علماء رحلوا في مايو.. شلبي والحموي والمخلافي

لا شك أن موت العلماء الأجلاء من المصائب التي تؤثر على أي أمة، والأمة الإسلامية مثلها مثل باقي الأمم ابتليت بفقد الكثير من علمائها وقادتها على مر التاريخ والعصور، ولا شك أن الأرض تحيا إذا حيي عالِمها كحياتها إذا ما الغيث حل بها.

وفي هذه السطور نقف مع سِيَر بعض الأعلام الذين رحلوا في مايو، ومن أبرزهم:

عبدالودود شلبي.. عالم في وجه التنصير 

في قرية ميت عفيف مركز الباجور بمحافظة المنوفية ولد د. عبدالودود شلبي، يوم 18 أبريل 1925م، وقد اهتم والده بتعليمه؛ فحفظ القرآن الكريم في سن مبكرة، والتحق بالتعليم الابتدائي، ثم بالأزهر الشريف عام 1941م؛ حتى نال الشهادة العالمية من كلية أصول الدين عام 1952م، وحصل على درجة الماجستير من جامعة الأزهر، ثم حصل على درجة الدكتوراه من كلية الدراسات الشرقية بجامعة بنجاب بباكستان علم 1976م، وقام بتوثيقها من جامعة كامبريدج بلندن في نفس العام، وكانت حول موضوع «الأصول الفكرية لحركة المهدي السوداني ودعوته».

بدأ حياته سكرتيراً للشيخ محمود شلتوت، شيخ الجامع الأزهر الأسبق، ثم في عهد د. عبدالحليم محمود، شيخ الأزهر الأسبق، رأس تحرير مجلة «الأزهر» خلفاً للشيخ عبدالرحيم فودة، وفي عام 1982م اختير أميناً لمؤتمر العيد الألفي بالأزهر، وفي عام 1985م اختير أميناً لمؤتمر السيرة والسُّنة الذي نظَّمه الأزهر قبل أن يحال للتقاعد عام 1990م، وقد كرمه الرئيس الراحل محمد حسني مبارك ومنحه «وسام الامتياز من الدرجة الأولى» عام 1991م.

وهب د. شلبي نفسه للدفاع عن الإسلام، حيث سخر في يده الأدلة والبراهين لوقف تشكيكهم في تعاليم المسلمين، واستطاع أن يتصدى للتنصير الذي غزا الأمة الإسلامية، وتقدم بأكثر من تصور لإصلاح الأزهر، حيث قال: «لو كان للأزهر دور حقيقي ما ارتفعت صيحات الإلحاد والتطرف، واختفت إلى الأبد عصابات الإرهاب المسلَّح؛ فالأزهر تراجع عن دوره في التعريف بدين الإسلام الصحيح السمح، ودوره في تقويم اللسان العربي الذي يكاد يختفي في الأزهر نفسه!».

تعرف على دعوة الإخوان في وقت مبكر، وبايع الشيخ حسن البنا، حيث كان من زملائه في الدراسة والدعوة د. يوسف القرضاوي، ود. أحمد العسال، وحينما دخلت الجماعة في محنة عام 1948م اعتقل مع بقية إخوانه ورحل إلى سجن الهايكستب ثم الطور، حيث تفجرت مفاتيح الشعر عنده وقت المحنة، كما كان له دور كبير في التحفيف عن إخوانه في السجن كما ذكر عدد كبير في مذكراته ذلك.

بعد خروجه أكمل تعليمه، ثم عمل محاضراً في العديد من الدول الإسلامية؛ في باكستان، وقطر، والشارقة، والكويت، ثم عمل مديراً للمركز الإسلامي في سيدني.

ترك للمكتبة الإسلامية الكثير من المؤلفات التي كانت مفاتيح للرد على كل من يشكك في الإسلام، ومنها: «في محكمة التاريخ»، «القرآن يتحدى»، «حوار صريح بين عبدالله وعبدالمسيح»، «حقائق ووثائق.. دراسة ميدانية عن الحركات التنصيرية في العالم الإسلامي»، «رسالة إلى البابا»، «للمحاولة الفاشلة لتنصير طالب الأزهر».

ظل د. شلبي منافحاً عن الإسلام وسُنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم حتى وافته المنية في 15 جمادى الآخرة 1429هــ/ 21 مايو 2008م، ودفن بمسقط رأسه(1).

محمد الحامد محمود الحموي.. الفقيه السوري 

ولد في مدينة حماة بسورية، عام 1328هـ/ 1910م، وبعد 6 أعوام توفي والده، ثم والدته، وعاش حياته يتيم الأبوين، وأكمل دراسته الابتدائية عام 1922م، وحين افتتحت «دار العلوم الشرعية» عام 1924م في حماة التحق بها، وفي عام 1347هـ/ 1928م رحل إلى حلب وانتسب إلى «المدرسة الخسروية الشرعية»، ثم رحل بعد ذلك إلى مصر عام 1356هـ/ 1938م ملتحقاً بالأزهر، ليتم دراسته العالية فيه.

في القاهرة تعرف على الشيخ حسن البنا وصحبه وتتلمذ في العمل الحركي الدعوي، واشتهر بين الإخوان المصريين بـ»الشيخ الحموي»، حيث يقول: «والذي أثّر في نفسي تأثيراً من نوع خاص، وله يد في تكويني الشخصي، سيدي وأخي في الله وأستاذي الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله، وإن المسلمين لم يروا مثل حسن البنا منذ مئات السنين، في مجموع الصفات التي تحلَّى بها».

