هزائم حفتر العسكرية تتحول إلى هزائم سياسية على الصعيد الدولي

– هزائم حفتر الميدانية دفعت العديد من الأطراف الدولية إلى مراجعة حسابتها ومواقفها الداعمة لهجومه على الشرعية

– الهزائم الميدانية دفعته إلى الاستعانة بروسيا ما دعا واشنطن لإعادة حسابتها في المعادلة الليبية

– هزائم قوات حفتر دفعت باريس إلى التراجع عن دعمها المفتوح له

 

وجهت قوات حكومة الوفاق الشرعية المعترف بها دولياً في ليبيا ضربات موجعة لمليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، في الأيام الماضية، حيث تلاحقت هزائمها في شتى المحاور، وبالأخص جنوبي العاصمة طرابلس وفي الغرب الليبي، وما زالت المعارك على أشدها، حيث تعلن قوات حكومة الوفاق يومياً عن إنجازات جديدة على جبهات القتال.

هزائم حفتر الميدانية دفعت العديد من الأطراف الدولية إلى مراجعة حسابتها ومواقفها الداعمة لهجومه على الشرعية، ودعت أطراف كانت بالأمس داعمة له عسكرياً إلى العودة إلى طاولة المفاوضات، بعد أن كانت تراهن على حسم حفتر للصراع عسكرياً، فيما تراجعت بعض الدول عن دعمها السياسي له، في مشهد يرى المراقبون فيه تحولاً جوهرياً في مسارات الصراع.

تغيير أمريكي

لم تتوانَ الولايات المتحدة الأمريكية عن تقديم دعمها لخليفة حفتر على الصعيد السياسي، منذ إعلانه الحرب على الشرعية في ليبيا، وأبرز محطات هذا الدعم تجسد في اتصال الرئيس دونالد ترمب شخصياً بحفتر، في أبريل 2019، فيما كانت قواته تشن هجوماً للسيطرة على العاصمة طرابلس.

ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، في أبريل الماضي، فإن الإدارة الأمريكية أذنت لحفتر بشن هجومه على طرابلس مسبقاً، حيث أشارت إلى أنه وقبل أيام من انعقاد مؤتمر للسلام برعاية أمريكية بين الفصائل المتصارعة في ليبيا في ربيع 2019، أجرى حفتر مكالمة هاتفية مع مستشار الأمن القومي الأمريكي حينها جون بولتون، أعرب فيها الأول عن عدم رغبته في دخول مباحثات سلام في الوقت الراهن، وأنه أراد موافقة أمريكية على هجومه على طرابلس، وهو ما لم يرفضه بولتون.

موقف واشنطن الداعم تحول إلى النقيض مؤخراً، يؤكد ذلك البيان الذي أصدرته القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم)، وأعلنت فيه رصدها طائرات حربية أرسلتها روسيا إلى ليبيا لدعم قوات حفتر، وعززت معلوماتها بصور التقطتها الأقمار الصناعية للمقاتلات الروسية في سماء ليبيا.

وقال الجنرال تاونسند، قائد “أفريكوم”: إنه لم يعد أمام الروس مجال لإنكار تورطهم في ليبيا، فقد رأينا مقاتلات الجيل الرابع تحلق في السماء الليبية، ونعلم جميعاً أنه لا قوات حفتر ولا الشركات العسكرية الخاصة المتعاقد معها يستطيعون إطلاق تلك الطائرات أو صيانتها والإبقاء عليها عاملة، من دون دعم دولة بعينها هي روسيا.

ويرى مراقبون أن الهزائم الميدانية لحفتر دفعته إلى الاستعانة بروسيا، وهو ما دعا واشنطن لإعادة حسابتها في المعادلة الليبية، في ظل مساعي موسكو لممارسة دور أساسي على مسرح الليبي على غرار دورها في سورية.

تراجع فرنسي

رغم أن الموقف الفرنسي المعلن يقوم على عدم التدخل في شؤون ليبيا الداخلية، والعمل إلى جانب المجموعة الدولية على إيجاد حل سلمي للأزمة، بحسب ما أكده الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال مشاركته في مؤتمر برلين الدولي المخصص لتناول الأزمة الليبية، فإن تقارير صحيفة كشفت وجود دعم عسكري غير محدود تقدمه باريس لقوات حفتر.

