النظام الصحي العراقي.. الفساد وضعف البنية التحتية ينذران بكارثة وشيكة

وضعت جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) النظام الصحي العراقي أمام تحديات هائلة، كشفت نقصاً كبيراً في الخدمات الصحية الأساسية والضرورية على مستوى الرعاية الصحية الأولية، ومحدودية إمدادات الأدوية، وضعف البنية التحتية الصحية، ومحدودية الموارد البشرية.

وقد حذرت خلية الأزمة الخاصة بمتابعة ملف كورونا في البرلمان العراقي، أول أمس الخميس، من انهيار النظام الصحي في البلاد خلال 10 أيام، بسبب تزايد الإصابات بالفيروس، وعدم قدرة النظام الصحي على استيعاب الأعداد المتزايدة.

جاء ذلك على خلفية ازدياد أعداد المصابين، حيث أعلنت وزارة الصحة تسجيل 113 إصابة، و3 وفيات بكورونا؛ ما يرفع إجمالي الإصابات إلى 3724، توفي منهم 134، وتعافى 2438، الأمر الذي دفع الحكومة إلى إعلان عزل 6 مناطق رئيسة في العاصمة بغداد.

ضعف التخطيط

أثر نظام المحاصصة الطائفية التي أسس لها الاحتلال الأمريكي للعراق، عام 2003، على قدرة الحكومة على التخطيط والتعاطي مع النمو السكاني بشكل علمي، الأمر الذي أدى إلى عدم تخصيص الموارد الكافية لبناء القطاع الصحي، وما توفر من موارد تغوّل عليه الفساد، حيث نشأت طبقة من الفاسدين داخل مؤسسات الدولة، استغلت هذا الخلل لتحقيق الثراء على حساب القطاع العام، بحسب ما يرى منظمو التظاهرات في العراق، التي اندلعت نهاية العام الماضي، وأدت إلى سقوط حكومة رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي.

وبهذا الخصوص، يقول عضو تنسيقيات التظاهرات في بغداد د. حسين العبوسي، لـ”المجتمع”: إن حكومة عبدالمهدي خصصت ما نسبته 2.5% من مجمل موازنة الدولة البالغة 106.5 مليار دولار لوزارة الصحة العام الماضي، فيما خصصت 18% للأجهزة الأمنية، و13% لوزارة النفط، ولعل الأرقام لا تحتاج إلى عناء التعليق، فالإنسان آخر ما تفكر به الدولة.

وأضاف العبوسي: الموظف السابق في وزارة الصحة العراقية، البيانات الموثقة تظهر أن العراق أنفق خلال السنوات العشر الأخيرة 161 دولاراً في المتوسط على الفرد الواحد، وهذا المبلغ متواضع جداً إذا ما قورن بدول فقيرة مجاورة للعراق لا تمتلك مثل موارده، فالأردن أنفق بحسب منظمة الصحة العالمية خلال النفس الفترة 304 دولارات على الفرد، ولبنان و649 دولاراً، وهما بلدان فقيران إذا ما قارنا وارداتهما بواردات العراق.

وتابع: هذا الذي أسلفت ذكره هو أحد أهم الأسباب التي دفعت الشباب العراقي إلى التظاهر في الشوارع ضد الطبقة السياسية الحاكمة، وقد واجهنا الموت والرصاص الحي، ومطلبنا الوحيد هو إصلاح النظام السياسي الذي أهدر موارد الدولة وأوصل العراقي إلى مستوى شديد من الفقر، في الصحة والتعليم والبنى التحتية.

تغوّل الفساد

وكشف مصدر في هيئة النزاهة العراقية، لـ”المجتمع”، أن الهيئة تلقت المئات من ملفات الفساد خلال السنوات الماضية، تتعلق بالقطاع الصحي، وتشمل بناء المستشفيات، واستيراد أجهزة غير مطابقة للمواصفات، مثل أجهزة السونار والسكانر، وملف أجهزة صالات الإشعاع الذري لمرضى السرطان.

