أمريكا علي فوهة بركان

اشعال النار في دائرة شرطة مينيابوليس

بقلم ميشيل جولدبيرج

شعرت في السبعين يوما الماضية بأننا في أمريكا نشهد نهاية فيلم بائس وكأن كل شيء ينقض ويهدم. أولاً، ضرب الوباء المستشفيات في مدينة نيويورك. تجمد الاقتصاد الوطني وارتفعت البطالة. تقدم واحد من كل أربعة عمال أمريكيين بطلب للحصول على إعانات البطالة منذ مارس. امتدت خطوط السيارات لأميال أمام بنوك الطعام. بدأنا في رؤية متظاهرين مدججين بالسلاح في أنحاء مختلفة من البلاد. في ميشيجان، أجبروا مبنى الكابيتول على الإغلاق وأجبروا المشرعين علي إلغاء جلستهم. وعلى الصعيد الوطني، مات ما لا يقل عن مائة ألف شخص بسبب مرض لم يسمع به أحد تقريبًا حتي نهاية العام الماضي

ثم تم تصوير ضابط شرطة في مينيابوليس، هذا الأسبوع،  وهو يضغط بركبته على عنق رجل أسود يدعى جورج فلويد حتي الموت. ومع خروج روحه، كان فلويد يردد متوسلا أنه لا يستطيع التنفس، مرددًا الكلمات الأخيرة لـ إريك جارنر، الذي ساعد موته على يد رجال شرطة نيويورك عام 2014 في تحفيز حركة “حياة السود مهمة”.  وجاءت وفاة فلويد بعد أيام فقط من اعتقال ثلاثة رجال من جورجيا بتهمة ملاحقة وقتل شاب أسود، اسمه أحمد أربيري. ورفض المدعي العام في البداية اتهام الرجال على أساس أن أفعالهم قانونية بموجب قوانين الدفاع عن النفس في الولاية.

 في مينيابوليس تدفق المتظاهرون السلميون إلى الشوارع، فواجهوا رد فعل من قبل الشرطة أقسى مما واجهه النشطاء المدججون بالسلاح المناهضون للإغلاق في أنحاء البلاد. ليلة الأربعاء، تحولت المظاهرات السلمية إلى أعمال شغب، واستدعى حاكم مينيسوتا الحرس الوطني يوم الخميس.  

بدا الأمر، للحظة، كما لو أن الوحشية الرهيبة لوفاة فلويد قد تكشف أسوأ دوافع الرئيس ومؤيديه الذين يتبنون شعار “حياة البيض أهم”. ولكن تم إجبار السلطات على التصرف: فطردت جميع رجال الشرطة الأربعة المتورطين، وأدانهم قادة الشرطة في جميع أنحاء البلاد، ووعدت وزارة العدل في ويليام بار بإجراء تحقيق فيدرالي “كأولوية قصوى”. حتى دونالد ترامب، الذي شجع وحشية الشرطة في الماضي، وصف ما حدث لفلويد بأنه “شيء سيء للغاية.”

لكن الانتفاضة زادت اشتعالا ليلة الخميس، بعد أن قال المدعي العام في المقاطعة إن مكتبه ما زال يحدد ما إذا كان رجال الشرطة الأربعة قد ارتكبوا جريمة أم لا، وأحرق الغاضبون مخفرا للشرطة. (وتم القبض على أحد الضباط واتُهم بارتكاب جريمة قتل من الدرجة الثالثة يوم الجمعة). وعلى تويتر ، هدد ترامب بالعنف العسكري ضد من سماهم  “بلطجية” ، وكتب، “عندما يبدأ النهب، يبدأ إطلاق النار”.

وسواء كان ترامب يعرف ذلك أم لا، فقد كان يقتبس عبارة عنصرية من الستينيات استخدمها جورج والاس، من بين آخرين. ولكن حاول الرئيس فيما بعد تهدئة الغضب بقوله إنه كان يحذر فقط من الخطر – كانت حملة ترامب تأمل، علي أي حال، في أن ينصرف بعض الناخبين السود عن تأييد الديمقراطيين – لكن معني عباراته ومعني كلامه كان واضحًا بما فيه الكفاية. فهذا هو نفس الرئيس الذي نشر يوم الخميس تغريدة على شريط فيديو لأحد المؤيدين له يقول: “الديمقراطي الجيد الوحيد هو الديمقراطي الميت”.

