هل تتدخل مصر عسكرياً في ليبيا؟

تنتهي، الثلاثاء 9 يونيو 2020 الساعة 6 مساء، المهلة التي طرحتها مبادرة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، لوقف القتال في ليبيا وهدنة يعقبها مفاوضات سياسية بين الوفاق وحفتر، التي رفضتها حكومة طرابلس، ومع اقتراب المهلة التي حددها السيسي، تتزايد التكهنات بتدخل عسكري مصري في ليبيا لدعم حفتر خاصة إذا اقتربت قوات الوفاق من حدود مصر.

ومع تقهقر قوات الانقلابي خليفه حفتر وخسارتها العديد من المدن التي سبق واحتلتها، سبب ذلك قلقاً عميقاً لدى النظام في مصر، ومن يدعمون حفتر من دول عربية وأجنبية أخرى.

وزاد القلق المصري مع انتقال قوات حكومة طرابلس (الوفاق) من تحرير كافة مدن الغرب الليبي إلى السعي لتحرير مدن شرق ليبيا، بداية من سرت، خشية وصول “الوفاق” بالفعل إلى بنغازي وبنينا والمدن التي تلاصق الحدود المصرية.

وزاد الضغوط على مصر أنه في يناير 2020م، وجه عقيلة صالح، رئيس برلمان طبرق الداعم لحفتر، دعوة لمصر بالتدخل في ليبيا عسكرياً مع بدء هزائم حفتر وتدخل تركيا لدعم “الوفاق”، في كلمة أمام أعضاء مجلس النواب المصري.

حيث قال: “قد نضطر إلى دعوة القوات المسلحة المصرية للتدخل إذا حصل تدخل أجنبي في بلادنا كما حدث أيام الغزو الإيطالي لليبيا”.

هل تحرك الجيش المصري بالفعل؟

منذ الإعلان عن مبادرة السيسي بالتزامن مع هزائم حفتر المدعوم، تداول مؤيدو النظام في مصر مقاطع فيديو لتحرك أرتال من دبابات الجيش المصري في مناطق صحراوية زاعمين أنها تتوجه نحو الحدود مع ليبيا، بينما هي مشاهد قديمة تعود لمناورات “قادر 2020” التي أجراها الجيش المصري يناير 2020م.

بدأت القصة بنشر حساب مهتم بأخبار الجيش صوراً تعود إلى يناير 2020م، لتحميل دبابات القتال الرئيس “M1 Abrams” التابعة لوحدات المنطقة الشمالية العسكرية على متن الناقلات والسكك الحديدية، وذلك للمشاركة في مناورة “قادر 2020” على حدود مصر وليبيا.

ثم التقطت حسابات موالية للنظام الصور ذاتها، مع فيديوهات من مناورات سابقة، ونشرتها على أنها تحرك عسكري مصري نحو مرسى مطروح (217 كم شرق حدود ليبيا)، لصد “الغزو التركي”، بحسب وصفهم.

وقد نفت “بوابة الدفاع” المصرية على صفحتها على “فيسبوك” هذه الأنباء، وأوضحت أنها صور قديمة من مناورات “قادر” في يناير الماضي.

كما نفى الإعلامي أحمد موسى، أبرز الموالين للنظام، هذه الإشاعة، وقال: إن الجيش المصري على أهبة الاستعداد بشكل دائم، ولكن أي “تحرك قريب” غير صحيح، وهو تصريح مهم يكشف ارتباك وقلق القاهرة من مجرد الإعلان عن تحريك قوات باتجاه حدود ليبيا، وما يروجه أنصار النظام من صدام محتمل مع تركيا على أرض ليبيا.

وحتى ما نشرته مواقع دفاعية مثل موقع “ديفينس بلوغ” الروسي المعني بالشؤون الأمنية، من أن الجيش المصري نشر دبابات “أبرامز” القتالية على الحدود مع ليبيا، ليس دقيقاً.

فقد نشر الصحفي ومحلل الطيران العسكري باباك تغافي على حسابه في “تويتر” نفس الفيديو للذي نشره أنصار النظام ويعود إلى يناير 2020م، ويظهر ما قال: إنها قافلة عسكرية مصرية مع 18 دبابة قتال رئيسة من طراز “M1A2” (أبرامز)، بالقرب من الحدود مع ليبيا.

وكتب تغافي في تغريده تبين تماشيه مع مصلحة روسيا ومرتزقة “فاغنر” يزعم أن 18 دبابة “M1A2” مستعدة لدخول ليبيا “لاستخدامها ضد المليشيات الإسلامية المدعومة من تركيا والمرتزقة السوريين”! حسب زعمه.

والحقيقة أن كل ما نشر لا علاقة له بالواقع، فالنظام في مصر يخشى التدخل في ليبيا، بسبب حسابات داخلية وخارجية، كما أنه يدرك أن الصدام العسكري مع تركيا يضر نظامه الذي يعاني مشكلات داخلية.

فضلاً عن وجود حسابات لدى أطراف التدخل الأجنبية الأخرى، وخصوصاً روسيا التي يبدو أنها هي من يتصدى حالياً لتقدم “الوفاق” لتحرير سرت رغبة في تحديد سرت لخط أحمر يفصل بين مناطق سيطرة “الوفاق” في الغرب ومناطق سيطرة حفتر في الشرق، بما يعزز مصالحها ولو على حساب تقسيم ليبيا.