حينما عاد حمل على عاتقه تكوين فرع للإخوان في حماة عام 1939م، كما تشكلت فروع أخرى على يدي د. مصطفى السباعي، وحينما عقدت الجمعيات المختلفة للإخوان مؤتمرها الخامس بحلب، في ذي الحجة 1364هـ/ نوفمبر 1945م، اختاروا د. السباعي مراقباً عاماً لإخوان سورية.

حمل على عاتقه الدعوة للجهاد ضد المحتل الفرنسي، كما يعود له الفضل في إعادة السلام إلى حماة والمدن السورية عام 1384هـ/ 1964م، عندما اعتصم الشهيد مروان حديد في جامع السلطان، ولولا ذلك لحصلت مذبحة كبيرة للمدينة، كما تصدى لموجات الإلحاد التي فشت في الجيل الصاعد، وظل طيلة حياته مدافعاً عن الحق، والقرآن الكريم والسُّنة المطهرة.

من مؤلفاته: «نظرات في كتاب اشتراكية الإسلام»، «ردود على أباطيل»، «رحمة الإسلام للنساء»، «لزوم اتباع مذاهب الأئمة حسماً للفوضى الدينية».. وغيرها.

قال عنه الشيخ سعيد حوى: «كان دائم التلاوة لكتاب الله، مداوماً على الذكر اليومي، وكان غزير العبرة كثير البكاء، لم أرَ بين علماء المسلمين ممّن رأيت وقابلت من ينطبق عليه قوله تعالى: (إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً) (مريم: 58) إلا شيخنا الحامد، وشيخنا عبدالفتاح أبوغدة».

وقد انتقل إلى رحمة الله يوم الإثنين 18 صفر 1389هـ/ 5 مايو 1969م بمدينة حماة بعد مرض عضال، وخرجت المدينة على بكرة أبيها تودع عالمها الجليل(2).

عبده محمد المخلافي.. شهيد القرآن 

ولد عبده محمد علي نعمان المخلافي في قرية السدري في بلاد المخلاف بمحافظة تعز اليمنية، عام 1356هـ/ 1937م، ونشأ في أسرة فقيرة، فعمل في رعي الأغنام، ثم درس القرآن الكريم في كُتَّاب قريتهم، ثم سافر إلى السعودية، وظل متنقلاً بين مدينتي مكة المكرمة وجدة مشتغلاً ببعض أعمال البناء، ثم رحل للقاهرة، حيث التحق بالأزهر وواصل تعليمه حتى كاد أن يتم المرحلة الثانوية لولا أنه ألقي القبض عليه بسبب التحاقه بجماعة الإخوان المسلمين.

عاد إلى اليمن بعد قيام الثورة، فألحقه أ. قاسم غالب أحمد، وزير التربية والتعليم آنذاك، بالعمل في المركز الإسلامي بمدينة تعز، ثم مدرساً في إحدى مدارس تعز؛ ثم مديراً عاماً للتربية والتعليم في تعز عام 1386هـ/ 1966م.

وفي عام 1388هـ/ 1968م عيّن عضواً في المجلس الوطني، واختير في لجنة صياغة الدستور.

أقام في القاهرة علاقة قوية بالعلماء والمصلحين أمثال المشايخ محمد الغزالي، ومحمد أبو زهرة، وسيد سابق، وأحمد حسن الشرباصي، وعبداللطيف دراز، والشهيد محمد محمود الزبيري.. وغيرهم.

كان المخلافي شعلة من نشاط، حتى إنه لم يكن يجد الوقت لإتمام مهامه سواء الدعوية أو الوطنية.

تأثر المخلافي بالشيخ حسن البنا؛ مما دفعه للالتحاق بصفوف جماعة الإخوان المسلمين في الوقت الذي كان فيه أفراد الجماعة كلهم في السجون والمعتقلات، وقد كان للشهيد محمد الزبيري أثر بالغ في استقطاب المخلافي إلى جماعة الإخوان، ونقل المخلافي الدعوة إلى اليمن ونشرها.

وفي عام 1965م التقى بسيد قطب في القاهرة مراراً؛ مما أعطاه دفعة للانتشار وسط الطلبة اليمنيين وغيرهم لتعريفهم بطريق الدعوة الحقيقية؛ مما عرضه للاعتقال لمدة شهر بسجن القلعة بمصر ثم طُرد منها.

بعد عودته تعاون مع الشيخ عبدالمجيد الزنداني وغيره في وضع مناهج إسلامية لمدارس اليمن؛ فتكالبت عليهم القوى العلمانية، واعتقل عام 1966م في صنعاء، وظل في زنزانة انفرادية لمدة 3 شهور، حتى جاء يوم الأحد في مايو 1389هـ/ 1969م كان المخلافي عائداً من صنعاء إلى تعز مع بعض أهله وأصدقائه، فتعرضت سيارته لحادث لا يزال مجهولاً إلى اليوم في مكان متوسط بين مدينتي ذمار ومعبر، فتوفي على إثره، وخرجت الجموع الكبيرة لتشييعه(3).

الهوامش

(1) عبدالودود شلبي: إخوان ويكي،

(2) عبدالله العقيل: من أعلام الدعوة والحركة الإسلامية المعاصرة، دار البشير، طنطا مصر، الطبعة الثامنة، 2008م، ص 823-834.

(3) عبده محمد المخلافي: موقع ويكيبيديا الإخوان المسلمين،

Exit mobile version