خطة اقتصادية من أجل إنقاذ لبنان.. ما مدى فاعليتها؟ وما الحلول؟

يعاني الاقتصاد اللبناني من أزمة اقتصادية ومصرفية خانقة نتيجة تراكم الديون واتباع سياسة نقدية ومالية خاطئة قادت البلاد إلى مزيد من الديون التي تخطت الـ90 مليار دولار وإغراق المصرف المركزي والمصارف المحلية في تلك الديون.

مما دفع الحكومة إلى طرح خطة إنقاذ تضمنت إعادة هيكلة المصرف المركزي والبنوك التجارية لتشمل “مساهمة استثنائية عابرة من كبار المودعين” وتحدد الخطوط العريضة لصندوق خاص لتعويض خسائر المودعين الناجمة عن إعادة الهيكلة.

كما تستهدف الخطة الحصول على تمويلات خارجية تتراوح بين 10 إلى 15 مليار دولار على مدار السنوات الخمس المقبلة لمساعدة لبنان على اجتياز أزمته المالية، إضافة إلى مساهمة استثنائية من كبار المودعين في المصارف.

وتوقعت الخطة تراجع سعر الصرف إلى 2607 ليرات للدولار في عام 2021، وإلى 2979 في 2024. وسعر الربط الرسمي للدولار محدد عند 1507.5 ليرة منذ 1997.

كما تستهدف الخطة تقليص الدين العام إلى 90% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2027 مقارنة مع أكثر من 170% في نهاية عام 2019، وتفترض الخطة أن يستفيد لبنان بشكل فوري من دعم مالي خارجي وأن يطبق الإصلاحات بنجاح.

ورصدت الخطة خسائر في الاقتصاد بقيمة 83.2 مليار دولار، بسبب انخفاض قيمة الأصول التي يحوزها المصرف المركزي وانخفاض قيمة محفظة القروض المصرفية وإعادة هيكلة الدين الحكومي.

وتشير أيضاً إلى أن إعادة الهيكلة على مراحل لميزانيات البنوك التجارية العمومية ستتضمن عملية إنقاذ كاملة من المساهمين الحاليين تتمثل في شطب رؤوس أموال بقيمة 20.8 مليار دولار، في حين يجري تغطية الباقي البالغ 62.4 مليار دولار من خلال “مساهمة استثنائية عابرة من كبار المودعين”.

مدى فاعلية الخطة

إلا أن الخطة جاءت معتمدة بالأساس على التمويلات والقروض وليس على إصلاحات جذرية من خلال تقليص النفقات وترشيد الاستهلاك.

ويرى المحلل الاقتصادي في المعهد اللبناني لدراسات السوق، مجدي عارف، في حديثه لـ”المجتمع”، أن الخطة الحكومية تهدف بالأساس إلى حل المشكلات المالية الحالية من خلال إيجاد مصادر للتمويل دون العمل على إعداد خطة اقتصادية تعمل على حل المشكلة من جذورها بشكل موسع.

وتتبنى الخطة إنفاق الحكومة على قطاع الكهرباء والماء وعمل السدود وقطاع الاتصالات والإنترنت وغيرها من القطاعات التي تحتكرها الحكومة مليقة على نفسها مزيد من الأعباء فعلى سبيل المثال تسبب قطاع الكهرباء في ما يقارب نصف الدين العام اللبناني.   

وأكد عارف أن الخطة تتناول فقط زيادة النفقات وفرض مزيد من الضرائب في وقت تعاني فيه البلاد من عدم القدرة على تلبية احتياجاتها من أموال، فعلى سبيل المثال الحكومة تصر على الإنفاق لعمل شبكة “الفايبر أوبتيك” الخاصة بقطاع الإنترنت بدلاً من أن تقوم بخصخصة تلك القطاعات وطرحها للمنافسة مما سيساهم في تحسن الخدمات والتكلفة على المواطن بالإضافة إلى أن الحكومة ستتخلص من عبا النفقات المتعلقة بتلك القطاعات.

وأضاف عارف أن زيادة الضرائب لا يمكن أن يتم الآن في ظل ما يعيشه لبنان من ركود اقتصادي حتى لا تتراجع إيرادات الدولة؛ نظراً لأن الشركات والمحلات الآن تسير نحو الإغلاق، كما يتم تسريح العديد من الموظفين؛ مما يعني مزيداً من الركود، وبالتالي يجب تخفيف الضرائب.

تمويل الخطة

وانتقدت بنوك لبنان خطة الإنقاذ التي تضمنت بعض الشروط التي تمهد لبدء محادثات مع صندوق النقد الدولي، واصفة إياها بأنها تقوض الثقة في البلاد، وتعد البنوك أحد أهم عوامل التمويل بالخطة المطروحة.

