الموصل حاضرة سُنة العراق.. تنتظر الإنصاف بذكرى احتلال “داعش” السادسة

تعتبر مدينة الموصل، مركز محافظة نينوى (400 كم شمال بغداد)، ثاني أكبر محافظة عراقية بعد العاصمة العراقية، وهي حاضرة أهل السُّنة ومنارة العلم والعلماء والثقافة والمثقفين، وقبلة أحداث العراق المعاصر السياسية، إلى جانب مالها من تاريخ راسخ في الحضارة الإسلامية، حيث أصبحت من أهم مراكز انطلاق الفتوحات الإسلامية في العهد الأموي، وما زالت المعالم الأثرية التي لم تدمرها الحرب تشهد على فترة حكم عماد الدين زنكي، الذي يعود إليه فضل آخر إعمار شهدته المدينة.

تعاني المدينة من دمار لحق بناها التحتية، ومعالمها ومبانيها الأثرية، منذ 6 سنوات مضت، حين وطأت أقدام المئات من مسلحي “تنظيم الدولة” (داعش) أرضها، بعد أن هزموا 5 فرق عسكرية تابعة للجيش العراقي مدججة بالسلاح الحديث، كانت تتمركز فيها، في 10 يونيو 2014.

وتشير الأرقام الرسمية الصادرة عن لجنة الخدمات في البرلمان العراقي، إلى أن 80% من مباني المدينة وبناها التحتية مدمر بالكامل، بسبب سنوات الاحتلال وما أعقبها من حرب ضروس خاضتها الدولة على مدار 3 سنوات لتحريرها، خلفت دماراً يتطلب الاستدراك عليه مبلغ 100 مليار دولار، بحسب أرقام وزارة التخطيط العراقية. 

تحرير غير مكتمل 

رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي زار مدينة الموصل، أمس الأربعاء، ليشارك أهلها ذكرى احتلال “داعش” لمدينتهم على رأس وفد حكومي كبير، وقد اجتمع فور وصوله بالقيادات العسكرية والأمنية في مقر قيادة عمليات الجيش العراقي، وفقاً لبيان صدر عن مكتب رئيس الحكومة.

ودعا الكاظمي إلى تجنب تكرار ما حدث عام 2014، حين اجتاح “داعش” الموصل ومنها انطلق لاحتلال ثلث مساحة العراق، وبرر بيان الكاظمي استمرار دمار المدينة وعدم الشروع في إعمارها باستشراء “الفساد وسوء الإدارة” الذين كانا السبب في كل “الكوارث التي حلت بالبلاد”.

وافتتح الكاظمي مشروع إعادة إعمار جسر تم تدميره على نهر دجلة، وسط المدينة، كما زار جامع النوري الكبير، الذي ألقى منه زعيم “تنظيم الدولة” أبو بكر البغدادي خطبة إعلان “خلافته” المزعومة في العراق وسورية.

علق الصحفي الموصلي، فارس السنجاري، على قول الكاظمي للقيادات الأمنية: إن “جميع العراقيين شاركوا في تحرير الموصل التي اختلطت فيها الدماء حتى تحقيق النصر على التنظيم الإرهابي”، بالقول: إن التحرير لم يكتمل لسبب بسيط، أن الدولة لم تبسط سلطتها على جميع أرجاء محافظة نينوى التي تحد سورية غرباً وتركيا شمالاً.

وأضاف، في حديثه لـ”المجتمع”: إن قضاء سنجار أكبر أقضية الموصل خارج سيطرة الحكومة منذ هزيمة “داعش”، فمن يسيطر على القضاء هم حزب العمال الكردستاني، ولا يستطيع أحد من العراقيين الدخول إليه إلا بإذن خاص من المليشيات حتى رئيس الوزراء نفسه.

وتابع: أنا شخصياً مسقط رأسي في مدينة سنجار، وأوراقي الرسمية تثبت ذلك، ورغم ذلك لا أستطيع أن أدخل إلى مدينتي فقط لأني عربي، هذا فضلاً عن أن المليشيات صادرت ممتلكات أقاربي بغير وجه حق.

