الهند.. بين فيروس التطرف و”كوفيد 19″

دعت اللجنة الأمريكية للحريات الدينية الدولية (USCIRF)، يوم 29 أبريل الماضي، وزارة الخارجية الأمريكية إلى إدراج الهند على اللائحة السوداء، بسبب “سجلها السيئ” في مجال الحريات الدينية جاء ذلك في تقرير للجنة حول الحريات الدينية لعام 2020 وأشارت اللجنة إلى قانون المواطنة الجديد في الهند، الذي وصم بـ”العنصري”، وأثار مخاوف المسلمين.

هذه المخاوف التي شاركناها مع قرائنا -قبل عدة أعوام بعد التحليل والتتبع لسياسة تلك الزمرة المتطرفة التي تحكم الهند- قد تحققت على الأرض كأمر واقع، وقد أشرنا إلى خطة الزعماء الهندوس إلى “تغيير القوانين في الدستور الهندي” كما كان الأمر جلياً لـ”المتتبع لتصريحات زعمائهم في مواسم ومناسبات عدة بأن لديهم نية لتعديل كثير من البنود القانونية التي تمنح المسلمين بعض الحقوق والمميزات في الدستور الهندي خاصة تلك التي تنص على حقوق التعليم وإنشاء المؤسسات التعليمية الخاصة المادة رقم (30) وحرية اعتناق الأديان (المادة من (25) إلى (28) من الدستور) والمادة رقم (370) التي تمنح ولاية كشمير التابعة لسيطرة الهند”.

اتهام المسلمين بنشر الفيروس

وفي حين أن العالم صب كل اهتمامه على التخلص من فيروس “كورونا” وطرق العلاج وإنقاذ حياة البشر بشتى الوسائل الاحترازية، فإن الفئة المتطرفة الهندوسية بمختلف مسمياتها تستمر في تطبيق خططهم الإرهابية التي بدؤوها قبل زمن “كوفيد19″، وذلك بالتعاون مع الجهات الرسمية والوزارة الداخلية إذ أصبغوا على المرض لون الطائفية والتعصب الديني، وكان آخره إلقاء اللوم على “جماعة التبليغ” بالتسبب في انتشار الفيروس واعتقال زعيمهم، متهماً إياه بالقتل غير العمد، رغم أن التجمع في مركز التبليغ بنيودلهي كان قبل إعلان الحكومة فرض الحجر الصحي ومنع السفر مما اضطر المركز بتوفير مأوى لعدد من أتباعهم بعد إعلام الجهات الرسمية بذلك، وقد انتقد الناشطون والمعارضون للسلطات الهندية وحذروا من إثارة التوتر الطائفي إثر إلقاء اللوم على “جماعة التبليغ” في انتشار الفيروس.

وفي هذا السياق، اعتبر سفير الحريات الدينية بوزارة الخارجية الأمريكية سام براونباك، أنه من “الخطأ” إلقاء اللوم على الأقليات الدينية لانتشار الفيروس، مضيفاً بأن الحكومات حول العالم يجب أن تصد بقوة “لعبة اللوم” لمصدر فيروس كورونا.

ولا ننسى الهجمات الإرهابية التي نفذت في الشمال الشرقي لمدينة دلهي في فبراير الماضي من هذا العام بزعامة المتطرف كبيل ميشرا، العضو البارز في حزب الحاكم “بهاراتيا جاناتا”، وذلك بعد أن أطلقت حكومة مودي العنان للمتطرفين وسمحت لهم ليأخذوا القانون بأيديهم والاعتداء على المسلمين وممتلكاتهم.

وفي 23 فبراير، تحدث كابيل ميشرا علنًا في مظاهرة ضد المسلمين المسالمين المناهضين لتعديل قانون المواطنة، بحضور ضباط الشرطة ذوي المراتب العالية، حاول ميشرا تخويف المتظاهرين وتهديدهم في “جعفرآباد” و”تشاند باغ”، وكذلك نشر فيديو على “تويتر” يكرر فيها تهديده، في غضون ساعات قليلة من نشر الفيديو هاجم أتباعه والمتطرفون الهندوس -الذين جيء بهم من ولايات متجاورة- على المسلمين وبيوتهم ممتلكاتهم ومساجدهم وتساندهم أفراد من الشرطة، واستشهد من المسلمين على إثرها قرابة 50 أشخاص وسقط أكثر من 200 جريح.

