هل تعيد جائحة كورونا ترتيب الأولويات في العالم العربي والإسلامي؟

أبرز أكاديميون مغاربة أن جائحة كورونا وما تبعها من آثار تفرض على الدول العربية والإسلامية إعادة النظر في سياساتها العامة بشكل شامل، لاسيما ما يتصل بالمجالات الاجتماعية وعلى رأسها الصحة والتعليم والأمن الغذائي والضمان الاجتماعي.

وأشاروا في تصريحات متفرقة لمجلة المجتمع إلى أهمية تعزيز الممارسة الديمقراطية، وتقوية الجانب الاقتصادي، بصفتهما مدخلين لكل إعادة بناء نماذج تنموية جديدة قادرة على التصدي للحاجيات الآنية والمستقبلية، والصمود في وجه الطوارئ والمستجدات غير المحسوبة.

ويلاحظ الأكاديمي المغربي الدكتور سعيد الصديقي إن إعادة النظر تلك لا يعني بالضرورة إعادة ترتيب الأولية، بل المطلوب هو إعطاء هذه المجالات الاجتماعية ما تستحقها من اهتمام وعناية خاصة في الميزانيات العامة للدول.

أمن غدائي

لا يجادل اثنان أن الأمن الغذائي هدف كل دولة تريد العزة لها ولشعبها، ويقول الأكاديمي المغربي الدكتور جامع انوليغ في تصريح لمجلة المجتمع إن هذه الجائحة التي غزت العالم، أثبتت ضرورة تبني استراتيجية جديدة في قضية الغذاء، بالرفع في الإنتاج المحلي في مجال الأمن الغذائي وكذلك تقليص الفجوة الغذائية.

بدوره دعا الباحث المغربي في الدراسات السیاسیة والدولیة الدكتور علي فاضلي في تصريح لمجلة المجتمع إلى توجيه الإنتاج نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي من المواد الأساسية وعلى رأسها القمح، وعدم ربط الإنتاج المحلي بحاجيات السوق الدولي دون تحقيق الاكتفاء الذاتي للسوق الوطني، والتقليل من الواردات غير الضرورية التي تستنزف احتياطيات العملة الصعبة.

أما الأكاديمي المغربي الدكتور محمد المصطفى بن الحاج فأبرز في تصريح لمجلة المجتمع أن الدول التي اعتمدت سياسة فلاحية مميزة لم تتأثر كثيرا، مشيرا إلى أن المغرب مثلا لم يلاحظ أي نقص في المجال الغذائي بفعل ما حققته البلاد من مستويات جيدة من الاكتفاء الذاتي من المنتجات الزراعية في إطار المخطط الأخضر، وهو ما مكن من تأمين ٪ 100 من حاجته من الخضروات والفواكه، والحليب واللحوم، فيما ظل يستورد ٪30 من حاجياته من الحبوب.

أمن دوائي

يسارع العالم إلى إيجاد لقاح فيروس كورونا المستجد، وجربت دول منها المغرب أدوية تصنع محليا، بالرغم من ذلك فإن الدعوات إلى توفير رعاية صحية وأمن دوائي مبني على أسس متينة في الدول العربية والإسلامية مازال مستمرا.

 لذا يؤكد الأستاذ بجامعة ابن زهر جامع انوليغ على أهمية الاهتمام بالتعليم والنهوض به وجعله قطاع للابتكار وإنتاج المعرفة، حيث أظهرت جائحة كورونا أهمية الاستثمار في الرأسمال البشري.

وألح المتحدث ذاته على أهمية توفير الرعاية الصحية بما يستلزم من حضور الدولة وذلك بتوفير المستشفيات والأطباء وصناعة الأدوية، بالإضافة إلي الإنفاق على البحث العلمي في مجال علوم الصحة والأدوية، وأيضا العمل على بناء قواعد إنتاجية قوية محلية لتحقيق الاكتفاء الذاتي في قطاع الأدوية.