وتساءل السنجاري: لماذا حررت الدولة مدينة الموصل من “داعش”، وتركت سنجار لحزب العمال؟ علماً أن فصائل الحشد الشعبي تتمركز على بعد كيلومترات من القضاء، مشيراً إلى أن الأمر يخضع لحسابات سياسية، فهناك تعمد لترك مليشيا حزب العمال تعبث في المنطقة الحدودية، لتبقى المدينة خاصرة رخوة في جنب الدولة التركية، التي تشن حكومتها غارات جوية على المنطقة بين فترة وأخرى مستهدفة ثكنات حزب العمال.

مدينة تطلب الإنصاف

من جهته، قال المحامي سرحان القدو: إن أكثر ما تحتاجه الموصل اليوم في ذكرى احتلالها السادسة هو الإنصاف وكشف الحقائق، إذ ما زالت التحقيقات عن سبب سقوط المدينة بيد “داعش” طي الكتمان، ولا أحد يعرف كيف انهزمت 5 فرق دربها وسلحها الجيش الأمريكي، أمام بضع مئات من مسلحين غير نظاميين.

واستدرك، في حديثه لـ”المجتمع” بالقول: نحن كموصليين ندرك تماماً أن سبب سقوط مدينتنا الأساسي هو الخيانة التي فرضتها أجندات إقليمية ودولية، استثمرت وجود “داعش” لتحقيق مآربها، والضحية نحن الشعوب الحلقة الأضعف في صراع الكبار. 

وأشار القدو إلى أن القيادات العسكرية التي كانت على رأس العمل في الموصل معروفة، فالقائد العام للقوات المسلحة حينها هو رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وقائد القوات البرية هو الفريق أول ركن علي غيدان، ومدير غرفة العمليات الفريق المقرب من المالكي عبود قنبر، مستدركاً أن رئيس البرلمان العراقي السابق سليم الجبوري كان أعلن، عام 2015، أن البرلمان أحال إلى القضاء تقريراً يحمل المالكي و35 آخرين بينهم مسؤولون سياسيون وعسكريون سابقون مسؤولية سقوط المدينة، جميعهم أحرار اليوم ويمارسون مهامهم ولم يتعرضون لأي محاسبة أو مساءلة.

الكاظمي افتتح مشروع إعادة إعمار جسر دمرته طائرات التحالف الدولي خلال حرب التحرير، بهدف تعطيل تواصل مقاتلي التنظيم بين شطري مدينة الموصل التي يشطرها نهر دجلة إلى شطرين، بعد 3 سنوات من تحريرها.

واعتبر نشطاء أن السنوات الثلاث الماضية كانت كافية لإعادة إعمار المدينة، لو أن الحكومة كانت جادة في تعاملها مع ملف الإعمار، وخصصت من الموارد ما يكفي لتحقيق هذا الهدف.

وبهذا الخصوص أشار الناشط نعمان الدباغ إلى أن جسر الحرية الذي افتتحه رئيس الوزراء واستغرق إعماره 3 سنوات، بني في عهد الملك فيصل عام 1958، واستغرق بناؤه 3 سنوات، وكان العراق حينها دولة فتية لا يملك من الموارد ولا التقنيات التي يملكها البلد اليوم، وهذه مفارقة تكشف حجم الإهمال الذي تتعرض له مدينتنا.

ونوه إلى أن أكثر القطاعات التي تحتاج إلى إنصاف في المدينة اليوم، هو القطاع الصحي في ظل جائحة كورونا، ومع تحذير منظمة الصحة العالمية من أن العراق سيصبح مركزاً للوباء في الشرق الأوسط.

وأوضح الدباغ أن مدينة الطب في الموصل التي تضم مستشفيات ابن سينا، والجمهوري، والبتول للولادة، ومستشفى الأورام، ومستشفى الحروق، والمستشفى الجامعي، ومعهد الأشعة ومركز جراحة القلب، ومركز الإخصاب والعقم، ومركز السكري والطب العدلي، ومركز طب الأسنان التخصصي، جميعها أنقاض وأثر بعد عين، وأهالي الموصل يذهبون للاستطباب في مدينة أربيل بإقليم كردستان.

جدير بالذكر أن الذكرى السادسة لاحتلال الموصل من قبل “تنظيم الدولة”، تمر بينما تشير أرقام وزارة الهجرة والمهجرين العراقية إلى أن نحو 40% من سكانها نازحين خارجها بسبب هدم مساكنهم، ولم تقدم الحكومة التعويضات التي وعدت بها للسكان الذين دمرت منازلهم بسبب الحرب.

Exit mobile version