العيوني: 58 ألف دينار وصلت للصندوق خلال ساعة واحدة
براهم: كفى مماحكات آيديولوجية على حساب الشعب
القروي: مخالفة للدستور
ما أن أعلن المدعي العام السابق، ورئيس بلدية الكرم بالعاصمة تونس فتحي العيوني عن تأسيس صندوق الزكاة ودعوة المواطنين لحضور الافتتاح حتى توالت ردود الأفعال المؤيدة والمعارضة على حد سواء، ممّا يكشف عن حجم الاختراق الذي أحدثه الاحتلال الفرنسي في بنية الهوية الإسلامية في تونس، وارثها الثقافي، إلى جانب دور الرهط الذي استأمنه الاحتلال على ذلك الاختراق وتوسيعه على مدى 7 عقود تقريباً.
إقبال على دفع الزكاة
ويبدو أن المعارضين لصندوق الزكاة فئة منبتة لا تعبر عن توجهات جماهيرية بقدر ما هي بقايا للاستعمار مسكونة بعدائه للهوية الإسلامية وكل ما يمت إليها بصلة، ويؤكد ذلك ما كشف عنه رئيس بلدية الكرم فتحي العويني الذي أوضح حجم الرغبة الشعبية في إحداث صناديق الزكاة، وقال في اتصال هاتفي أجرته معه ” المجتمع”: إن مداخيل صندوق الزكاة الذي تم إحداثه مؤخراً في الكرم بلغت 58 ألف دينار في ساعة واحدة.
وقد ردّد العيوني ذلك على منابر أخرى مثل قناة أم تونيزيا.. وأشار إلى أنه تلقى طلبات عديدة من خارج تونس للتبرع لفائدة الصندوق.. وأكد مجدداً أن تجربة صندوق الزكاة ينتظرها جميع التونسيين.
وبشّر العيوني بأن مسيرة وضع صناديق للزكاة لن تتوقف رغم المعارضة التي يبديها بعض المنسلخين، وأن الفصول الدستورية والقانونية التي يستشهدون بها لا تنطبق على قرارات رؤساء البلديات الذين سيعلنون لاحقاً بدورهم عن إنشاء صناديق للزكاة حيث أن بلديات عدة ستعلن في الأيام القادمة عن بعث صناديق زكاة لأن هذه التجربة سيحالفها النجاح.
وأردف، لقد تم وضع حساب مفتوح أمام الأشخاص الطبيعيين والمعنويين لإيداع الأموال موضحاً أن إنشاء صندوق الزكاة بناء على الفصل 138 من قانون الجماعات المحلية.
وأفاد العيوني بأنه تم وضع 3 هيئات للإشراف على الصندوق: الأولى إدارية لقبول ملفات طالبي الانتفاع بناء على دليل للتمتع، إضافة إلى هيئة شرعية تهتم بأحكام وفقه الزكاة، وهيئة رقابية تتكون من أعضاء المجلس البلدي التي تصادق على المقترحات وتأخر بالصرف.
وأوضح أن المؤشرات إيجابية وهنالك مبالغ تنتظر افتتاح الصندوق معتبراً أن اختيار يوم 26 من رمضان للتدشين له رمزية لمكانة هذا اليوم لدى التونسيين.
وقال العيوني إن الصندوق ستشرف عليه “عربية الطرابلسي” في تدعيم لمكاسب المرأة منذ الاستقلال، كما تم تعيين الشيخ أحمد الشريف على رأس الهيئة الشرعية وذلك من أجل رد الاعتبار لجامع الزيتونة.
المعارضون لصندوق الزكاة
في الفسطاط الآخر، أعرب حزب قلب تونس، في بيان بتوقيع رئيسه نبيل القروي يوم 20 مايو 2020م عن قلقه من إحداث صندوق للزكاة ببلدية الكرم، وذلك على إثر انعقاد مكتبه السياسي.
واعتبر “التسمية مخالفة لقانون الجماعات المحليّة في فصله 138 المنظم لنشاط الجماعات المحليّة والبلديّات والذي يتحدّث عن إمكانية بعث “صناديق هبات” وليس “صناديق زكاة” وهو مخالف أيضاً وبالخصوص للفصل السادس من الدستور الذي يخوّل للدولة وحدها مهمّة العناية بالدين والإشراف على ممارسة شعائره”.
