المغرب.. في زمن كورونا البيوت تحولت إلى مساجد برمضان

في زمن الحجر الصحي بسبب فيروس كورونا المستجد، ومع إغلاق المساجد يؤدي المغاربة في بيوتهم الفرائض والسنن والنوافل، فيما تستمر المآذن في رفع الآذان وقت كل صلاة.

وفي رمضان ومع الشوق إلى إقامة صلاة التراويح وما يعلق في الأذهان من ذكريات جميلة لهذه السنة الحميدة، تبادر العديد من الأسر والعائلات إلى تجهيز ركن في البيت، بما يليق بهذا الشهر الكريم، وأقاموا له الزينة وفرشوا السجادات، ووفروا أماكن وضع المصاحف للتلاوة أثناء الصلاة.

مسجد من نوع خاص

 ما أن يقترب موعد صلاة العشاء في كل يوم من أيام رمضان حتى تتحول الغرفة الرئيسة لمنزل الشاب المغربي محمد السباعي الحافظ للقرآن الكريم إلى “مسجد”، فتفرش السجادات الجميلة، وتضاء فيه المصابيح، ويعطر بالعطور الزكية.

في جو إيماني يستعد كل فرد من أفراد الأسرة لقضاء ليلة رمضانية مميزة تحيل على أجواء المساجد في هذا الشهر الكريم، وتعوض ما قد يشعر به كل مؤمن من حرمان من الخطو نحو بيوت الله.

ينحدر محمد من أسرة تعتني بالقرآن الكريم، لها ثلاثة أبناء يحفظون كتاب الله، فهو قارئ جيد، كما أخوه لقمان، فيما عدنان سبق أن فاز بمسابقات في ترتيل القرآن الكريم.

يقول السباعي المنحدر من أيت بوعياش بالحسيمة المغربية لـ”المجتمع”: للعبادة متعة وراحة نفسية، وفي رمضان لها نكهة خاصة، نتقصاها بتوفير كل الأجواء الإيمانية المصاحبة.

نقل مباشر

يحرص محمد السباعي على نقل صلاة التراويح صوتاً بدون صورة على صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي، منبهاً إلى عدم الاقتداء بالإمام.

بصوت شجي تخرج الآيات القرآنية شفافة ناصعة من القلب لتصل إلى الأسماع فتحدث فيها أثراً جميلاً.

يتسمر البث حوالي ساعة كاملة ويتابعه عبر المباشر العشرات تزداد أعدادهم بوفرة خلال إعادة المشاهدة في وقت لاحق من الليلة أو اليوم الموالي.

يشرح السباعي: إن الهدف من ذلك إظهار لشعائر الله، وتلبية لطلب الأصدقاء والمحبين، ليس رياء حاشا لله، وإنما إعطاء المثال لمن يريد أن يقتدي بالتجربة، كما أن البعض يستطيع على الأقل من متابعيه ومحبيه أن يسمع القرآن الكريم في جو رمضاني، وهو نوع من التواصل الاجتماعي الافتراضي في زمن التباعد الاجتماعي الواقع.

فوائد

الشاب السباعي الذي كان يؤم الناس في صلاة التراويح خلال سنوات ماضية، لا يتوانى في تقديم النصائح تلو الأخرى لمتابعيه.

يقول: مثلاً إن من يصلي بالمصحف ينصح أن يستمع للآيات التي سيصلي بها مساء خلال نهار يومه، وإن كان مثلاً يصلي برواية ورش فليستمع لها بنفس الرواية لقارئ مغربي متقن، حتى إذا صلى مساء تجنب الأخطاء التي يمكن أن يقع فيها.

إلى جانب ذلك، يقوم السباعي خلال أوقات متفرقة من اليوم عبر التقنية ذاتها بقراءة كتاب في السيرة النبوية التي حول موعدها إلى الليل بطلب من محبيه، وهو ما يضفي على يومه أجواء إيمانية ويخفف من أعباء الحجر الصحي النفسية، حسب تعبيره.

قدوة حسنة

إلى جانب السباعي وأمثاله، تجند دعاة وأئمة في رمضان إلى التواصل مع الناس يحببون إليهم الشعائر وينصحونهم، أو ينقلون بين الفينة والأخرى مقاطع من صلاة التراويح يستمتع بها كل من هوى قلبه سماع القرآن الكريم.

