تونس.. صلاة التراويح في المنازل ولا زيارات

ما إن انتهى المؤذن من رفع أذان العشاء، حتى استنهض الشيخ عبدالله عاشور أسرته لأداء صلاة العشاء ومن ثمَّ التراويح، وهي المرة الأولى منذ بلغ سن الرشد التي يؤدي فيها عاشور صلاة الجماعة والتراويح في المنزل، حيث غيّرت نازلة “كورونا” نمط الحياة المعتادة بما في ذلك العبادات فيما يتعلق بالجماعة. 

مرحلة استثنائية ظرفية فرضتها ظروف استثنائية غيّرت القاعدة التي تبقى الأصل، كما قال عاشور لـ”المجتمع”، جميع العبادات بما فيها الصوم هي عبادات جماعية، مع الاستثناءات للظروف المختلفة، وهي دلالة على أن العلاقة مع الله ليست فردية فحسب، بل جماعية بالأساس.

فإذا كان البعض قد اختار الصلاة بأهله في المنزل، فإن بعض التونسيين كبر عليهم ترك صلاة الجماعة فاتفقوا على أن يؤدوها جماعة وإن كان بأعداد قليلة لا تزيد على 12 فرداً.

وتعليقاً على هذا الأمر، قال الشيخ كمال القنطاسي، لـ”المجتمع”: بعض الجيران اتفقوا على أداء صلاة الجماعة ولو في غير المساجد المغلقة، مع مراعاة التباعد في الوقوف والاقتصار على عدد قليل لا يزيد على 12 فرداً.

وتابع: يجوز التقيد بما تم الإجماع عليه من ضرورة الوقاية التي توقف أداء الصلوات المفروضة في المساجد فضلاً عن التراويح وهي سُنة.

لم تقف صلاة الجماعة

لم يقف الأذان في المساجد بتونس رغم منع الصلاة جماعة، بل لم تقف صلاة الجماعة بتعريفها الشرعي؛ فأغلب المساجد في تونس يرفع فيها الأذان، وتقام فيها الصلوات وإن كان بأعداد قليلة جداً تشمل المؤذن والإمام وشخصاً ثالثاً أو أكثر، كما لا تكف مكبرات الصوت قبل الأذان عن بث تلاوات وأدعية تطول وتقصر حسب رغبة القائمين على المسجد، وهي تلاوات تنشر السكينة في قلوب السامعين، وتغشاهم الرحمة، رغم أن بعض من في قلوبهم مرض لم يخفوا انزعاجهم من ذلك.

ورغم أن أغلب الأعمال الفنية قديمة ويعاد بثها، فإن القنوات العامة والخاصة تبث أيضاً دروساً لمشايخ يتم اختيارهم وفق مواصفات تلك القنوات، وهم حاضرون قبيل المغرب وما بعده، وتأثيرهم يختلف من شخص إلى آخر.

ولأول مرة في تونس منذ عقود تخلو المقاهي من الرواد، رغم أن بعض التونسيين يفضلون السهر في المقاهي ليتابعوا المسلسلات أو مباريات كرة القدم الدولية.

لكن الآن لا توجد مقاهٍ مفتوحة سواء في أيام رمضان (حيث كان بعضها يفتح خلسة قبل ذلك)، كما اختفت بعض المظاهر الشاذة التي كان يمثلها بعض الملاحدة المطالبين بفتح المطاعم والمقاهي في نهار رمضان.

ومن المظاهر الجديدة في رمضان هذا العام الاكتفاء بالسؤال عن الأقارب بالهاتف؛ حيث قلّت أو انعدمت الزيارات العائلية، وتم الاكتفاء بوسائط الاتصال الحديثة سواء للوقاية أو بسبب الحجر الصحي الشامل الذي يمنع الانتقال من مدينة إلى أخرى.

كما غابت الحلويات التي كان الناس يشترونها من المحلات في رمضان، لا سيما الحلويات التي يُقبل عليها التونسيون مثل “الزلابية” و”المخارق” و”المقروض”، وقد أصبحت المحلات خاوية على عروشها بعد أن كانت تنبض بالحياة في سائر أيام العام ولا سيما في شهر رمضان المبارك.

وقال صاحب محل لبيع المقروض وسام السبري، لـ”المجتمع”: أجبرونا على الإغلاق؛ لأن هناك علاقة بين السكر والجائحة المنتشرة كما أخبرونا، وقد أقنعونا بالإغلاق، لكنهم لم يقدموا لنا بديلاً عن الخسائر التي نتكبدها بسبب ذلك، وأصبحنا حالات اجتماعية تثير الشفقة.

تائب في رمضان

عندما عاد سامح إلى المنزل وهو كبير إخوته قالت له أمه: إن لديها خبراً ساراً تريد أن تزفه إليه، وهو قرار أخيه الأصغر لطفي بالعودة للصلاة في شهر رمضان، وكان يعاقر الخمر قبل ذلك.

وقال سامح، لـ”المجتمع”: لطفي ضيّع زهرة شبابه وما مضى من عمره مع أم الخبائث إلى درجة أنه بقي بدون زواج، ولم يشيّد منزلاً مثل بقية إخوته، ولا يملك سوى ثيابه الرثة التي على ظهره، ولكن لعلها التوبة التي تجبُّ ما قبلها، نسأل الله لنا وله الثبات.

وحالة لطفي ليست جديدة، ففي كل رمضان هناك تائبون بعضهم يستمر على توبته، وبعضهم ينقضها ليلة العيد، وبعضهم لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً طوال العام بما في ذلك زمن “كورونا”، بيد أن العائدين إلى الله في زمن “كورونا” يزدادون، والعائدين إلى الجاهلية والمعاصي قليلون، أو لا يكادون يُذكرون، أو منعدمون في جائحة لا يعرف متى ترحل وما هي خواتمها.

Exit mobile version