“كورونا”.. وحاجة الأمة لصناعة الغذاء والدواء وأدوات الدفاع عن النفس

من تداعيات أزمة «كورونا» تعزيز ثقافة التعاون المحلي والإقليمي على أساس القيم المشتركة، إلى جانب لجوء الأقوياء إلى الإمعان بالسيطرة على مقدرا2020-05-13_12h03_50.jpgت الضعفاء، تحت ضغط «كورونا» من جهة، وبناء على نظرية الصراع التي تم اقتباسها من عالم الغابة وعممت على الحياة الإنسانية لغايات استعمارية، ألبست إلى جانب نظريات مكملة لبوس العلم، في حين أنها نظريات تبرر الغزو والنهب والاحتلال المباشر الذي عرفها العالم بعيد ظهور تلك النظريات والترويج لها على أساس أنها نهاية المعرفة.

كل ذلك يفتح المجال أمام الأمة للنظر في الأساسيات الثلاثة؛ الغذاء، والدواء، ووسائل الدفاع عن النفس؛ حتى لا يتواصل التاريخ نفسه. 

أظهرت جائحة «كورونا» هشاشة الاعتقاد بأن «الإنسان هو سيد الكون»، وغيرها من الاعتقادات البائسة المراكمة لذلك الاعتقاد، هكذا علق الخبير الاقتصادي د. ياسين إسماعيل.

وأضاف، في تصريحات لـ»المجتمع»: العالم سيدخل في مرحلة جديدة من اكتشاف الذات بعد أن أثرت الأزمة في العلاقات الدولية وما يعرف بالحقل الواحد، بل أثرت على ما يعرف بأصل الإنتاج؛ وبالتالي أثّرت على الدخل والاستهلاك والادخار والتمويل والاستثمار تبعاً لذلك، وهي حلقات التنمية كما هو معروف في علم الاقتصاد.

وتابع: في الحالة التونسية، لم يتجاوز جهاز الإنتاج نسبة 30% والـ70% معطلة، وهذا نموذج؛ فالإنسان العربي يستهلك أكثر مما ينتج في الحالات الطبيعية، وبالتأكيد هو أكثر عطالة في الأزمات ومنها جائحة «كورونا» العالمية.

وأشار إلى أن اقتصاديات الدول أصبحت بعد «كورونا» اقتصاديات حرب، تستوجب التركيز على الزراعة في ظل الخوف من أزمة غذاء عالمية إذا ما استمرت الجائحة، وبدأت الدعوات لتجنب أزمة غذاء عالمية جراء ذلك؛ ولذلك ندعو الجميع للعمل على تحقيق الاكتفاء.

واستشهد بتقرير أمريكي يفيد بأن 9 دول عربية ستستورد نحو 40.2 مليون طن من القمح خلال العام 2020م، وهو ما يمثل 21.9% من واردات القمح العالمية، وتساءل: إذا لم تصل هذه الكميات فعلاً، فقد لا تصل بسبب الأزمة التي نتجت عنها أزمة غذائية تلوح في الأفق تزيد عما عرفه العالم عام 1929م، فضلاً عن المنتوجات الأخرى كالحليب والزيت واللحوم وغيرها.

وبحسب التقرير، تأتي مصر على رأس القائمة كأكبر مستورد للقمح، بحجم واردات 12.5 مليون طن، بينما جاءت تونس في آخر القائمة بحجم واردات 1.6 مليون طن، في حين تحتاج الجزائر 7 ملايين طن، والمغرب 4.8 مليون طن، والعراق 3.3 مليون طن بناءً على وفرة المحصول، واليمن 3.3 مليون طن، والمملكة العربية السعودية 3.2 مليون طن، والسودان 2.7 مليون طن، والإمارات العربية المتحدة 1.8 مليون طن.

وخلص د. ياسين إلى القول: إن الحبوب المستوردة تمثل ما يقرب من 60 – 70% من استهلاك الحبوب الإقليمية، ومع ندرة المياه، وعدم الاستقرار السياسي، ومحدودية الأراضي الصالحة للزراعة، وركود الإنتاج، مع مضاعفات «كورونا»، من المرجح أن تستمر واردات الحبوب في الارتفاع، إن استمر مستقبلاً، وما يصاحبه من تنامي انعدام الأمن الغذائي.

صناعة الدواء

من جانبها، قالت د. آمال صيوة مفتاح، لـ»المجتمع»: أكدت جائحة «كورونا» أهمية صناعة الدواء والبحث العلمي في عالم الأدوية والمخابر، والحمد لله أن أدوية مثل «الكلوروكين»، و»الهيدروكسي كلوروكين»، و»أزيتروميسين» تصنع في بلادنا.

وتابعت: كشفت الجائحة أيضاً أهمية الاختراعات والاكتشافات التي أغفلتها الأمة لأسباب تتحمل المسؤولية عنها بعض الطبقات، والحمد لله أن هناك شباباً مبدعاً في تونس من المهندسين الذين اخترعوا وصنعوا لنا في وقت قياسي العديد من الآلات الحيوية من أجهزة تنفس وأقنعة وروبوتات وغيرها، ونحن فخورون بهم، ولقد جددوا فينا الأمل في مستقبل أفضل.

