدعو مصر لاجتماع طارئ للجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية، ليس لبحث خطر سد النهضة وتضامن العرب مع مصر، وإنما للاجتماع لمناقشة هزيمة خليفة حفتر في ليبيا، ودعم تركيا لحكومة الوفاق!

صحيح أن القاهرة لجأت لمستوى أعلى في التعامل مع خطر سد النهضة بعد انهيار المفاوضات وفشلها، بنقل الأمر إلى مجلس الأمن، إلا أن التحرك المصري جاء متأخراً، والأهم أنها خطوة إجرائية وشكلية؛ لأن مجلس الأمن غير معني بقضايا المياه، ووفق بيان الخارجية المصرية هي خطوة لإثبات أنَّ هناك أزمة من شأنها أن تهدد الأمن والسلم الدوليين.

ذهاب مصر لمجلس الأمن من خلال التقدم بشكوى رسمية ضد إثيوبيا، وفقاً للإجراءات الشكلية المتبعة أمام مجلس الأمن، والشكوى تبنى على الأسانيد القانونية المعنية بسلطات مجلس الأمن الدولي، في حفظ السلم والأمن الدوليين، من خلال الإجراءات والتدابير التي منحها له ميثاق الأمم المتحدة.

وقد اعترف وزير الخارجية المصري، في حوار مع الإعلامي المصري عمرو أديب، أن مجلس الأمن لن يفعل أكثر من مطالبة إثيوبيا أو الدول الثلاث بالالتزام بالمسار التفاوضي، وقال: إن المجلس غير معني ببحث قضايا المياه من الناحية الموضوعية، وإنما معني بالحفاظ على السلم والأمن الدوليين، والعمل على عدم وجود تصعيد في العلاقات الدولية.

فقد دخلت مصر في ماراثون تفاوضي مع إثيوبيا استمر 7 سنوات، وهي مشوشة بدون رؤية ولا إستراتيجية محددة، ولا إظهار للعين الحمراء! مما سمح للمفاوض الإثيوبي بفرض إيقاعه وأسلوبه على مسارات التفاوض المختلفة.

ماذا يعني اللجوء لمجلس الأمن؟

1- مجلس الأمن لا يملك آلية تجعل إثيوبيا توقف ملء خزان السد، وليس من اختصاصه قضايا المياه، لهذا أقصى ما سيفعله هو إصدار توصية بعودة مصر وإثيوبيا للتفاوض، أو إلزام إثيوبيا بعدم ملء السد هذا العام، وهي توصية غير مضمونة ولن تصدر قبل شهور لو صدرت.

2- بحسب وزير الخارجية المصري، هذا الطلب يدعو الأطراف لمواصلة التفاوض وعدم اتخاذ إجراءات أحادية الجانب، التي من شأنها أن تعقّد الموقف وتجعل المفاوضات ليس لها جدوى؛ أي أن هدف الطلب المصري هو منع إثيوبيا من بدء الملء الأول للسد في غضون الأسابيع المقبلة، دون اتفاق مع مصر والسودان حول وسائل الأمان وعدم الإضرار بالدولتين.

3- اللجوء لمجلس الأمن معناه الانتظار عدة أشهر لكي يصدر المجلس (بتركيبته المتضاربة مع مصالح مصر)، لحين صدور قرار ملزم لإثيوبيا (حال صدر)، حيث ستقوم إدارة المجلس بحث الشكوى المصرية أو المذكرة، ثم عرضها على لجنة يتم تشكيلها لدراسة هذه الإشكالية أو الأزمة، ثم دعوة أعضائه للاجتماع من الأعضاء الدائمين وغير الدائمين، لاستصدار قرار بهذا الشأن، وهذا قد يأخذ وقتاً، بسبب الأوضاع الحالية المتعلقة بفيروس كورونا.

4- المادة العاشرة من اتفاق المبادئ الذي وقَّعه السيسي مع إثيوبيا والسودان، ليس فيها أي إشارة لمجلس الأمن، فالمادة التي تفصل “مبدأ التسوية السلمية للمنازعات” تقول: “تقوم الدول الثلاث بتسوية منازعاتها الناشئة عن تفسير أو تطبيق هذا الاتفاق بالتوافق من خلال المشاورات أو التفاوض وفقاً لمبدأ حسن النوايا. إذا لم تنجح الأطراف في حل الخلاف من خلال المشاورات أو المفاوضات، فيمكن لهم مجتمعين طلب التوفيق، الوساطة أو إحالة الأمر لعناية رؤساء الدول/ رئيس الحكومة”، ومعنى هذا أن إثيوبيا يمكن أن تتحجج بهذه المادة أمام مجلس الأمن لتعرقل أي قرار قد يصدر ضدها.

5- الخطوة المصرية تستهدف إقامة الحجة على إثيوبيا دولياً، والتحذير من التصرفات الفردية للجانب الإثيوبي من خلال إعلان ملء السد في يوليو القادم نسفاً لمسودات اتفاقية واشنطن، ومن ثم وضع مجلس الأمن أمام مسؤولياته القانونية والسياسية باعتباره المسؤول الأول عن حفظ السلم والأمن الدوليين.

6- استند خطاب مصر إلى مجلس الأمن إلى المادة (35) من ميثاق الأمم المتحدة “الفصل السادس الخاص بالحلول السلمية للنزاعات الدولية”، التي تجيز للدول الأعضاء أن “تنبه” المجلس إلى أي أزمة أو موقف تهدد الأمن والسلم الدوليين، وهنا يتوقع “توصية” غير ملزمة، من الجمعية العمومية للأمم المتحدة أو قرار ملزم من مجلس الأمن، وهو أمر مستبعد ويستغرق وقتاً طويلاً.

7- المشكلة هي: ماذا ستفعل مصر لو بدأت إثيوبيا ملء السد بالفعل خلال أسبوع أو اثنين، وقبل أن يصدر مجلس الأمن أي قرارات أو توصيات؟ وهو ما هدد به وزير خارجية إثيوبيا خصوصاً أنه لا يوجد ما يلزمها بذلك في اتفاق الخرطوم عام 2015 أو مفاوضات واشنطن التي انسحبت منها ورفضت التوقيع على الاتفاق الخاص بها.

8- مجلس الأمن لا يملك سوى توصية إثيوبيا بعدم الملء هذا العام والعودة إلى المفاوضات، ومع أنه يملك وفقاً لـ”الفصل السابع” إصدار قرار ملزم إذا استطاعت مصر إقناعه بأن التصرفات الإثيوبية تمثل تهديداً لحالة السلم والأمن الدوليين، إلا أن تاريخ المجلس يشير لقيود بشأن استخدام هذه المادة التي كان آخر استخدام لها هو غزو العراق.

9- معنى الخطوة أنها ما زالت تتبع ‏الإجراءات السلمية في فض المنازعات الدولية، ومنها المفاوضات والوساطة ثم الإحالة لمجلس الأمن، وترفض مجرد التلويح بالحرب سوى في موجهة ليبيا، برغم تلويح إثيوبيا بها دفاعاً عن السد، وهو ما يشكِّل مطمعاً لإثيوبيا طالما لم ترَ سوى الحديث الدبلوماسي الناعم من جانب مصر.

Exit mobile version