هل تمرر إيطاليا أكبر صفقة أسلحة لمصر وتضحي بمصير ريجيني؟

مع اقتراب تمرير أضخم صفقة سلاح إيطالية لمصر يطلق عليها “صفقة القرن”، بدأت الحكومة الإيطالية تضغط على مصر من أجل الحصول على إجابات حول أسرار مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني في مصر، الذي تؤكد صحف إيطالية أن جهات أمنية واستخبارية مصرية متورطة في اختفائه ثم قتله.

وفي الوقت الذي تؤكد فيه صحيفة “لاريبوبليكا” أن هناك معارضة داخل البرلمان والحكومة الإيطالية لإتمام الصفقة التي تبلغ قيمتها 11 مليار يورو، وتعطيلها، ما لم تقدم القاهرة إجابات حقيقية تكشف لغز اختفاء وقتل ريجيني، أبلغ زير الخارجية الإيطالي نظيره المصري في رسالة أنه “من غير المقبول عدم الحصول على إجابات من الجانب المصري بشأن وفاة جوليو ريجيني رغم مرور 4 سنوات على قتله بالقاهرة”. 

وأكد وزير الخارجية الإيطالي، لويجي دي، أنه بعث رسالة إلى نظيره المصري، سامح شكري، على الحاجة الملحة لتوضيح ملابسات وفاة المواطن الإيطالي جوليو ريجيني (28 عامًا)، الذي قُتل عام 2016 بالقاهرة.

وكتب دي على صفحته في “فيسبوك”: إن وقت الانتظار قد انتهى، أسرة ريجيني لها الحق في طلب إجابات بكل قوة، ومن غير المقبول أن هذه الإجابات لم يتم تلقيها بعد.

وجاء في نص الرسالة التي نشرته صحف إيطالية أن وزير الخارجية ذكر القاهرة أن “السلطات الإيطالية لن تتوقف مطلقاً عن الوصول لإثبات الحقيقة بشأن وفاة ريجيني ومحاكمة المسؤولين عن مقتله”.

لماذا لم يتم التحقيق مع القتلة؟

وتقول إيطاليا: إن السبب الرئيس للخلاف مع القاهرة وعرقلة الصفقة هو عدم تحقيق تقدم في التحقيقات الخاصة بمقتل طالب الدكتوراه الإيطالي جوليو ريجيني في القاهرة عام 2016، ففي العام الأخير، وضع المحققون الإيطاليون أسماء خمسة ضباط مصريين قيد التحقيق الرسمي بتهمة تورطهم في اختفاء ريجيني، ومن وقتها لم تشهد القضية أي تطورات.

صفقات الأسلحة التفاف على قضية ريجيني

ويقول مراقبون: إن الحكومة الإيطالية ترغب في إبرام الصفقة الضخمة مع مصر لأسباب اقتصادية، رغم أن الإيطاليين يعتبرونها “رشوة مصرية” لغلق ملف ريجيني، كما أنها تميل لطي صفحة ريجيني بسبب حاجتها للتعاون مع مصر في ملفات إقليمية ضد تركيا في البحر المتوسط وغيره، لهذا زادت ضغوطها على مصر مؤخراً.

بالمقابل، تمضي مصر في طريقها لتصبح الدولة الأكثر استيراداً للأسلحة من إيطاليا، في محاولات مستميتة من النظام المصري للالتفاف على القضية الحقوقية الشائكة القائمة بين البلدين منذ مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني الذي اختفى في القاهرة في 25 يناير 2016، ولتعويض عدم تحقيق أي تقدّم ملموس في التعاون الأمني والقضائي بين البلدين لكشف الحقيقة.

وفي هذا السياق، دعا النائب الإيطالي إيراسمو بالازوتو، رئيس اللجنة البرلمانية التي تحقق في مقتل ريجيني في مصر، دعا رئيسَ الوزراء جوزيبي كونتي إلى توضيح حيثيات صفقة السلاح الكبيرة مع مصر، فيما قال والدا الطالب القتيل: إن الحكومة الإيطالية خانتهما. 

