في حوارها مع بغداد.. واشنطن تتعهد بخفض قواتها ولا حديث عن الانسحاب

أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية والعراق، أول أمس الخميس، الجولة الأولى من المحادثات الإستراتيجية بين البلدين، التي عقدت افتراضياً عبر شبكة المعلومات الدولية “الإنترنت”، وناقش خلالها الطرفان قضايا تتعلق بالاتفاقية الأمنية التي نظمت انسحاب القوات الأمريكية الغازية من العراق، والتي أبرمت عام 2008.

وعلى رأس القضايا التي نوقشت مسألة مستقبل القوات الأمريكية في البلاد، والمخاوف الأمنية بسبب تهديد “تنظيم الدولة” (داعش)، وكذلك خطر المليشيات المسلحة في العراق، والانتخابات المبكرة والعنف ضد المتظاهرين.

تأتي المحادثات على خلفية تمرير مجلس النواب العراقي (البرلمان)، قراراً يلزم الحكومة بطلب خروج قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية من البلاد بعد غارة جوية أمريكية، في يناير الماضي، قتل خلالها قائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني في بغداد، ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس.

مطلب مؤجل 

أصدرت حكومتا العراق والولايات المتحدة الأمريكية بياناً مشتركاً عقب انتهاء جولة المباحثات بين وفديهما، تعهدت فيه واشنطن بتقليص عدد قواتها في العراق خلال الأشهر المقبلة، فيما تعهدت بغداد بحماية القوات المتبقية.

وجاء في البيان: أنه “في ضوء التقدم المتميز بشأن التخلص من تهديد تنظيم “داعش”، ستواصل الولايات المتحدة الأمريكية خلال الأشهر المقبلة تقليص عدد قواتها في العراق، والحوار مع الحكومة العراقية حول وضع القوات المتبقية، بينما يحول البلدان قواهما نحو التركيز على تطوير علاقة أمنية ثنائية قائمة على المصالح المتبادلة القوية”.

وبحسب البيان: فقد “تعهدت حكومة العراق بحماية القوات العسكرية للتحالف الدولي، والمرافق العراقية التي تستضيفهم، بما ينسجم مع القانون الدولي والترتيبات المعنية بخصوص تواجد تلك القوات، وبالشكل الذي سيتم الاتفاق عليه بين البلدين”.

وكررت الولايات المتحدة تأكيدها أنها “لا تسعى ولا تطلب قواعد دائمة أو وجوداً عسكرياً دائماً في العراق، مثلما تم الاتفاق عليه في اتفاقية الإطار الإستراتيجي لعام 2008 التي تنص على التعاون الأمني على أساس الاتفاق المتبادل”.

واعتبر الخبير العسكري أسعد إسماعيل أن ما توصل إليه الطرفان بخصوص وضع القوات الأمريكية، ما هو إلا تأجيل لبحث قضية الانسحاب إلى أجل غير مسمى، بعكس ما طالبت به الفصائل المسلحة، والتي نجحت في فرض قرار عاجل عبر البرلمان يقضي بسحب القوات الأجنبية من البلاد.

وأضاف المدرس السابق في كلية الأركان العراقية، في حديثه لـ”المجتمع”: ما أعلنه الطرفان المتفاوضان لا يعدو أن يكون بالون اختبار لرد فعل فصائل هيئة الحشد الشعبي، بعد أن ذهبت حرارة حادثة اغتيال سليماني والمهندس، ووعت الأطراف المختلفة في العراق أن فاتورة الانسحاب الأمريكي ستكون باهضه اقتصادياً وأمنياً.

وأشار إلى أن القوى الشيعية اعترضت ابتداءً على ترشيح رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بديلاً لرئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي، معللة ذلك بأنه رجل أمريكيا في العراق، ثم تراجعها عن هذا الاعتراض وقبولها به، هو المؤشر الأقوى على أن لغة العقل غلبت لغة العاطفة عندها.

وتابع أن العلاقات العراقية الأمريكية التي توترت بعد حادثة الاغتيال، تحسنت بشكل كبير منذ تولي الكاظمي رئاسة الحكومة الشهر الماضي، مؤذنة بفصل جديد يتجاوز ما خلفه الصراع الإيراني الأمريكي على الساحة العراقية.

