تمويل حفتر لحربه بالعملة المزورة يدخل الاقتصاد الليبي بمأزق خطير

تواجه ليبيا أزمة اقتصادية خطيرة بسبب إغراق مليشيات حفتر السوق بالعملات المزورة التي تطبع في روسيا، بالتزامن مع تراجع الإيرادات النفطية التي فاقمت خسائر البلاد المادية.

وقالت المؤسسة الوطنية للنفط الليبية: إن خسائر ليبيا اقتربت من 5 مليارات دولار، منذ 19 يناير الماضي، بسبب الحصار الذي تفرضه قوات متحالفة مع حفتر على المنشآت النفطية، إلى جانب تداعيات الحرب.

وذكرت المؤسسة، في بيان، أن الموانئ النفطية وخطوط نقل الخام أقفلت، ومنعت المؤسسة الوطنية للنفط من ممارسة عملها، وأجبرنا على إعلان حالة القوة القاهرة.

عملة مرفوضة

أقامت مليشيات حفتر مؤسسات موازية لحكومة الوفاق الشرعية المعترف بها دولياً شرقي ليبيا، ومن هذه المؤسسات مصرف ليبيا المركزي الموازي، الذي عمد إلى طباعة عملات مزورة وضخها كنقود جديدة في الاقتصاد منذ عام 2015، ما تسبب في ارتفاع عرض النقد وانخفاض القوة الشرائية للدينار مع ارتفاع لحجم التضخم.

وترفض الأسواق الليبية التعامل مع هذه العملة، حيث انتشرت لافتات في مختلف الأسواق على المحال التجارية، تشير إلى رفضها تداول العملة المطبوعة في روسيا باعتبارها غير شرعية، في إطار حملة شعبية للمقاطعة.

وذكرت المصارف الإسلامية في ليبيا، في منشور لها عبر صفحتها في موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، أن حملة مقاطعة التعامل بالعملة المطبوعة في روسيا تشهد استجابة من قبل تجار الجملة في المنطقة الغربية، حيث أوقف كثر منهم التعامل بها وأصبح بعض المحلات يضع إعلانات ترفض البيع بها.

كما أصدرت دار الإفتاء في طرابلس فتوى بتحريم التعامل مع عملات حفتر المزورة، واعتبرتها أداة يستخدمها لقتل الليبيين وتمويل حملته العسكرية للاستيلاء سلطة في طرابلس.

وكانت وكالة “رويترز” نشرت، في أبريل 2019، أن حفتر يمول حملته العسكرية على طرابلس عن طريق سندات غير رسمية، وبواسطة الأموال المطبوعة في روسيا وودائع من بنوك في الشرق.

ونقل تقرير الوكالة عن كبيرة محللي شؤون ليبيا في مجموعة الأزمات الدولية، كلوديا جاتسيني، قولها: إن مصادر التمويل التي تعتمد عليها قوات حفتر تتلخص في سندات غير رسمية، وأموال نقدية مطبوعة في روسيا، والاقتراض من المصارف حتى وصل الدين العام في المنطقة الشرقية إلى قرابة 35 مليار دينار.

وأشار التقرير إلى أنه ثمة أزمة مصرفية تلوح في الأفق، وأن هذه الأزمة قد تقوض قدرات السلطات في شرق البلاد على تمويل نفسها.

كما ذكرت “رويترز” أن مجلس نواب طبرق أنشأ سلطة استثمار عسكرية تمنح قوات حفتر السيطرة على قطاعات من الاقتصاد كالمعادن والخردة مستلهماً في ذلك ما يحدث في مصر من مشاركة الجيش في النشاط الاقتصادي.

تجاذب أمريكي روسي

وكانت السلطات المالطية احتجزت شحنة ضخمة من عملة ليبية غير رسمية، محملة في حاويتين مصدرها مصانع روسية لسك العملات، كانت في طريقها إلى ليبيا.