وتناقل المغاربة هذه الأجواء على مواقع التواصل الاجتماعي، وفضل البعض تركها في طي الكتمان يجتهد فيها حسب استطاعته.

يقول الداعية المغربي الشيخ محمد عليلو لـ”المجتمع”: إن المناسبة عادت بالتراويح إلى أصلها، وهذا ساعد على خلق أجواء إيمانية في البيوت وبين أفراد الأسرة ربما كانت مفقودة في غيرها، مثل صلاة التراويح جماعة وما يصاحبه من تلاوة كتاب الله.

ويضيف: قد وجدت بعض الأسر، ممن يحفظ أولادها سور القرآن الكريم، نفسها في وضع “طبيعي”، فيما اجتهدت أخرى في القراءة من المصحف مباشرة، وهي مناسبة جميلة للارتباط أكثر بكتاب الله تعالى، وتحفيز الأبناء على الصلاة وقراءة القرآن، وتذوق حلاوته وطعم كل عمل تعبدي.

ويشير الداعية المغربي والمربي سي محمد أعليلو الذي يحاضر في رمضان، إلى أن كورونا مفسدة كبيرة ولا شك، لكن ظروف الحجر الصحي قد تساعد الناس على الإقبال على الشعائر الدينية في هذا الشهر الكريم.

ويوضح أن في بلاد المسلمين تم الحرص على بدائل للقاء المباشر، واجتهاد في استعمال شبكات التواصل الاجتماعي، من خلال المحاضرات والتوجيهات التربوية وتعليم قواعد التجويد.

اعتناء

ويؤكد أن الاعتناء بالأسرة خلال رمضان له فوائد كثيرة، فالأمر فيه تحبيب الصلاة للأطفال في جو أسري جميل، وهو الطريق إلى ترسيخ قيمة الصلاة والتعود عليها، وبالتالي السير نحو تمثلها الصحيح.

ويقول الأربعيني المغربي يوسف إيعوط من قرية الفخارة ضواحي مدينة مراكش، في تصريح لـ”المجتمع”: نحرص أن نصلي جماعة صلاة التراويح، هي فرصة للاجتماع الإيماني بالأسرة الصغيرة في جو جميل.

ويضيف: رمضان شهر البركات، وكل من يجتهد في تتبع الخيرات مصيب، سواء أظهر الشعائر أو أخفاها، والله يتولى السرائر.

عادة قديمة

وعرف المغاربة بحبهم للمساجد، وبأداء صلاة التراويح جماعة وراء قراء متقنين يمجدونه ويجلونهم، عادة الصلاة في البيت بين الفينة والأخرى، ليست جديدة، بل كان يحييها الكثير من الآباء والأجداد لما لها من فوائد إيمانية وتربوية.

يتذكر فريد بشاري كيف كان أبوه المتوفى رحمه الله يجمع الأسرة لصلاة التراويح، مبرزاً أنه حين كتب ذلك على صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي، اكتشف أنه ليس حالة فريدة.

يحكي فريد بكثير من الفخر لـ”المجتمع” أن والده كان يمنحه من حين لآخر إمامة الأسرة في صلاة التراويح وهو صغير، بالرغم من أنه كان لا يحفظ غير نزر قليل من السور القصيرة.

ويضيف: دفعني ذلك وعن حب خاطر إلى تعلم المزيد من السور القرآنية والاجتهاد في ذلك.

وعن مخاوف من ترك المساجد من خلال هذه العادة، يقول فريد: لا خوف من ذلك إن شاء الله، فلكل مقام مقال، وما يجب على الأسر أن تفكر فيه حقيقة هو حاجتها إلى تعلم القرآن الكريم للأطفال حتى يشبوا على ذلك، وينفعهم في وقت الأزمات.

ويضيف: إنه يحتفظ لصلاة التراويح في البيت ذكرى جميلة عن رمضان، فقد منحته أن يتعلم سوراً من القرآن الكريم وهو صغير، كما رسخت في ذهنه كيف يمكن أن نعلي من شأن الصغار ونرفع من قيمتهم حين نمنحهم فرصة القيادة في سن مبكرة

Exit mobile version