هل تتغلب الصحة والديمقراطية على صفقات السلاح؟

2020-05-13_11h20_53.jpg إن مشكلة العالم الغربي –كما يقول المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي على قناة «DiEM25 TV”– تتمثل في خطرين وجوديين وشيكين؛ أولهما: تزايد تهديدات الحرب النووية، وثانيهما: تزايد مخاطر الاحتباس الحراري الذي سيتسبب بكوارث بيئية على مستوى الكوكب، ويضيف لها (منذ انتخاب “ترمب”) تدهور الديمقراطية، وإن كان الحل الغربي بتبادل السلطة كفيلاً بحل هذه المشكلة الثالثة.

بيد أن مشكلات العالم العربي والإسلامي أعمق وأشد تعقيداً، فهي تبدأ من غياب الديمقراطية، التي هي سبب مشكلات أخرى عديدة، تتمثل في غياب أولويات؛ مثل ترفيع العلماء وأصحاب الخبرات، لا المقربين والمؤيدين الذين يفتقرون إلى الخبرة.

صحيح أن أنظمة عربية وإسلامية استغلت “كورونا” من أجل مزيد من النزوع إلى الاستبداد بفرض إجراءات أكثر تضييقاً على الشعوب؛ ما قلص المزيد من الديمقراطية، إلا أن قيم “كورونا” التي تمثلت في تلاحم وتعاضد الشعوب، والتراحم والتعاون، قد لا تسمح مستقبلاً باستمرار هذه القيود.

وهناك مشكلة أخرى في عالمنا العربي والإسلامي تعرقل الاستفادة من دروس “كورونا”؛ هي عدم التخطيط، والاعتماد على القرارات الفوقية غير المدروسة، فضلاً عن عكس الأولويات بتعظيم وزيادة صفقات السلاح (سواء لحماية الأنظمة أو لضريبة للغرب لحمايته)، بما يأتي على حساب الصحة والتعليم والغذاء.

وفي الملف السياسي، غابت الأخلاق والمبادئ التي ينبغي أن تجبر عليها الأنظمة، فقد رفضت عدة أنظمة عربية إخراج المساجين من السجون، أبرزها مصر، رغم أنهم أكثر فئة معرضة للإصابة بالفيروس، في وقت أخرجت غالبية دول العالم سجناءها ولو بعزل وحبس منزلي؛ وهو ما يجعل إعادة ترتيب أولويات الدول العربية والإسلامية (الغذاء، الصحة، التعليم، السلاح) أمراً ضرورياً، خاصة أن القوى العظمى التي تحتمي بها دول عربية أو تفرض هي وصايتها على العالم ستتلاشى وتظهر قوى أخرى، أو تحالفات دولية جديدة.

فالفيروس التاجي حمل معه أشياء إيجابية؛ هي إشارات تحذيرية لنا من الخطر الداهم الذي يلوح في المستقبل القريب ليحثنا على التحرك والاستعداد.

الغذاء والصحة قبل السلاح

نجحت أزمة «كورونا» في تأكيد شيء واحد؛ هو أن تطوير العلم والطب والتكنولوجيا المفيدة للبشر أهم بكثير جداً من تصنيع وشراء الأسلحة، أو الإنفاق بسخاء على لاعبين أو مطربين، وإهمال العقول العلمية والطبية، فقد جاءهم فيروس يقتل الجميع بهدوء وبدون رصاص ولا نووي ولا يستثني أحداً، أوروبا والعالم الغني قبل فقراء أفريقيا وأمريكا اللاتينية.

ولأن الدول العربية هي أكبر زبائن صفقات السلاح، بينما ميزانيات الصحة والتعليم تأتي في ذيل موازنات الدول، يتوقع خبراء سياسيون وأطباء بعد انتهاء هذه الأزمة أن يتوجه العالم –ربما ليس العالم العربي بقوة- لتحويل ميزانيات أكبر للبحث العلمي والاهتمام بالصحة والبيئة لا تصنيع السلاح واستعراض القوة، وربما الاهتمام بالعلماء والباحثين والأطباء.

بالمقابل؛ تعاني الدول العربية من أزمة غذاء وصعوبة في التكامل الاقتصادي والغذائي لأسباب تتعلق بخلافات الأنظمة، أشار إليها كتاب «الاقتصاد السياسي للسيادة الغذائية في الدول العربية» للخبيرة الدولية وأستاذة الاقتصاد السياسي بجامعة لندن «جين هاريغان».

وقد أشارت الدراسة إلى أن كثيراً من الدول العربية لم تؤمن النمو الشامل المساند للفقراء، وكانت إستراتيجيتهم الشاملة للتنمية «فاشلة»، فمعظم البلدان العربية تستورد ما بين 25 و50% من احتياجاتها الغذائية، وتبلغ فاتورة الواردات الغذائية العربية نحو 5% من الناتج المحلي الإجمالي. 

أما على المستوى الصحي؛ فالوضع في العالم العربي مزرٍ، ولا يوجد تأمين صحي لكافة الشعوب؛ ما يجعل العلاج للأثرياء في المستشفيات الخاصة، وقد كشفت أزمة «كورونا» نقص المعدات وهروب الكوادر البشرية من الأطباء في كثير من الدول للعمل في دول أخرى بسبب تردي الرواتب والإمكانات.

وحسب تقرير لمنظمة الصحة العالمية، الصادر العام الماضي، فإن الرعاية الصحية في البلدان العربية تأتي في ذيل الترتيب عالمياً، ويشمل ذلك ضعف مهارات الإطار الطبي وكفاءته، وعدم توافر التجهيزات والطرق الحديثة في التشخيص والعلاج، وبُعد المرافق الصحية من المواطنين.