وقد تميزت رئاسة ترامب يأعمال عنف متشنجة وصادمة من اليمينيين: أعمال الشغب القومية البيضاء في شارلوتسفيل، فيرجينيا، مذبحة كنيس شجرة الحياة في بيتسبرج، إطلاق النار الجماعي الذي استهدف اللاتينيين في إل باسو. ولكن حتى مع غليان البلاد واشتعالها، لم يحدث اضطراب واسع النطاق. ولكننا الآن، قد نكون في بداية صيف طويل وحار من الاضطرابات المدنية.

هل أمريكا قابلة للاشتعال؟

هناك أشياء كثيرة تجعل أمريكا قابلة للاشتعال الآن: بطالة جماعية، وباء كشف عن عدم المساواة الصحية والاقتصاديات القاتلة، مراهقون لا يجدون ما يفعلونه، عنف من الشرطة، يمينيون يتلهفون لحرب أهلية ثانية ورئيس متحمس لصب البنزين على كل نار. تقول المؤرخة في جامعة ميشيجان هيذر آن تومبسون ، التي فازت بجائزة بوليتزر لعام 2016 عن كتابها “دم في الماء: انتفاضة سجن أتيكا في عام 1971 وتراثها”.أعتقد أننا بالفعل في لحظة ستصبح فيها الأمور أكثر توتراً قبل أن تصبح أكثر سلاماً”.

 انتشرت احتجاجات مينيابوليس إلى مدن أخرى. وليلة الخميس ، أطلق شخص نار مسدسه بالقرب من حشد من المتظاهرين في دنفر وتم اعتقال أكثر من 40 شخصا في مدينة نيويورك. وتم إطلاق النار على سبعة أشخاص في احتجاجات في لويزفيل بولاية كنتاكي، حيث تحولت الحشود للمطالبة بالعدالة لبرونا تايلور، وهي امرأة سوداء غير مسلحة أطلقت الشرطة عليها النار في شقتها الخاصة في مارس الماضي.

وقد أثارت هذه المظاهرات حالات محددة من عنف الشرطة، لكنها وقعت أيضًا في سياق الدمار الصحي والاقتصادي الواسع النطاق الذي تحمله الملونون الفقراء بشكل غير متناسب. يقول عميد العلوم الاجتماعية في جامعة كاليفورنيا، دارنيل هانت: “لقد درس علماء الاجتماع السلوك الجماعي والاضطرابات الحضرية لعقود، وأعتقد أنه من الآمن أن نقول إن وجهة النظر الإجمتاعية هي أن الأمر لا يتعلق أبدًا بحادث عارض عجل بوقوع اضطرابات”.   “إنها دائمًا مجموعة من العوامل التي تنضج المسرح لسلوك جماعي من الاضطرابات والتعبئة”.

أخبرني كيث إليسون، المدعي العام التقدمي في مينيسوتا ، مؤخرًا أنه عندما يخرج ليمشي أو ليركض في مينيابوليس، يشعر “بنوع من القلق  الجاهز للانفجار”. وقال إن الكثير من الناس تم حبسهم لمدة شهرين، وهم الآن في فضاء مختلف ومكان مختلف. قلقون. البعض منهم عاطل عن العمل، والبعض الآخر لا يستطيع دفع إيجار مسكنه، غاضبون ، ومحبطون “.

من المرجح أن يتفاقم هذا الإحباط ، لأن الدمار الاقتصادي الناجم عن الوباء قد بدأ للتو. وفي بعض الولايات نفدت إعانات البطالة الموسعة التي أقرها الكونجرس كجزء من قانون كيرز في نهاية يوليو. وتم تدمير ميزانيات الدولة، ورفض الجمهوريون في واشنطن حتى الآن تقديم المساعدة للولايات، مما يعني أننا سنرى قريباً تخفيضات مؤلمة في الوظائف والخدمات العامة.