وأضاف المصدر، مفضلاً عدم ذكر اسمه، أن الفساد في إدارة ملف الصحة شمل الاعتماد على كوادر غير نزيهة وغير مهنية تم اختيارها وفق معايير الانتماء الطائفي، مع ممارسة الإقصاء والتهميش للكوادر الماهرة المتدربة، الأمر الذي دفع بآلاف الأطباء والممرضين وغيرهم إلى الهجرة من العراق، ويعمل معظمهم في دول الجوار حالياً.

وقال: وللتدليل على حجم الفساد في القطاع الصحي، يمكن أن أسوق لكم مثالاً واحداً كنموذج لسلسلة من الصفقات المشبوهة التي استنزفت موارد العراق، في عام 2018 استوردت وزارة الصحة 26140 نعلاً طبياً، قيمته في العراق لا تتجاوز الدولار الواحد، تم استيراده بـ27 دولار للقطعة الواحدة من الخارج، وبلغت قيمة العقد 900 مليون دولار، كان يمكن بناء 20 مستوصفاً صغيراً بهذا المبلغ.

وأشار المصدر إلى أن ملفات الفساد التي يتم الكشف عنها وتصل ملفاتها إلى هيئة النزاهة المعنية وفق الدستور بملاحقة الفساد والفاسدين في الدولة، تغلق بضغوط سياسية بسبب تورط مسؤولين رفيعي المستوى في هذه الصفقات، وعلى سبيل المثال لا الحصر؛ فقد وصلتنا ملفات تتعلق بمسؤول كبير جداً في وزارة الصحة حصل على عمولة قدرها 15%، من خلال عقد بقيمة 8 ملايين دولار لتجهيز الوزارة بمستلزمات طبية وأدوية ذات جودة رديئة، مع شركتي “ميديا” و”كوفيا” التابعتين لبرلماني معروف، وبسبب صلات  المتورطين بالصفقة بجهات سياسية نافذة، تم تجميد التحقيقات المتعلقة بالأمر.

يشار إلى أن الرعاية الصحية بالعراق كانت تعتبر من بين الأفضل في منطقة الشرق الأوسط، خلال عقد الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، حيث أصبح العراق من الدول المنتجة للدواء حينها، بينما يستورد اليوم حوالي 80% من مجمل احتياجاته الدوائية.

كما أن عدد الأطباء والممرضين بالقياس إلى عدد السكان هو الأدنى في منطقة الشرق الأوسط اليوم، وتشير إحصائيات منظمة الصحة العالمية لعام 2018، إلى أن هناك 0.83 طبيب، و2.1 ممرضة وقابلة، لكل ألف نسمة.

وحسب إحصائية لنقابة الأطباء العراقية، فإن العنف أودى بحياة 320 طبيباً على الأقل منذ احتلال العراق عام 2003، وتعرض آلاف غيرهم للاختطاف أو التهديد بالقتل.

وتشير الإحصائية إلى أن عدد الأطباء المسجلين في العراق منذ التسعينيات بلغ 52 ألفاً، فر منهم 20 ألف طبيب إلى خارج البلاد بسبب العنف وحالات الابتزاز.

جدير بالذكر أن الأطباء العراقيين هم أولى الفئات العراقية التي أشعلت ما يعرف بـ”ثورة تشرين”، التي اندلعت في أكتوبر من العام الماضي، وما زالت مستمرة وتطالب بتنحي الطبقة السياسية الحاكمة منذ عام 2003، حيث خرج في سبتمبر 2019 مئات الأطباء إلى شوارع بغداد للمطالبة بتحسين أجورهم وظروف عملهم لتكون مظاهرتهم مقدمة للاحتجاجات والاعتصامات التي اجتاحت البلاد وما زالت مستمرة إلى اليوم.

Exit mobile version