كما دعا بالازوتو رئيسَ الحكومة كونتي لتوضيح العلاقات مع نظام عبدالفتاح السيسي الذي أجرى معه قبل يومين مكالمة هاتفية، وكانت الصفقة العسكرية بين البلدين أهم مواضيعها.

كما تصاعدت انتقادات متواصلة للصفقة خلال الأيام الأخيرة من قِبل لاعبين أساسيين في الأحزاب التي تشكل الائتلاف الحاكم لحكومة كونتي، ففي خطاب للأمينة العامة للحزب الديمقراطي نيكولا زينجاريتي، نشرته “لاريبوبليكا”، شددت على أهمية الحصول على معلومات من السلطات المصرية خلال اجتماع الأول من يوليو المقبل، بما يُمكن المحققين الإيطاليين من إخطار الضباط المصريين الخمسة موضع التحقيق أنهم سيخضعون للمحاكمة غيابيًا.

أين تعهدهم بوقف السلاح بعد “مذبحة “رابعة”؟

طالبت منظمة “هيومن رايتس ووتش” إيطاليا بوقف صفقة أسلحة مع مصر تنوي القاهرة شراءها، وذكّرت المنظمة روما بالنظر إلى “الانتهاكات الحقوقية الجسيمة” بمصر.

ورأت المنظمة أن السماح بتصدير الأسلحة هذا سيوجّه رسالة، مفادها أن لا محاسبة على حملة القمع الوحشية التي تشنها الحكومة المصرية ضد حقوق الإنسان، وعدم تعاونها بخصوص مقتل ريجيني، ورفضها إطلاق سراح آلاف السجناء السياسيين الآخرين المسجونين ظلماً بالسجون القذرة والمكتظة في مصر.

وقال بيان “هيومن رايتس ووتش”: إن وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي تعهدوا، عقب “مذبحة رابعة” عام 2013، بتعليق تراخيص تصدير أي معدات يمكن استخدامها للقمع الداخلي إلى مصر، وبمراجعة مساعدتهم الأمنية لمصر، ولكن 12 دولة عضوة في الاتحاد الأوروبي على الأقل، ومنها إيطاليا، خالفت هذا التعهد، رغم عدم المساءلة عن المذبحة وازدياد القمع في ظل النظام الحالي.

وانتقدت صحيفة “لاستامبا” صفقة السلاح الكبيرة التي ستبيع بموجبها إيطاليا لمصر فرقاطتين و4 سفن بحرية و20 زورقاً و24 طائرة مقاتلة و24 طائرة للتدريب مقابل مليارات الدولارات، وقالت: إن “هذه هي أكبر صفقة من نوعها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لتصبح مصر أكبر زبون لأنظمة التسلح الإيطالية”.

ففي عام 2013، استوردت مصر أسلحة من إيطاليا بمبلغ 17.2 مليون يورو، وفي عام 2014 استوردت بمبلغ 31.8 مليون يورو، وفي عام 2015 بلغ ثمن الواردات 37.6 مليون يورو، ثم انخفضت الواردات بشكل ملحوظ عام 2016، ليبلغ سعرها 7.1 مليون يورو، وفي عام 2017 ازدادت بصورة طفيفة إلى 7.4 مليون يورو، قبل أن تصل إلى مستوى قياسي في عام 2018 بمبلغ 69.1 مليون يورو.

وفي عام 2018، حققت مصر رقماً قياسياً على مستوى مشتريات الأسلحة والذخائر والأنظمة المعلوماتية الإيطالية بقيمة تتخطى 69 مليون يورو، وكان هذا أكثر من ضعف أكبر مبلغ دفعته مصر نظير الأسلحة الإيطالية في عام واحد على الإطلاق، وبرقم يفوق بكثير سعر مشترياتها من الأسلحة والذخيرة في كل الأعوام من عام 2013 إلى 2017.

وعام 2019، أوضحت المصادر أن نصف قيمة الصادرات الإيطالية لمصر (نحو 400 مليون يورو) تتمثل بشراء 32 طائرة مروحية من طراز “أغوستا-ويستلاند 149” التي لم تحصل عليها مصر حتى الآن، على الرغم من طلبها في أبريل الماضي من شركة “ليوناردو” في روما، ثم جاءت صفقة عام 2020 لتكون الأكبر على الإطلاق.

Exit mobile version