وتابع، موقف الحزب من موضوع الزكاة كفريضة وركن من أركان الإسلام لا لُبس فيه بل له علاقة برفض محاولة أدلجة ما منحه القانون من صلاحيات للجماعات المحليّة وخوصصة غير شرعيّة للدين تفتح على كلّ أنواع المغالاة والمزايدات والتجاوزات.
يذكر أن حزب “قلب تونس” سبق وأن رفض لنفس الأسباب التصويت لفائدة مشروع بعث صندوق وطني للزكاة.
إلى ذلك اعتبر الحزب الدستوري الحرّ، أن إحداث صندوق الزكاة يعتبر “تمرداً صريحاً على قوانين البلاد وقرارات البرلمان وتجاهلاً لموقف السلطة الجهوية التي رفضت المصادقة على قرار المجلس البلدي بالكرم”، وذكر برفض البرلمان المصادقة على مشروع إحداث صندوق للزكاة بما يعني غياب أي سند قانوني لإحداثه، حسب ما ذكره الحزب.
المؤيدون للصندوق
وحول ما أثاره حزبا ( قلب تونس ) و( الدستوري الحر ) والبعض، من مخاوف من صندوق الزكاة، قال الباحث والأكاديمي سامي براهم لـ” المجتمع “، حرمان البلاد والمواطنين من مورد من موارد التّضامن والتّكافل الاجتماعي ورعاية ذوي الحاجات بدعوى الخشية من الأسلمة والأخونة ومخالفة مبادئ الدّولة المدنيّة ( لا يوجد مسمّى الدولة المدنية في علم القانون، يوجد قانون مدني ولا توجد دولة مدنية في تعريفاته ) فهو سلوك يعبّر عن رؤية أيديولوجيّة خاصّة وضيّقة من حقّ أصحابها تبنَيها وطرحها للنّقاش ولكن ليس من حقّهم فرضها على الدّولة والمجتمع.
وتابع، تعب هذا البلد من المناكفات الأيديولوجيّة والصّراعات السياسيّة والمغالبة على حساب تحقيق مصالح عامّة معقولة وقابلة للتنظيم والتقنين والمراقبة.
من جانبه علق الكاتب الدكتور محمد فتحي الشوك على هذا الجدل قائلاً “لا أدري ما علاقة هذا الصّندوق بالطّائفية والعشائرية والصراع الطّبقي إلّا إذا اعتبرنا أنّ المسلمين في هذا البلد أقلّية وهو ما ينفيه الدّستور.
انتشار الظاهرة
ورغم الجدل الحاصل يبدو أن العديد من البلديات بصدد إقامة صناديق الزكاة الخاصة بها، كما بشّر بذلك المدعي العام السابق فتحي العيوني، رئيس بلدية الكرم.
وفي هذا الخصوص قال رئيس بلدية المكناسي جلال عليبي، إن إنشاء صندوق زكاة للمجلس البلدي، سيعرض على اللجان الاقتصادية والاجتماعية قبل عرضه على المكتب البلدي ثم على الدورة العادية الثانية للتصويت عليه.
وأوضح عليبي أنه بمعية عدد من أعضاء المجلس البلدي يدعمون هذا المشروع ولكن يجب تمريره بالطرق القانونية، و رجح أن يتم النظر فيه في غضون شهرين.
وأضاف عليبي أن القانون التونسي يسمح بإنشاء مثل هذه المشاريع وأن البرلمان التونسي رفض سابقاً مشروع قانون ولم يحجّر إنشاء صندوق الزكاة، وأن الدولة نص دستورها على أن دينها الإسلام لذلك تنظم المساجد والحج وكذلك الزكاة على غرار كل الدول الإسلامية.
وقال عليبي إن الاتحاد التونسي للتضامن يشرف على صندوق للزكاة منذ 1989م بمعية المجلس الإسلامي الأعلى الذي كان رئيسه هو الآمر بالصرف للصندوق، غير أن تغيير القانون الأساسي للاتحاد وتجميد المجلس الإسلامي ساهم في إلغاء الصندوق.