أما الباحث فاضلي فيشدد على ضرورة إعادة النظر في المنظومة الصحية الوطنية، بعدما اكتشفنا مع جائحة كورونا أن عدد الأسرة المخصصة للإنعاش في القطاع العام مقارب لعدد الأسرة في القطاع الخاص، وهي نتيجة طبيعية لضعف الاستثمارات المخصصة للقطاع العام وتشجيع القطاع الخاص، فرسالة كورونا المباشرة والتي يجب التقاطها أن عدم الاهتمام بالقطاعات الاجتماعية وعلى رأسها الصحة والتعليم بمبرر استنزافها لميزانية الدولة له نتائج وخيمة على مجمل النشاط الاقتصادي.

من جهته يؤكد الأستاذ الزائر بجامعة ابن زهر محمد المصطفى بن الحاج أن الأمن الدوائي لم يحظ بالأولوية المطلوبة بعد، وان كان المغرب مثلا يعد من البلدان المصدرة للأدوية. وأبرز أنه بالنظر إلى النقص الكبير في عدد أسرة الإنعاش وبعض المعدات الطبية التي تم الاضطرار إلى استيرادها من الصين ودول أخرى للتمكن من مواجهة الوباء، وجب وضع قطاع الصحة ضمن الأولويات لتجنب التبعية للخارج وتحقيق الأمن الدوائي.

تسلح عقلاني

لا يمكن لأي أمة أن تضمن استقرارها بدون غذاء ودواء لكن أيضا قدرتها على حماية أمنها من كل تهديد خارجي. لذا يرى الأكاديمي المغربي الدكتور سعيد الصديقي أن سياسات التسلح ستظل من الأوليات الوطنية نظرا للوضع غير المستقر في العالم العربي، وحالة الشك والتوجس التي تسود العلاقات بين دول المنطقة، وطبيعة التحديات الأمنية الجديدة التي باتت تهدد هذه الدول.

مع ذلك يقول الصديقي أستاذ العلاقات الدولية، جامعة سيدي محمد بن عبد الله- فاس في تصريح لمجلة المجتمع إنه ينبغي ألا يكون هناك اهتمام بمجال على حساب مجال آخر، فالتسلح هو أيضا مسألة حيوية للدول لضمان أمنها ووجودها لكن يجب أن تكون سياسات التسلح معقولة وواقعية تتناسب مع نوعية المخاطر والتهديدات.

فيما يرى الأكاديمي بن الحاج أن السعي لتحقيق التوازنات ومجابهة المخاطر الجيوستراتيجية الإقليمية لن يلحقها تغيير وبالتالي سيبقى المغرب مثلا منخرطا في سباق التسلح خاصة مع الجزائر، وفق ما يتطلبه تحقيق أمنه القومي.، لهذا فتركيز المغرب على التسلح وإنشاء صناعة عسكرية سيظل من أولوياته الأساسية.

ديمقراطية

يعود الأستاذ الصديقي للقول أن المشكلة الجوهرية تكمن في بنية صنع القرار السيادي في الدول العربية، فلو كانت هناك ديمقراطية حقيقية في هذه الدول، فإن ممثلي الشعوب هم الذين سيقررون الأولويات الوطنية لكل مرحلة. وفي غياب الرقابة على الإنفاق العسكري، فقد تحول إلى مجال للفساد والرشوة والصفقات الوهمية والمغشوشة.

أما الباحث فاضلي فيوضح إن إشاعة قيم الديمقراطية والعدل والمساواة وتفعيل سيادة القانون، يجعل الإجراءات المقيدة للحريات العامة لمواجهة فيروس كورونا المستجد أكثر قبولا من المجتمع، مبرزا الدول التي استطاعت تخفيف آثار جائحة كورونا هي الدول ذات الأنظمة الديمقراطية، على عكس الدول الاستبدادية التي فرضت الأمر بالقوة لكن ذلك سيكون له تأثير قوي على سياساتها اقتصادياً وسياسياً.

فيما يختم الأكاديمي جامع أنه يجب على الدول العربية أن تتجاوز العمل القطري وذلك بتفعيل مؤسسات العمل المشترك العربي كصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي وصندوق النقد العربي.

Exit mobile version