تونس.. مرسوم حكومي يحاول استمالة الإعلام الخاص

القصبة مقر الحكومة التونسية

لا يزال الجدل دائراً في تونس منذ أيام حول المرسوم الحكومي القاضي باتخاذ إجراءات استثنائية لدعم قطاع الإعلام المسموع والمرئي الخاص من خلال تكفل الدولة بنسبة 50% من مصروفات البث لسنة 2020، ويشمل ذلك كل القنوات الإذاعية والتلفازية الخاصة.

وقد اتهم رئيس الحكومة التونسي إلياس الفخفاخ الذي أصدر المرسوم بأنه يحاول استمالة الإعلام الخاص الذي أظهر تفوقاً على الإعلام الحكومي المموّل من قبل الشعب، حيث تدفع رسومه مع فواتير الكهرباء، وأن الفخفاخ وفق تلك الاتهامات يسعى لتكوين حزب جديد، مثلما فعل سلفه يوسف الشاهد مستغلاً منصبه الحكومي، وبالتالي فهو في حاجة لأذرع إعلامية وفق هؤلاء تماماً كما فعل الشاهد بعد انفصاله عن حزب “نداء تونس” الذي تدحرج من 86 مقعداً سنة 2014 إلى 3 مقاعد في انتخابات 2019.

تثمين للقرار

في خضم هذا الجدل الدائر ثمّنت الغرفة الوطنية النقابية للقنوات التلفزيونية الخاصةّ الإجراءات الحكومية التي تمّ إقرارها، بخصوص دعم قطاع الإعلام ومرافقة المؤسسات الإعلامية لمجابهة أزمة كورونا.       

وأوضحت، في بيان اطلعت عليه “المجتمع”، أنّ القنوات التلفزيونية الخاصة تواجه أوضاعاً صعبة منذ سنوات في ظل غياب أي دعم أو امتيازات تحظى بها على غرار بقيّة قطاعات الإعلام، فضلاً عن تراجع مداخيل الإشهار وارتفاع تكاليف البثّ والإنتاج التلفزيوني، وما خلّفته جائحة كورونا من تداعيات وأضرار، حسب نصّ البيان.

وأشارت الغرفة، في بيانها، إلى أنّها ما تزال محرومة مما تعتبره حقّها في الاقتطاعات التي يدفعها المواطن ضمن فاتورة الكهرباء كمساهمة في مصروفات التكاليف التلفزيونية، رغم لفت نظر السلطات المعنيّة في عديد المناسبات.

 ودعا البيان إلى الترفّع عن شيطنة القطاع والمزايدة وتغييب عمداً الرسالة الإعلامية والدور الحضاري الذي يقوم به خدمة لقضايا وطننا والدفاع عن مصالح شعبنا.

دعوة للتراجع

في حين انتقدت بعض الأحزاب المرسوم الحكومي، من بينها الحزب الجمهوري الذي شنّع بالإجراءات التي أقرتها الحكومة لدعم قطاع الإعلام، واعتبر أنها اقتصرت على تقديم دعم سخي من أموال دافعي الضرائب لأصحاب المحطات والقنوات الخاصة، ووصف الحزب الجمهوري، في بيان له، القرار الحكومي بالإهدار للمال العام.

وعبر عن خشيته من أن تكون هذه القرارات مقدمة لاسترضاء أصحاب القنوات التلفازية الخاصة التي يسيطر على أغلبها أصحاب المال ولوبيات النفوذ السياسي التي لم ترتق في أدائها إلى مستوى الجودة والتعدد والموضوعية.

وطالب الحزب الحكومة بالرجوع حالاً عن هذه القرارات وتوجيه تلك المخصصات إلى دعم القطاعات الإنتاجية الحيوية التي تمر بصعوبات حقيقية في هذا الظرف الاقتصادي والوبائي الدقيق.

مقاضاة رئيس الحكومة

التحركات في مواجهة المرسوم الحكومي انطلقت من النقابة، حيث أعلنت “النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين”، في بلاغ لها حصلت “المجتمع” على نسخة منه، عن تشكيل لجنة قانونية لتدارس إمكانية مقاضاة رئيس الحكومة على خلفية وجود شبهة توظيف لأموال دافعي الضرائب للدعاية السياسية.

وأكدت النقابة اعتزام الصحفيين خوض كل الأشكال النضالية، بما في ذلك الإضراب العام في القطاع، دفاعاً عن حقوقهم المشروعة.

واتهم “نقيب الصحفيين” ناجي البغوري، في تصريح لإذاعة “أي إف إم”، رئيس الحكومة التونسية إلياس الفخفاخ برصد 5 مليارات لتلميع صورته وصورة حكومته.

وأكد البغوري أن رئيس الحكومة ينفق المليارات لتحسين صورته على غرار سياسات سابقة في وكالة الاتصال الخارجي في العهد النوفمبري، (تسمية ازدراء لنظام بن علي).

وأن الفخفاخ يعمل على شراء أقلام بعض الصحفيين مقابل السكوت.