كما برزت أهمية تمويل صندوق النقد بالخطة في حديث رئيس لبنان ميشال عون حين قال: إنّ التفاوض مع صندوق النقد الدولي ضروري لتعزيز فرص الخروج من نفق الأزمة، وربما سيكون علينا أن نتقبّل بعض الشروط القاسية التي قد يطرحها الصندوق مقابل مساهمته المالية، ليس لأنّ تلك الشروط يطرحها هو، بل لأنها تخدم مصلحة الدولة اللبنانية وتدفعنا في اتجاه اتخاذ قرارات مؤجلة.

وتوقع عارف أن صندوق النقد لن يوافق على إقراض الحكومة وبالتالي في حال لم يوافق الصندوق سيكون على مصرف لبنان تغطية فروقات العجز بالموازنة؛ مما يعني أن المصرف سيقرض الدولة من جديد في وقت يعاني فيه من تراجع حاد في الاحتياطي الأجنبي، فمؤخراً قال حاكم مصرف لبنان: إن كل ما لدى المصرف من احتياطي هو 20.5 مليار دولار، مضيفاً أن هذا الاحتياطي ليس ملكاً للمصرف وحده، بل هو جزء كبير منه هو “الاحتياطي الإلزامي” للمصارف؛ وبالتالي يعد ما يملكه المصرف فعلياً قليلاً جداً، ولا يمكن أن يساهم في حل المشكلة مما سيدفع المصرف لطبع أموال بالليرة اللبنانية مما سيؤدي إلى مزيد من الانهيار للعملة المحلية.

ركود اقتصادي

وتوقّع صندوق النقد أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي للبلاد 12% عام 2020 ويترافق مع تضخم مرتفع سيبلغ 17%، بعد ركود سجل أيضاً عام 2019، 6.5% مع تضخّم بلغ 2.9%.

ويرى الصندوق أن لبنان يمرّ بأزمة مالية كاسحة، فعملته تراجعت حوالي 50% في السوق الموازية والبطالة تقفز والبنوك تفرض قيوداً صارمة على حركة رؤوس الأموال لصيانة الدولارات الشحيحة، وقدّر الصندوق العجز المالي للحكومة عند حدود 15.3% عام 2020، من 10.7% عام 2019.

وقال الخبير الاقتصادي الأمريكي ستيف هانكي، في تغريدة عبر حسابه الرسمي عبر “تويتر”: إن مستوى التضخم السنوي في لبنان بلغ 184%.

من جانبه، يرى عارف أن لبنان يمر بالعديد من الأزمات الاقتصادية منها أزمة المصارف وعجز ميزان الدولة، بالإضافة إلى فيروس كورونا، وبالتالي من المتوقع أن يسوء الوضع أكثر في لبنان خلال الأشهر القادمة، حيث بلغ عدد المحلات والمقاهي التي أغلقت أبوابها نحو 790 بين سبتمبر 2019 وفبراير 2020، كما تم تسريح نحو 25 ألف موظف من المطاعم والفنادق فقط، بالإضافة إلى أكثر من 120 مؤسسة أغلقت أبوابها.

وأشار عارف إلى أن كل تلك المعطيات قادت المواطن إلى خسارة مدخراته ووظيفته، كما أنه لم يعد متاحاً أمامه مصدر دخل جديد، مضيفاً أن لبنان بلد يعتمد بالأساس على تحويلات الخارج كمصدر للدخل الأجنبي وفي ظل أزمة كورونا، فإن تلك التحولات تراجعت بشكل كبير نتيجة توقف الاقتصاد العالمي، كما تراجعت السياحة الذي يعد ضمن عوامل الدخل الأجنبي أيضاً، ومن المتوقع أن يتعافى هذا القطاع على المستوى العالمي على المدى البعيد وليس القريب.

الحلول الواجبة

أجمع الاقتصاديون على أن الحل يكمن في تعاون الطبقة السياسية، وأن تكون هناك منهجية جديدة في إدارة الدولة بعيداً عن منطق الصفقات والمحسوبيات والتسويات القائمة منذ عقود.

وقال جيري رايس، المتحدث باسم صندوق النقد الدولي: إن لبنان يحتاج إلى إجراء سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية، لزيادة الثقة واحتواء التضخم، في الوقت الذي يتحرك فيه لدعم اقتصاده.

فيما طالب عارف الحكومة بضرورة إعادة النظر في الأمور الأساسية لكي تتمكن من توفيرها بشكل جيد، فعلى سبيل المثال قطاع الكهرباء لديه اليوم فرصة لتحجيم خسائرها نتيجة تراجع أسعار النفط حيث أصبحت لبنان تبيع الكهرباء اليوم دون خسارة، كما يجب أن تدرك الدولة أنها يجب ألا تؤدي أي دور في القطاعات الخدمية، بل تفتح المنافسة للقطاع الخاص دون أي احتكار، وأن تسعى إلى عدم تسييس المشروعات الاقتصادية حتى تكون تلك المشروعات في خدمة الشعب وليس فئة بعينها.

Exit mobile version