كيف يرى الخبراء الحل؟

إذا كان المستقبل سيكون مختلفاً تماماً، فلا يمكننا الاقتراب منه بمخططات الماضي، ولا بموارد الحاضر، ويجب أن نكون مبدعين، وننظر إلى ما وراء أنماطنا المعتادة ونهجنا القديم المعتل.

السفير د. عبدالله الأشعل، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، يرى أن التداعيات الاجتماعية والاقتصادية تحتاج إلى خلية أزمة تضم المتخصصين لوضع برنامج مدروس.

ويرى أنه لا وقت لاستمرار انقسام المجتمع حول أي موضوع؛ لأن وجوده نفسه مهدد، ولا بد من إعلان تجميد الشقاق المجتمعي، وأي شقاق بين المجتمع والسلطة حول أي موضوع؛ لأن ذلك أساس التضامن الاجتماعي والتضافر المجتمعي، وأن تفكر السلطة بدورها في عدد من الخطوات الهادفة لمحاصرة انتشار الوباء، خاصة في المعسكرات والسجون وغيرها من مناطق التكدس الإجباري.

ويدعو الأشعل إلى تقليص صفقات السلاح التي تبرمها الدول العربية بكثافة، وتضيّع الأموال الإستراتيجية للدول، وبالمقابل التركيز على الزراعات الإستراتيجية؛ كالأرز والقمح والذرة والبطاطس، والصناعات المتصلة بالغذاء وغيرها اللازمة لمواجهة الوباء؛ مثل أدوات التعقيم والكمامات وأجهزة التنفس الصناعي، والتوسع في بناء المستشفيات المتخصصة لمواجهة الوباء والاستعانة بالعلماء والأطباء وتحسين ظروفهم المعيشية.

ويدعو الأشعل إلى التفكير في إنشاء مجلس تنسيق عربي للتكامل الغذائي والتضامن الطبي والدوائي والصحي، وهذا اختبار لمفهوم عملي جديد للعروبة ما دام المفهوم السياسي قد واجه الكثير من الصعوبات.

ويطرح الكاتب والناشط سامح فوزي تساؤلاً يتصل بقدرات الدول، ومن ثم ضرورة تلافي التقصير؛ حيث ظهر واضحاً أن النظام الطبي في الكثير من الدول غير قادر على مواجهة انفجار حالات الإصابة بالفيروس على نحو غير مسبوق، وهذ كان حال دول متقدمة، وتمتلك قدرات مالية عالية؛ فماذا سيكون عليه حال دول متعثرة في القدرات المالية، والبنية الأساسية؟

ويشير لأهمية مؤسسات المجتمع، بجانب مؤسسات الدولة، مثل القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني، مستقبلاً في تحمل جانب من المسؤولية.

ويطرح المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي آراء تتعلق بالوضع المستقبلي في الغرب، بعضها وثيق الصلة بالعالم العربي والإسلامي؛ حيث يشدد على أن الفيروس حمل معه أشياء إيجابية هي إشارات تحذيرية لنا من الخطر الداهم الذي يلوح في المستقبل القريب ليحثنا على التحرك والاستعداد، خاصة أن الديمقراطية في خطر بسبب حالة الاستثناء التي يتحكم فيها «قلة قليلة هم أسياد النيوليبرالية»، وسيواصلون التحكم برأيهم إن لم يتم تغيير هذه الأوضاع بعد انتهاء أزمة «كورونا».

ويطرح تشومسكي أفكاراً، منها:

1- أن الإجراءات الاستثنائية التي تطبقها الحكومات من إغلاق للحدود الداخلية والخارجية، وحظر التجوال في بعضها، واستخدام الجيش في تطبيق إجراءات العزل، قد تتسبب بتدهور الديمقراطية والنزوع إلى الاستبداد في كثير من مناطق العالم.

2- أن تقديم الفيروس كعدو هو فقط لإضفاء الشرعية على «حالة الاستثناء الجديدة»، أم ثمة ما هو أعمق في هذا الخطاب؟

3- نحتاج إلى عقلية الحركة الاجتماعية الجماعية من أجل التغلب على أزمة شديدة تعّبر عن فشل ذريع لـ»النيوليبرالية»، واقتصاد السوق الذي لا يكف عن التزايد، في ظل بحث رجال الأعمال وشركات الدواء عن مصالحهم لصالح حسابات تجارية واقتصادية لتلك الفئة التي تحكم العالم خشية الخسائر التي سيتسبب بها العزل الاجتماعي، وإغلاق المؤسسات والشركات وتعطيل الحياة العامة ولمنفعة هؤلاء الأثرياء.

4- أن فيروس «كورونا» علامة تحذير ودرس للبشرية، وعلينا أن نبحث في الجذور التي تؤدي إلى الأزمات، التي ربما تكون أسوأ مما نواجهه اليوم، والتحضير لكيفية التعامل معها ومنعها من الانفجار.

5- أن أزمة «كورونا» هي مجرد جزء واحد من كابوس مقبل، وإن لم يشرع الناس على الفور في تنظيم أنفسهم ويتضامنون فيما بينهم لتحقيق عالم أفضل بكثير من العالم الذي يعيشون فيه؛ فهم سيواجهون مصاعب هائلة لطالما أعاقت طريق الحق والعدالة، وخصوصاً الاستعداد للتعامل مع الخطرين الوجوديين للحرب النووية والتغيرات المناخية والكوارث التي سيتسبب بها الاحتباس الحراري، التي لن نتعافى منها ما لم نكن حازمين في مواجهتها حين نصل إلى تلك المرحلة، وهي باتت وشيكة الحدوث.

Exit mobile version