محاولة بكين فرض قانون للأمن القومي على هونج كونج من شأنه أن يبطل الوضع شبه المستقل للمدينة ويقوض نظام القانون العام فيها وهذه هي أهم قصة سياسية في العالم الآن.
لماذا ا؟
لأنها تقدم لنا درسًا علينا جميعًا استيعابه. فقد أقنع الغرب نفسه منذ فترة طويلة بأن التنمية الاقتصادية الصينية ستؤدي في نهاية المطاف إلى التحرير السياسي للصين، ولكن تطبيق نفس النظرية على بلدان كتلة وارسو في المراحل المتأخرة من الحرب الباردة يظهر العكس. ففي بولندا وتشيكوسلوفاكيا، أثبت التاريخ أن هذه النظرية لا تعمل: فالثورة السياسية سبقت الإصلاح الاقتصادي. ولكن في الصين، تزامن الازدهار الاقتصادي مع تمكين الغرب للحزب الشيوعي من افتراس الصناعات والمهارات التي تتماشى معه، مما قوي قبضة الحزب على السلطة السياسية وقوي تأثيره على الدول المجاورة .
بالنسبة للمحللين في التسعينيات، كان التحرير السياسي والتجاري وجهين لعملة واحدة. وكانوا يروا أن الدول الحرة ستصل بالضرورة بشكل أسهل إلى رأس المال ومن ثم لتصنيع السلع وتحقيق الرخاء. لكن نهضة الصين لم تسر على هذا النحو. ففي وقت التسليم السلمي لهونج كونج من البريطانيين في عام 1997 ، كانت المدينة تمثل ما يقرب من 20 في المائة من الاقتصاد الصيني بأكمله. والآن، تمثل أقل من 3 في المئة. وتدرك بكين النفوذ القوي الذي تمنحه لها هونج كونج. وقد اختارت هونج كونج الحرية ولذلك حدثت حركة الاحتجاجات المدنية الضخمة في المدينة ضد تخريب البر الرئيسي المدمر لاقتصادها بشكل لا يصدق.
إن التظاهر بأن الصين مجرد “لاعب سوق” آخر يسمح للصين بطرح نفس السؤال على التكنوقراط الغربيين: ما الذي تقدره حقًا في المخطط الكبير للأشياء – هذا التجريد المسمى “الحرية السياسية” أو الحريات التي تأتي من وضع الخبز على الطاولة؟
من مبادرة الحزام والطريق عبر أوراسيا، إلى جهود هواوي للتأثير في شبكات 5G في جميع أنحاء أوروبا والعالم، إلى موقع الصين المتميز في سلسلة توريد (Apple)، استطاعت بكين أن تفرض باستمرار على الآخرين نسخة من هذا الاختيار بين الراحة المادية والحرية السياسية. حاول إقناع نفسك بأن الرئيس شي لا يضحك ملء شدقيه عندما يري الرئيس التنفيذي لشركة (Apple) ينتقد بحرية قوانين الحرية الدينية في الولايات المتحدة، لكنه يظل صامتًا صمت القبور وهو يري ما تقوم به الحكومة الصينية من تدوير لمسلمي الأويجور المضطهدين وتدريبهم في مصانع مقاولي (Apple) من الباطن.
حاربت هونج كونج جهود وما زالت تحارب بكين ببسالة. وأحبطوا محاولات الحزب الشيوعي الصيني (CCP) السابقة لتوطيد السلطة في عام 2003، وفي عام 2014، والعام الماضي. لذا لا يجب أن نقبل تخريب بكين لهونج كونج كأمر واقع.
إن الاقتراحات حسنة النية لفتح بلداننا أمام سكان هونج كونج وفتح الباب لهجرة العقول من هونج كونج اجراءات سابقة لأوانها وربما غير حكيمة. فسوف يؤدي ذلك لضرر بالغ للمدينة. وفي غضون ذلك، تحتاج الجهود الدبلوماسية إلى التركيز على فصل الزعماء الأوروبيين عن آمالهم القديمة في أن تتمكن الصين من أن تكون بمثابة ثقل جيوسياسي مرحب به من قبل رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الذي يجب حثه – حتى الخجل ، إذا لزم الأمر – على القيام بواجبه ومكانته لتحقيق شروط تسليم هونج كونج في عام 1997. ويجب تذكير أنجيلا ميركل وغيرها من الدول التي تتعامل مع الصين بتكاليف الصناعة المحلية والاستقلال السياسي. يجب أن يبذل القادة الغربيون جهودا منسقة للوقوف معا حتى استعادة الصناعات الرئيسية حتى لا يضطر خلفاؤهم إلى اتخاذ العديد من القرارات المؤلمة اقتصاديًا في محاولة لحماية السيادة الوطنية والحرية السياسية.
قد يكون لدى هونج كونج أذرع قوة أكثر مما تدرك. فجزء كبير من رأس المال المستثمر في البر الصيني والعديد من الشركات التي دخلت الصين دخلت عبر المدينة، بسبب حقوق الملكية الأكثر أمانًا ومحاكم هونج كونج المستقلة. ويمكن لاستراتيجية المعارضة الذكية في الشارع والتوجهات الدبلوماسية الموجهة بحكمة للقادة السياسيين وقادة الشركات المتعاطفين أن تعيد للحزب الشيوعي الصيني الاختيار بين الرخاء والحرية، وتجعل الحرية أكثر جاذبية.
في عالم ساخر للغاية بشأن السلطة والمال، يقوم سكان هونج كونج بشيء عظيم يجب أن يكون ملهما لنا جميعًا، عمل يدل على أنه لا يمكن بيع الحرية بثمن بخس. نحن مدينون لهؤلاء الذين يقدمون لنا أفضل دعم يمكننا حشده للحرية.