وكانت دراسات قد ذكرت بأن الدول العربية تنتج أدوية قيمتها 11 مليار دولار سنوياً، وتحوز على ما نسبته 3% من إنتاج العالم الدوائي.

في حين أن ما نسبته 65 – 80% من الأدوية في الدول العربية مستوردة، وأشارت إلى أن المواطن في الدول العربية، وفق دراسة تقديرية، ينفق نسبة تتراوح بين 60 و80% من أمواله المخصصة للقطاع الصحي على الأدوية.

إلى ذلك، قال المهندس المخترع نور الدين الجهيناوي (لديه العديد من الاختراعات)، لـ»المجتمع»: نحن في حاجة لوقفة تأمل في ماضينا القريب ووضعنا الحالي ومستقبلنا بخصوص الأركان الثلاثة؛ الغذاء، والدواء، ووسائل الدفاع عن النفس.

وتابع: ففي وضع الصدمة التي يعيشها العالم حالياً على كافة الأصعدة، وهو وضع أشبه بيوم القيامة، وضع يفر فيه المرء من أمه وأبيه وفصيلته التي تؤويه، كانت هناك غفلة يعيشها الجميع وكانت الاستفاقة على وقع الصدمة وهي استفاقة تطرح أسئلة أكثر من أي شيء آخر. 

وذكر بأن العالم يعاد تشكيله، والسؤال هو: ما موقعنا من الإعراب في هذا التشكّل الجديد؟

واستدرك: كان بالإمكان أن يكون وضع الأمة في ظل جائحة «كورونا» أفضل مما هو عليه الآن وبمراحل، لو أنها أطاعت تعاليم دينها في السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة والتضامن والوحدة، ومراعاة الفروض بما فيها فروض الكفاية في تأمين الغذاء والدواء ووسائل الدفاع عن نفسها، فمن يتبنون نظرية «صراع البقاء» لن يتوانوا إذا ما اقتضت مصالحهم ذلك عن دوس كل ما وقعوا عليه تحت راية الأمم المتحدة والمجالس والهيئات التابعة لها، وتحويل العالم إلى غابة حقيقية.

وأردف: مع انخفاض أسعار النفط إلى حد غير مسبوق تاريخياً، والحاجة إلى إنتاج وتخزين كميات كبيرة من المواد الغذائية، فضلاً عن احتمالات قيام حروب في إطار الصراع من أجل البقاء الذي بدأت بعض الدول الكبرى تدق طبوله في ظل تفشي «كورونا»؛ كالتوتر الحاصل حالياً بين واشنطن وبكين، وتوقعات البعض قيام حرب بينهما في أكتوبر القادم، وصدى ذلك في فرنسا حيث عزف الرئيس «ماكرون» نغمة واشنطن والحديث عن مطالبة ألمانيا للصين بتعويضات تقدر بـ249 مليار يورو، والحديث الواسع في بريطانيا حول الموضوع ومطالب بتعويضات بنحو 400 مليار جنيه إسترليني من الصين، وهو ما يذكرنا بحرب الأفيون التي شنت على الصين (الأولى عام 1840 – 1842م، والثانية عام 1856 – 1860م).

في خضم كل ذلك، تتذكر الأمة أقوال أحد كبار رجالها وفرسانها الشيخ محمد الغزالي رحمه الله: «إنَّ هناك سبعين صناعة مدنيَّة وعسكريَّة تتعلق بالنفط واستخراجه والانتفاع بمشتقاته لا نعرف منها شيئاً، فهل نخدم عقيدة التوحيد بهذا العجز المهين؟!»، ثم يتابع: «إنَّه لو قيل لكل شيء في البلاد الإسلاميَّة عد من حيث جئت لخشيت أن يعيش الناس حفاة عراة لا يجدون ما يكتسون ولا ما يتعلمون ولا حتى ما يضيء لهم البيوت» (مشكلات في طريق الدعوة الإسلامية، ص 12).

واستشهد الجهيناوي بتقارير تفيد بأن 10 دول عربية استوردت ثلث السلاح في العالم، خلال 5 سنوات (2013 – 2017م)، بزيادة بلغت 80% عن السنوات الخمس السابقة.

فبحسب قائمة نشرها تقرير لـ»معهد إستكهولم لأبحاث السلام» (SIPRI) لأكبر 40 دولة مستوردة للسلاح في العالم، جاءت 10 دول عربية ضمن القائمة، وبلغت نسبة وارداتها من الأسلحة 31.9% من إجمالي واردات السلاح في العالم، في الفترة من عام 2013 حتى عام 2017م.

وخلص إلى القول: لو أن هذه الأسلحة مفيدة للدول العربية في صد العدوان الأخطر لجاز الترحيب بذلك، ولكنها أسلحة تستخدم في الصراعات الإقليمية وتآكل الأمة، وما أحرانا اليوم لأسلحة من إنتاج ذاتي تكون كفيلة برد أي صائل خارجي يهدد وجودنا الثقافي والسياسي والبيولوجي.

Exit mobile version