وذكرت صحيفة “تايمز أوف مالطا” أن الأموال المضبوطة طبعت في روسيا وكانت متجهة لخليفة حفتر، مشيرة إلى أن حكومة طبرق طلبت طبع مليارات الدنانير في روسيا منذ العام 2016، واستخدم جزء كبير منها في تمويل هجوم قوات حفتر على طرابلس.

وقالت وزارة الخارجية الأمريكية: إن سلطات مالطا صادرت أوراقاً نقدية ليبية مزورة بقيمة 1.1 مليار دولار، طبعتها شركة روسية لحساب اللواء المتقاعد خليفة حفتر في شرق ليبيا.

وقالت، في بيان: ترحب الولايات المتحدة بإعلان حكومة جمهورية مالطا، في 26 مايو، عن ضبط 1.1 مليار دولار من العملة الليبية المزيفة التي طبعتها شركة غوزناك بطلب من كيان مواز غير شرعي.

وتابع البيان: أن مصرف ليبيا المركزي ومقره في طرابلس هو البنك المركزي الشرعي الوحيد في ليبيا، وقد أدى تدفق العملة الليبية المزيفة التي طبعتها روسيا في السنوات الأخيرة إلى تفاقم الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها ليبيا.

وأضاف: تسلط هذه الواقعة الضوء مرة أخرى على الحاجة إلى أن توقف روسيا تصرفاتها الخبيثة والمزعزعة للاستقرار في ليبيا.

البيان الأمريكي دفع موسكو للدفاع عن موقفها من هذه القضية، وقالت وزارة الخارجية الروسية في بيان: نود الإشارة إلى أنه في ظل الظروف الحالية توجد سلطتان بحكم الواقع في ليبيا، وهناك حالياً مصرفان مركزيان، أحدهما في طرابلس حيث حكومة الوحدة الوطنية المعترف بها دولياً، والآخر في بنغازي، وقد تعين حاكمه بقرار من البرلمان الليبي الذي انتخبه الشعب ويتمتع بالتالي بالشرعية الدولية الضرورية.

وأضاف البيان الروسي: ليست الدنانير الليبية هي المزيفة بل التصريحات الأمريكية.

ووفقًا لتقرير خبراء للأمم المتحدة أرسل إلى مجلس الأمن الدولي، في ديسمبر2019، سلمت شركة غوزناك الروسية بين عامي 2016 و2018 البنك المركزي الموازي في البيضاء بشرق ليبيا أوراقاً نقدية ليبية تعادل قيمتها أكثر من 7 مليارات دولار.

يأتي الموقف الروسي ليسلط المزيد من الأضواء على دعم موسكو لقوات حفتر، حيث كشفت القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم)، الثلاثاء الماضي، أن روسيا أرسلت مؤخراً مقاتلات إلى ليبيا لدعم المرتزقة الروس الذين يقاتلون إلى جانب حفتر.

ويأتي هذا الإعلان غداة تأكيد قوات حكومة الوفاق الوطني أنه تم إجلاء مئات المرتزقة الروس الذين يقاتلون إلى جانب قوات حفتر من مدينة بني وليد الواقعة جنوب شرق العاصمة الليبية.

وأوضحت “أفريكوم” أن المقاتلات غادرت روسيا وتوقفت أولاً في سورية حيث أعيد طلاؤها لتمويه أصلها الروسي قبل وصولها إلى ليبيا.

وتستخدم روسيا مجموعة “فاغنر” القتالية التي تخضع لعقوبات أمريكية، كأداة في تدخلها في الصراع الليبي بحسب ما تؤكد تقارير دولية.

و”فاغنر” جماعة منظمة روسية شبه عسكرية، تضم مرتزقة من مختلف الجنسيات، وأصبح اسمها يتردد كثيراً في ساحات التوتر الأمني في أوكرانيا وسورية والسودان وليبيا وغيرها من الدول، حيث تستخدمها موسكو لحماية أنظمة في الدول التي تشهد توتراً مقابل مكاسب تحصل عليها من الموارد الطبيعية من هذه البلدان، بحسب تقارير أممية.

Exit mobile version