وكشف تقرير لموقع الرادار العسكري الإيطالي، المتخصص في متابعة حركة الملاحة الجوية العسكرية وأعمال التجسس والاستطلاع، في شهر فبراير الماضي، عن خرق طائرة تزود بالوقود تابعة لسلاح الجو الفرنسي للأجواء الليبية.

وأشار الموقع إلى أن الطريق الذي سلكته الطائرة الفرنسية هو المسار المعتاد الذي تتبعه طائرات تزويد الوقود الفرنسية التي أدت مهمات قبالة طرابلس، وهذه ليست المرة الأولى التي ترصد فيها طائرة فرنسية من هذا الطراز في الأجواء الليبية، ولا تفصح باريس عن سبب حركة طائراتها العسكرية في هذه المنطقة.

ولعل مقتل ثلاثة جنود فرنسيين في حادث مروحية في مدينة بنغازي، عام 2016، وضبط الأمن التونسي 13 فرنسياً بأوراق دبلوماسية محملين بأسلحة وذخيرة على الحدود الليبية مع تونس، كشف الدعم السري الفرنسي لحفتر، الذي التقاه الرئيس الفرنسي أكثر من مرة في باريس، رغم أنه لا يمتلك أي صفة رسمية في الدولة الليبية ولا يعترف بحكومة الوفاق الشرعية.

هزائم قوات حفتر دفعت باريس إلى التراجع عن دعمها المفتوح له، تجسد ذلك في دعوتها على لسان وزير الخارجية، جان إيف لودريان، أمس الأربعاء، لطرفي النزاع للعودة إلى طاولة المفاوضات.

وقال لودريان، أمام لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في مجلس الشيوخ الفرنسي: إن الأزمة في ليبيا تزداد سوءاً، لأننا أمام “سورنة” لليبيا، في إشارة تحذيرية من تكرار الصراع الدولي الذي لا تزال فصوله جارية على التراب السوري.

وطالب وزير الخارجية الفرنسي باحترام اتفاق برلين، المبرم في يناير الماضي، الذي ينص على العودة إلى وقف إطلاق النار واستئناف العملية السياسية، وقال: يكفي تنفيذه الاتفاق، ومن ثم احترام حظر الأسلحة المفروض على ليبيا، وبعدها انسحاب القوات الأجنبية.

وفي السياق نفسه، جددت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أمس الأربعاء، دعوتها لوقف إطلاق النار في ليبيا، واستئناف المحادثات السياسية من أجل التوصل إلى تسوية.

وقالت ميركل، في كلمة متعلقة بالسياسة الخارجية، ألقتها بمؤسسة كونراد أديناور في العاصمة برلين: إن الوضع في أفريقيا، لا سيما التطورات في ليبيا، ستظل قضايا مهمة بالنسبة لحكومتها.

وأضافت: التطورات في ليبيا خلال الأسابيع الأخيرة تظهر أن هناك فرصة لتحقيق الاستقرار في البلاد، شرط التزام الأطراف بخطة وقف إطلاق النار التي توسطت فيها الأمم المتحدة والعودة إلى طاولة المفاوضات.

وكانت مجلة “شتيرن” الألمانية نشرت تحقيقاً، أول أمس الثلاثاء، كشفت فيه عن استخدام قوات حفتر شاحنات ألمانية من صنع شركة الدفاعات العسكرية الألمانية “راينميتال” كمنصات لصواريخ “بانتسير” الروسية المضادة للطائرات.

وذكر التحقيق أن الأمر أحرج الحكومة الألمانية، بسبب استضافتها مؤتمر برلين بشأن الأزمة الليبية، في 19 يناير الماضي، لذلك هي تعكف حالياً على التحقيق في الموضوع.

يشار إلى أن الجيش الليبي أعلن، أمس الأربعاء، عن تدمير 10 آليات مسلحة تابعة لمليشيا حفتر، وسيطرته على تمركزات مهمة في محوري الأحياء البرية والكازيرما، جنوبي العاصمة طرابلس، بحسب بيان صادر عن المكتب الإعلامي لعملية “بركان الغضب” التابع للجيش، نشره على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”.

Exit mobile version