ولا صحة بالتالي لإرسال الجيش إلى ليبيا لدعم خليفة حفتر، فالسيسي قالها مراراً وتكراراً: “لا خطر على مصر إلا من داخل مصر”، فمعركة النظام –حصرياً- في الداخل وليست في الخارج، ولو كان الأمر يستدعي تحركاً عسكرياً خارج حدود مصر، فسد النهضة أولى في ظل التحدي الإثيوبي، واقتراب ملء السد الشهر المقبل.

وقد أكد هذا عسكريون مصريون استضافتهم فضائيات وصحف مصرية منهم اللواء محمود خلف، قائد الحرس الجمهوري الأسبق ومؤسس سلاح الصاعقة الليبي، الذي برر، في مقابلة أجراها مع صحيفة “الأهرام” المصرية، سبب عدم تدخل مصر عسكرياً في ليبيا، إلى ضآلة المساحة المتنازع عليها في أقصى الغرب الليبي (500 كم خسرها حفتر)، بينما لا يزال الجيش الوطني (حفتر) يسيطر على شرق وجنوب ووسط ليبيا.

وأضاف: مصر لا تخوض حروباً نيابة عن أحد، وقواتها لا تتحرك إلا لتأمين مقدراتنا، مثلما حدث عند الاعتداء على مواطنينا في ليبيا أو عندما تحاول سيارات المهربين اختراق الحدود.

أيضاً نفت أبواق النظام الإعلامية تدخل مصر المحتمل في ليبيا، حيث قال الأكاديمي المعتز بالله عبدالفتاح، في “اليوم السابع”: إن مصر مُطالبة بسياسة خارجية حذرة تساعد الأشقاء وتحفظ أمنها القومي، ولا تتورط في رمال المنطقة المتحركة.

وقال كرم جبر، رئيس الهيئة الوطنية للصحافة، في مقال نشرته “أخبار اليوم”: إن الحل العسكري أصبح مستحيلاً، وإراقة الدماء عنوان الأزمة، والتدخلات الأجنبية مزقت ما تبقى من ليبيا، ومصلحة الشعب الليبي هي وقف إطلاق النار واللجوء إلى التسوية السياسية.

هل تتدخل مصر عسكرياً؟

حقيقة النوايا المستقبلية المصرية تجاه الأزمة الليبية سوف تقتصر بالتالي على ترقب تحركات قوات حكومة “الوفاق”، مع الاستمرار في دعم حفتر بكثافة والرهان عليه، خصوصاً أن هناك تدريبات تجري منذ فترة طويلة بين مصر وقوات شرق ليبيا، والاكتفاء مؤقتاً بطرح مبادرة السيسي كمناورة سياسية لكسب الوقت، وإعادة تجميع صفوف قوات حفتر، وربما دعماً بضربات جوية.

أما التدخل العسكري المصري المباشر لعدم ترك ليبيا ساحة نفوذ لخصم مصر الأول، أي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فهو مستبعد ما لم تصل قوات “الوفاق” لحدود مصر التي تبتعد عنها حالياً بمسافة لا تقل عن ألف كم، وحتى التدخل هنا يعتقد أنه سيكون جوياً بالطائرات لا بالقوات البرية؛ لأن هذا معناه الغرق في مستنقع لا يقل خطراً عن مستنقع اليمن الذي مهد لهزيمة الجيش المصري عام 1967م.

أيضاً التحرك المصري مرهون بالساحة التي باتت ساحة صراع لقوى عظمى وإقليمية، والتحالفات يمكن أن تتغير، وكذلك الوقائع على الأرض، لذلك سيقتصر على الاستعداد القتالي.

وسبق أن تلقى الجيش المصري، في يناير 2020م، تعليمات بتعزيز وجوده في الغرب بالقرب من الحدود مع ليبيا “خوفاً من أن تحاول عناصر إرهابية التسلل إلى البلاد”، وقال باسم راضي، المتحدث باسم الرئاسة حينئذ، في بيان على “فيسبوك”: إن السيسي “دعا القوات المسلحة إلى إبداء أقصى استعداد قتالي لحماية الأمن القومي المصري وتعزيز الجهود للسيطرة على الحدود وملاحقة العناصر الإرهابية، خاصة في شمال سيناء وكذلك المنطقة الغربية”.

تاريخ التدخل العسكري المصري في ليبيا

كان أول تدخل مباشر، في 21 يونيو 1977م، حين تدخلت مصر عسكرياً في ليبيا بضربات جوية، وكان تدخلاً محدوداً وسريعاً لم يتجاوز الأيام الأربعة، رداً على استفزازات القذافي للسادات بسبب زيارته للكيان الصهيوني، ولم يطل المقام بالقوات المصرية هناك، وبدا الأمر وكأنه درس تأديبي وليس أكثر من ذلك إذ انسحبت القوات المصرية سريعاً.

وكانت المرة الثانية التي أظهرت فيها مصر قوتها العسكرية تجاه ليبيا، في 16 فبراير 2015م، بعد أن ذبح “داعشيون” 21 مصرياً مسيحياً؛ فشنت الطائرات المصرية غارات جوية على مواقع في ليبيا، وتبين أن من بين القتلى مقاتلين لـ”الوفاق” الليبية كانوا يحاربون “داعش” في درنة وطردوهم من المدينة فعلياً.

Exit mobile version