وقبل تفشي وباء “كورونا” كانت الهند تشهد احتجاجات ومظاهرات عارمة في جميع أنحاء البلاد ضد إقرار تعديل قانون المواطنة (CAA) من قِبل البرلمان بالإضافة إلى تطبيق السجل الوطني للمواطنين (NRC)، والسجل الوطني للسكان (NPR). ينص هذا القانون على منح الجنسية لمواطنين مضطهدين ينتمون لستّ أقليات دينية، الإسلام ليس من ضمنها، وكان وزير الداخلية الهندي “أميت شاه” -الذي يوصف بأنه أحد القياديين المتشددين في الحزب الحاكم- يتوعد من حين لآخر بأنه سيرحل “المهاجرين غير الشرعيين” (يقصد المسلمين) من البلاد عبر برنامج حكومي مدروس. وارتفعت أصوات الدعم للمسلمين من بعض الأحزاب المعارضة التي تري بأن القانون وملحقاته جزء من برنامج رئيس الوزراء القومي الهندوسي مودي لإعادة تشكيل الهند كأمة هندوسية.

وقد بدا للعيان واضحاً بأن حكومة مودي لا تريد أن تتراجع عن المضي قدماً في تعديل القوانين وبنود الدستور بعد أن حاز حزبه أغلبية في البرلمان، ويعتقد الناشطون والمحللون المحايدون بأن الانتخابات العامة الأخيرة لم تكن نزيهة وثمة محاولة للتلاعب بالقرار لصالح حزب “بهاراتيا جاناتا” عن طريق آلات التصويت الإلكترونية ولم تجرأ الحكومة على التحقيق في هذا الموضوع حتى اليوم.

اعتقال الطلبة والمفكرين

وتستغل الحكومة الظروف التي يواجه فيها العالم جائحة “كورونا” لتنفيذ أجندته القومية وإسكات كافة الأصوات المحتجة واعتقال الناشطين، وبدلاً من التوجيه التهم واعتقال “العقل المدبر” للقتل والاضطهاد تطول أيادي الحكومة إلى الطلاب والطالبات وأساتذة الجامعات وشخصيات مسلمة بارزة، وفي الشهر الماضي تم اعتقال الطالبة ميران حيدر، الطالب شرجيل إمام، الطالبة سفورة سرجار (وهي طالبة كشميرية ملتحقة بجامعة ميلي الاسلامية للدراسات العليا وحامل في شهرها الرابع!)  بتهمة الدعوة إلى المظاهرات والاحتجاجات.

 ومن المعتقلين البارزين د. ظفر الإسلام خان، المفكر الإسلامي والصحفي المعروف، الذي اعتقل في بداية الشهر الحالي بتهمة “التحريض” وإبداء الآراء “الاستفزازية” على وسائل التواصل الاجتماعي و”إحداث الصدع في المجتمع”.

وظفر الإسلام الذي يشغل منصب رئيس مفوضية الأقليات بحكومة دلهي شخصية معروفة في العالم العربي والإسلامي. وفيما يلي نص رسالته التي نشرها بتاريخ 28/ 04/ 2020 عبر “تويتر” “وفيسبوك” حيث يشكر فيها دولة الكويت ويشيد بالدول الإسلامية والعربية لوقوفها مع مسلمي الهند لتكون تلك التغريدة سبباً في اعتقاله!

“شكراً لك يا كويت لوقوفك مع مسلمي الهند! لقد ظن غلاة الهندوس أن العالم العربي والإسلامي لن يهتم باضطهاد المسلمين بسبب علاقاته الاقتصادية الضخمة مع الهند، لقد نسى المتطرفون أن مسلمي الهند يتمتعون بسمعة طيبة وشعبية هائلة في العالم العربي والإسلامي بسبب خدماتهم للقضايا الإسلامية عبر القرون ودورهم القيادي في العلوم الإسلامية والعربية وإسهاماتهم الثقافية والحضارية الضخمة للتراث العالمي، إن الشخصيات مثل ولي الله الدهلوي، ومحمد إقبال، وأبو الحسن علي الندوي، ووحيد الدين خان، وذاكر نائيك.. تتمتع بشعبية في الشارع العربي والإسلامي، أيها الغلاة: لقد آثر مسلمو الهند حتى الآن ألا يشتكوا إلى العالم العربي والإسلامي ضد حملات الكراهية والقتل على الشوارع، وحين يضطرون إلى الشكوى فستواجهون إعصاراً قوياً يا غلاة”.