دعم أمريكي 

وذكر البيان الذي نشرته وزارة الخارجية الأمريكية أن الفريق الأمريكي للحوار الإستراتيجي بقيادة ديفيد هيل، وكيل الوزارة للشؤون السياسية، ونائب وزير الخارجية العراقي، عبدالكريم هاشم، ناقش مسألة دعم الولايات المتحدة للاقتصاد العراقي عبر تزويده بالمستشارين الاقتصاديين للعمل بشكل مباشر مع حكومة العراق، من أجل المساعدة في “تعزيز مستوى الدعم الدولي لجهود حكومة العراق الإصلاحية، بما في ذلك الدعم المقدم من المؤسسات المالية الدولية فيما يخص الخطط الجدية لتشريع إصلاحات اقتصادية جوهرية”.

وأشار إلى أن الوفدين ناقشا مشاريع الاستثمار المحتملة التي تنخرط فيها الشركات الأمريكية العالمية في قطاع الطاقة والمجالات الأخرى.

وتحدث المحلل الاقتصادي سامان الأربلي عن أن الدعم الأمريكي المعلن يأتي لمساعدة العراق في مواجهة، أزمات متتالية ضربت اقتصاده بشكل مباشر وأثرت على قدراته المالية، وعلى رأس هذه الأزمات جائحة فيروس كورونا، التي تسببت بتراجع أسعار النفط الأمر الذي أثر بشكل مباشر في قدرات الحكومة المالية، حيث يشكل قطاع النفط 92% من إيرادات الدولة العراقية.

وأشار الأربلي، في حديثه لـ”المجتمع”، إلى أن الإيرادات الشهرية من بيع النفط العراقي هوت من نحو 6.5 مليار دولار في العام الماضي، إلى قرابة 1.5 مليار دولار في شهر أبريل الماضي.

وتابع: حسب الموازنة العامة للعراق لعام 2019 التي بلغت 112 مليار دولار، بعجز قدره 23 مليار دولار، شكلت صادرات النفط ما نسبة 89%، على أساس 56 دولاراً لبرميل النفط، وبمعدل تصدير 3.9 مليون برميل يومياً، وكانت إيرادات تجاوزت 78 مليار دولار في الميزانية، في حين بلغت إيرادات الأشهر الخمسة الماضية من العام الجاري قرابة 18 مليار دولار فقط.

وختم أربلي بالقول: إن العراق بحاجة ماسة لمساعدات المؤسسات المالية الدولية، إلى جانب حاجته للاقتراض في المرحلة المقبلة لسد العجز الهائل في الميزانية، وبدون المساعدة الأمريكية لن تحصل الحكومة على ما تريد فالمؤسسات الدولية تخضع للهيمنة الأمريكية.

سياسياً، أكدت الولايات المتحدة في البيان “دعمها للعراق وحكومته الجديدة”، وجددت الدولتان “تأكيدهما على أهمية مساعدة العراق في تطبيق برنامجه الحكومي والإصلاحي بالشكل الذي يلبي طموحات الشعب العراقي، بما في ذلك مواصلة الجهود الإنسانية، واستعادة الاستقرار، وإعادة إعمار البلد، وتنظيم انتخابات حرة وعادلة ونزيهة”.

وأكدت الولايات المتحدة دعمها المتواصل للتحضيرات التي يجريها العراق للانتخابات، وجهود دعم سيادة القانون، وحقوق الإنسان، وإعادة النازحين وتسهيل عملية اندماجهم، ولاسيما الأقليات في المجتمع العراقي التي تعرضت للإبادة على يد تنظيم “داعش”.

وفي ختام البيان، رحبت الولايات المتحدة “بفرصة إعادة تأكيد شراكتها وتقويتها مع العراق مع شروع رئيس الوزراء العراقي في استلام مهامه الحكومية”، مستدركاً “وتتطلع كلا الحكومتين إلى مباحثات معمقة بشأن القضايا المذكورة آنفا في اجتماع لجنة التنسيق العالي للحوار الإستراتيجي في العاصمة واشنطن المزمع عقده في يوليو المقبل”.

Exit mobile version