كما اتهم البغوري رئيس الحكومة التونسية بأنه لم يحترم الاتفاقيات التي أبرمت مع نقابة الصحفيين، رغم تعرض عدد من الصحفيين إلى الطرد من عملهم ولم تهتم الحكومة بمصيرهم.

رشوة لتلميع الصورة

بدوره، أكد النائب بمجلس نواب الشعب يسري الدالي، في تصريح لموقع “الشاهد”، أن الصحفيين في المواقع الإلكترونية والجرائد والمجلات الورقية أولى بهذه المساعدة، مبيناً أن الحكومة تستعمل التفويض البرلماني بشكل سيئ وخدمة لمصالحها.

وأكد الدالي أن القنوات لم تتضرر من أزمة كورونا، حيث لم يتوقف الإشهار بهذه القنوات، واعتبر مساعدة الحكومة لها “رشوة الهدف منها تلميع صورة الفخفاخ”.

وتابع: كان على رئيس الحكومة توجيه هذه المساعدات إلى القطاعات المتضررة على غرار المهن الحرة والقطاع السياحي والصناعات التقليدية والمصانع الصغيرة ورياض الأطفال والمؤسسات التعليمية الخاصة.

ولفت الدالي إلى إن ائتلاف الكرامة يتجه إلى تقديم طعن لدى المحكمة الإدارية في دفع الحكومة لـ50% من كلفة الإرسال التلفازي للقنوات الخاصة.

المال العام ليس غنائم

وفي سياق متصل، استغرب عبداللطيف العلوي، النائب عن كتلة ائتلاف الكرامة، قرار الفخفاخ، وقال، في تصريحات إعلامية: إن القنوات والإذاعات الخاصة والمؤسسات الربحية بصفة عامة تسجل فائض ربح كبيراً، والمفروض أن يتم استخدام هذه الأرباح في فترات الضيق والعسر، وليس من الضروري تدخل الدولة من قوت المواطن البسيط لمساعدتها، مذكراً بأن القنوات التلفزيونية تدفع عشرات الملايين كأجر (المعلق) “للكرونيكار” الواحد ما يعادل أجور 6 نواب و4 وزراء.

وعاب المتحدث على الفخفاخ تسخير 20 أو 30 ملياراً لقنوات تمتنع عن سداد أجور عمالها وموظفيها، مؤكداً أن المال العام سخر كغنائم لشراء المؤسسات الإعلامية والسند الإعلامي في إطار مشروع إعادة استنساخ تجربة يوسف الشاهد وإطلاق حزب جديد عبر السلطة الشيء الذي لم يتمكن من فعله بالانتخابات.

وأضاف عبداللطيف العلوي أن مرسوم دعم قطاع الإعلام نوع من الرشوة المقنعة بمال الشعب استعمل لكسب مودة أرباب المؤسسات الإعلامية على حساب فقر وجوع التونسيين الذين يقفون في صفوف المذلة وطوابير المهانة لساعات أمام المعتمديات والعمادات (أسماء للدوائر الإدارية للمناطق)، يتكبدون مشقة التدافع وخطر الإصابة بفيروس كورونا، وفي الأخير توجه أموالهم للقروي، وجنيح، والفهري.. وغيرهم.

وأكد النائب أن كتلته مرتاحة الضمير؛ لأنها لم تساهم في تمكين الفخفاخ من التفويض الذي لم يستعمل في طريقة قائلاً: “الفخفاخ سيحاسب على ذلك قريباً خلال جلسة الاستماع له عند مضي فترة الـ100 يوم عمل للحكومة.

حزب سياسي

وعن استعداد الفخفاخ لتكوين حزب سياسي بالاعتماد على ماكينة إعلامية وإدارية قوية، قال الإعلامي نبيل الشاهد، على صفحته بـ”فيسبوك”: إلياس الفخفاخ يسير في نفس مسار يوسف الشاهد، وبدأ طموحه يتضخّم تدريجياً بعد أن كان مجرّد ورقة أخيرة سحبت من الدرج في آخر لحظة، لا أستبعد أن يؤسس حزباً ويستعد من الآن لدور سياسي كبير في عام 2024 بالاعتماد على جوقة إعلامية وماكينة إدارية.

القرار الحكومي

وكان مجلس وزاري مضيق ترأسه رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ، يوم 6 مايو الجاري، قد أقر 4 قرارات لدعم قطاع الإعلام ومشاركة المؤسسات الإعلامية لمجابهة أزمة كورونا، على غرار إقرار اقتناء اشتراكات في النسخ الإلكترونية للصحف من قبل الدولة والهياكل العمومية في حدود 1.2 مليون دينار، وإحداث صندوق أموال مشاركة لدى رئاسة الحكومة بقيمة 5 ملايين دينار لدعم المجهود الاتصالي للدولة، وتكفل الدولة بنسبة 50% من تكاليف البث لسنة 2020 لكل القنوات الإذاعية والتلفازية الخاصة.

Exit mobile version