{source}
<blockquote class=”twitter-tweet”><p lang=”en” dir=”ltr”>Thank you <a href=”https://twitter.com/hashtag/Kuwait?src=hash&amp;ref_src=twsrc%5Etfw”>#Kuwait</a> for standing with <a href=”https://twitter.com/hashtag/IndianMuslims?src=hash&amp;ref_src=twsrc%5Etfw”>#IndianMuslims</a>! <a href=”https://twitter.com/hashtag/Islamophobia?src=hash&amp;ref_src=twsrc%5Etfw”>#Islamophobia</a> <a href=”https://twitter.com/hashtag/Islamophobia_In_India?src=hash&amp;ref_src=twsrc%5Etfw”>#Islamophobia_In_India</a> <a href=”https://twitter.com/kuna_en?ref_src=twsrc%5Etfw”>@kuna_en</a> <a href=”https://twitter.com/kuwaittimesnews?ref_src=twsrc%5Etfw”>@kuwaittimesnews</a> <a href=”https://twitter.com/OIC_OCI?ref_src=twsrc%5Etfw”>@OIC_OCI</a> <a href=”https://twitter.com/Abdulmane?ref_src=twsrc%5Etfw”>@Abdulmane</a><a href=”https://twitter.com/ZahraniAbidi?ref_src=twsrc%5Etfw”>@ZahraniAbidi</a> <a href=”https://twitter.com/LadyVelvet_HFQ?ref_src=twsrc%5Etfw”>@LadyVelvet_HFQ</a> <a href=”https://twitter.com/DrAlshoreka?ref_src=twsrc%5Etfw”>@DrAlshoreka</a> <a href=”https://twitter.com/AHMAD_ALWAHIDAH?ref_src=twsrc%5Etfw”>@AHMAD_ALWAHIDAH</a> <a href=”https://twitter.com/majedalenzi?ref_src=twsrc%5Etfw”>@majedalenzi</a> <a href=”https://twitter.com/JamalBahrain?ref_src=twsrc%5Etfw”>@JamalBahrain</a><a href=”https://twitter.com/arabtimeskuwait?ref_src=twsrc%5Etfw”>@arabtimeskuwait</a> <a href=”https://twitter.com/gulf_news?ref_src=twsrc%5Etfw”>@gulf_news</a> <a href=”https://twitter.com/arabnews?ref_src=twsrc%5Etfw”>@arabnews</a> <a href=”https://t.co/MdOOBviNdU”>pic.twitter.com/MdOOBviNdU</a></p>&mdash; Zafarul-Islam Khan (@khan_zafarul) <a href=”https://twitter.com/khan_zafarul/status/1255105032732553218?ref_src=twsrc%5Etfw”>April 28, 2020</a></blockquote> <script async src=”https://platform.twitter.com/widgets.js” charset=”utf-8″></script>
{/source}

قوانين نازية

التلاعب في الانتخابات، واستغلال النزعة الطائفية للوصول إلى الحكم، تعيين القوى المتطرفة في المناصب الحساسة، الإرهاب والتهديد والقتل، استخدام الأحزاب الهندوسية المختلفة لتنفيذ خطط الحكومة، تغيير القوانين وتعديل بنود الدستور الهندي لصالح القومية الهندوسية تلك هي المهمات الرسمية التي تقوم بها حكومة مودي في الوقت الراهن. ومودي الذي اختير لفترتين متتاليتين للحكم استطاع أن يحقق بعضا من برامجه الطائفية والتحزبية أهمها:

1- إلغاء المادة رقم (370) والفقرة (35) من الدستور، التي كانت تمنح ولاية جامو وكشمير وضعًا إداريًا وسياسيًا خاصًا وذلك بعد السيطرة على الولاية وضمها إلى الهند بشكل رسمي. وإلغاء تلك المادة تعني محو كافة الامتيازات التي تتمتع بها تلك الولاية والتي اعتُمِدت وأُقرّت في الدستور الهندي عام 1956، وكانت المادة (370) تمنح جامو وكشمير استقلالية في كل شؤون الإدارة، عدا الشؤون الخارجية والدفاع والاتصالات. أما الفقرة 35 كانت تسمح للسلطة التشريعية في كشمير بتحديد “المقيمين الدائمين” في الولاية وميّزاتهم، وتعطيهم بعض الامتيازات في الوظائف والتعليم، وحق التملك، وشراء العقارات في الولاية.

وشهد العالم بما آلت إليه الأوضاع في كشمير بعد إلغاء المادة (370) وتقليص الحريات حيث تم تحويل الولاية إلى سجن كبير تمنع فيها الحركات والتجوال بعد قطع كل قنوات الاتصال من الهواتف وخدمات الإنترنت، وتم نزع أسلحة الشرطة الكشميرية ونشر القوات المركزية في أنحاء الولاية. وفصلت المناطق عن بعضها بالحواجز والأسلاك وتم اعتقال كبار السياسيين والنواب الموالين للهند وتركهم في الإقامة الجبرية تحسباً من أي اعتراض على قرار الحكومة.