“في المكان الذي  يتم فيه كسر الناس، ولا يبدو أن هناك أي مساعدة، لا توجد قيادة، ولا يوجد وضوح حول ما سيحدث، وهذا يخلق الظروف المناسبة للغضب والضيق واليأس وفقدان الأمل، الذي لا بد أن يسبب عدم استقرار شديد كما يقول ياسينجا كيانجا تايلور، وهو أستاذ مساعد للدراسات الأمريكية الأفريقية في جامعة برينستون. “لن أفاجأ على الإطلاق برؤية هذا النوع من رد الفعل في أماكن أخري على مدار الأشهر القليلة المقبلة.”

علي أي حال، أمريكا تشعر الآن بأنها فوق برميل بارود، لا بسبب ضغوط المظلومين والمحرومين فقط، ولكن هناك أسباب أخري. فقد نشر الصحفيان روبرت إيفانز وجيسون ويلسون، يوم الأربعاء،  رأيا مقلقا عن حركة تسمي “بوجالو” وهي ميليشيا مسلحة لها موقع علي الانترنتيقول: ” أن بيجالو تتوقع صيفا أكثر سخونة ومواجهات مسلحة مع تطبيق القانون، وهذا سيعزز الزخم الذي يدفع نحو حرب أهلية جديدة في الولايات المتحدة”. ويضيفون: “أن المشهد المنقسم والمزعزع للاستقرار بسبب جائحة كورونا ، يمكن أن يساهما بشكل كبير في انتشار العنف في شوارع المدن الأمريكية”.

تتضمن الأيقونات السريالية لحركة بوجالو boogaloo ارتداء قمصان هاواي – التي غالبًا ما ترتبط بمعدات القتال. صحيح أن البعض يمارس العنف بدافع كراهية الشرطة ولذلك شاركوا في مظاهرات مينيابوليس . (ووفقًا لإيفانز وويلسون، بالرعم من أن الكثير من ثقافة بوجالو غارقة في التفوق الأبيض، إلا أن هناك “صراع نشط للغاية داخل بعض أجزاء هذه الحركة حول ما إذا كانت انتفاضتهم التي كانوا يحلمون بها ستتمركز حول التعصب أم لا.”) وقد رأى البعض من أنصارا حركة بوجالو يحملون علمًا مرسوم عليه شعارهم، كوخ الثلج، في احتجاج ليلة الأربعاء في مينيابوليس.

معظم الرؤساء الأمريكيين، الذين يواجهون مثل هذا الاضطراب الداخلي ، يسعون عادة إلى خفض التصعيد. وهذا هو أحد أسباب الاضطرابات المدنية، فعلى الرغم من كل الضرر الذي يمكن أن تسببه تلك الاحتجاجات للمجتمعات عندما وحيثما تندلع، غالبًا ما تؤدي إلى الإصلاح. يقول طومسون، إن التغيير قد حان عندما “خلق النشطاء وضعاً يجبر القابضين علي السلطة أن يتصرفوا من أجل إعادة بعض السلام الموجه العام “.

ولكننا الآن، لدينا رئيس لا يبالي كثيرًا بدرء الفوضى. يقول طومسون: “في كل مرة وصلت الاحتجاجات إلى ذروتها بسبب الحاجة الشديدة إلى معالجة الظلم، حاولت الدولة في نهاية المطاف إيجاد توازن جديد، وحاولت معالجته بما يكفي للوصول إلى نوع من السلام”. ” لكننا لدينا الآن قيادة كانت واضحة تمامًا في أنها ستكون على ما يرام تمامًا إذا انحدرنا إلى حرب أهلية كاملة.”

 لم نشاهد مثل هذه المشاهد أو مثل هذا الفيلم من قبل. لا أحد يعرف لأي مدي ستصبح الأشياء مظلمة. فقط، في عصر ترامب، تبدو المشاهد التي نعتبرها اليوم كوابيس وكأنها طبيعية في اليوم التالي.

المصدر: New York Times

 

Exit mobile version