تقول كبيرة وزراء الولاية السابقة السيدة محبوبة مفتي: “الحكومة الهندية تريد تغيير ديمغرافية كشمير وتحويل المسلمين إلى مواطنين من الدرجة الثانية”، كما علق كبير وزراء الأسبق عمر عبد الله: “إنها خيانة للأمانة وهذا القرار له تبعات خطيرة، إنه عدوان على شعب الولاية، علماً بأن هؤلاء الزعماء هم منحازون للهند ووقفوا معها ضد الحركات الانفصالية في كشمير.

2- المسجد البابري التاريخي الذي هدمه الهندوس المتطرفون قبل 27 عاماً، فقد جاء قرار المحكمة العليا بالهند في نوفمبر الماضي ليبدد آمال المسلمين، ويمنح الهندوس أرض المسجد البابري لبناء معبدهم، وكان حزب “بهاراتيا جاناتا” الذي ينتمي إليه مودي يؤكد التزامه ببناء معبد مكان المسجد حيث أدرج هذا الوعد من أوليات وعوده الانتخابية، وكان زعماؤهم ورؤساؤهم يعبرون عن تأييدهم لمطالب المتطرفين الهندوس ببناء معبد لهم فوق أنقاض المسجد الذي هدموه.

نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” تحليل الباحث السياسي هارتوش سينغ بال، الذي أكد فيه أن حكم المحكمة العليا الصادر لصالح الهندوس هو بمثابة مكافأة لجريمة هدم مسجد المسلمين، لافتاً إلى أن الحكم قدم صورة واضحة عن تاريخ الخداع والإجرام في هذه القضية، وقد تقاعست الحكومات الهندية المتعاقبة عن تنفيذ وعودها للمسلمين بإعادة بناء المسجد، وكان التواطؤ الرسمي من قبل الحكومة والقضاء مع المتطرفين الهندوس مكشوفًا ولا يخفى على أحد. وبهذا الحكم النهائي يتم إسدال الستار على الفصل الأخير من المؤامرة على المسجد من قبل الحكومة والمحكة.

3- تعديل قانون المواطنة الذي يمس كرامة المسلم (ويشبهه البعض بالقوانين العنصرية لألمانيا النازية ضد اليهود) حيث استشعر مسلمو الهند الخطر الداهم من وراء هذا القانون، وتبين أن هدفه هو تحويل ملايين منهم إلى “البدون” في موطنهم، وتم طبخ القانون بصبغة إنسانية ولكنه مدسوس بالسم القاتل، ووفقاً للقانون الجديد سوف يتم إجراء إحصاء لتجديد “سجل الجنسية القومي” وتدقيق أوراق كل سكان الهند.

ويجدر بالإشارة إلى أن الأوراق المطلوبة هي ليست الهويات ولا جوازات السفر ولا الوثائق الثبوتية للمواطن، ولكن المطلوب هو إثبات جزور عائلة المسلم وإبراز الوثائق الخاصة بأجدادك، والخطة هي أن أي هندوسي يُحرم من جنسيته بسبب فشله في تقديم الوثائق المطلوبة سيُعطى الجنسية من الباب الخلفي وفقاً للقانون الجديد، أما المسلمون فسيحرمون من هذا، وبعد إجراء المسح الميداني يتم إعلان المسلمين الذين لم يتمكنوا من إثبات جزورهم على أنهم “دخلاء” وسيحرمون من التسهيلات الحكومية، مثل إدخال أولادهم إلى المدارس الحكومية والاستفادة من خدمات المستوصفات والمستشفيات الحكومية، والالتحاق بالوظائف الحكومية أو الحصول على القروض من البنوك، أو الحصول على أوراق رسمية مثل جوازات السفر ورخصة القيادة وبطاقات الأغذية المدعومة والمعاشات.. إلخ.

ومن الوعود الانتخابية أيضا للحزب الحاكم هو تطبيق القانون المدني الموحد للهند. والترتيبات جارية على قدم وساق لفسخ الأحوال الشخصية للمسلمين وتجريم مزاولة القوانين المرتبطة بقضايا الزواج والخلافة والميراث والجمعيات الخيرية. وبدأت أبواق الإعلام الرسمي والقنوات الممولة من الحزب الحاكم فرض الأطر اللازمة لوعي الإعلام لتمجيد القانون المدني الموحد للهند.

على الدول العربية والإسلامية أن تعرف بأن الهند تغيرت ولم تبقى هي الهند المشهورة بعلمنتها وديمقراطيتها. بدأت تلك الدولة العريقة تخلع لباسها العلماني لتلبس ثوبا جديدا “زعفران” لونها تسر الناظرين.. وابتعدت بذلك عن مسار مؤسسييها وقيم دستورها.

Exit mobile version