خلافات “الحشد الشعبي” في العراق تطفو على السطح وتفضح المستور

منذ مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، ونائب قائد هيئة الحشد العراقي أبو مهندي المهندس، بغارة أمريكية في بغداد، بشهر يناير الماضي، تتناقل الأوساط السياسة والإعلامية العراقية معلومات عن خلافات مستحكمة بين الفصائل المسلحة المكونة للحشد، على خلفية اختيار من يخلف المهندس، ومسائل تنظيمية أخرى.

الهيئة التي تجمع نحو 70 فصيلاً مسلحاً، بقيت متماسكة طوال الفترة الماضية، وتشير التسريبات إلى أن الخلافات بينها بقيت محصورة داخل صف القيادات والزعامات الرئيسية فيها؛ إلا أن تطورات جديدة أدت إلى انفصال أربعة ألوية عن الهيئة، وسعت دائرة الاختلاف، وكشفت ما ستر عن الرأي العام منها.

أصل الخلاف

ويعود سبب الخلاف بين الفصائل المكونة للحشد، والتي يجمعها توجه مذهبي واحد، إلى أنها منقسمة إلى معسكرين؛ الأول يضم الفصائل المسلحة المرتبطة بالنجف وكربلاء حيث المرجعية العليا للشيعة في العراق، والثاني الفصائل التي يطلق عليها في العراق مصطلح “الحشد الولائي”، وهي المرتبطة إدارياً ببغداد، وعقائدياً بمرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي، وتعمل على تنفيذ الأجندة الإيرانية، متغاضية عن المصالح الوطنية العراقية.

الفصائل المرتبطة بالنجف تلتزم بتوصيات المرجعية العراقية، وبمقررات الحكومة، ويعتبر السكان المحليون أنها الأفضل في التعامل، وتصنف الفصائل الموجودة في مدينة سامراء مركز محافظة صلاح الدين شمالي العراق، والفصائل المتمركزة شمال العاصمة بغداد وشرق مدينة الفلوجة، على هذا المعسكر.

الفصائل “الولائية”، متهمة من السكان المحليين في العراق بممارسة عمليات الخطف والإعدامات الميدانية على أسس طائفية، وكذلك القيام بأعمال تخريبية مثل؛ حرق المنازل والاستيلاء على المزارع وممتلكات المواطنين، كما أنها مارست جرائم خطيرة في مدن شمال وغرب البلاد إبان تحريرها من تنظيم الدولة.

انفصال ألوية

رئيس حكومة تصريف الأعمال، المستقيل عادل عبد المهدي، قررت فك ارتباط ألوية “العتبات” التابعة لمرجعية النجف، وربطها بالقائد العام للقوات المسلحة إدارياً.

وتناقلت وسائل إعلام عراقية، أمس الأربعاء، وثيقة صادرة عن عبد المهدي، موجهة إلى رئيس الحشد الشعبي فالح الفياض، قرر بموجبها ربط؛ اللواء الثاني، واللواء الـ11، واللواء الـ26، واللواء الـ44، إدارياً وعملياتياً بالقائد العام للقوات المسلحة على أن تنضم بقية الفصائل بأمر لاحق.

وبحسب الوثيقة، فإن خروج تلك الفصائل وإلحاقها بمكتب القائد العام يعني أنها باتت تتبع قيادة العمليات المشتركة العراقية، وضمن وزارة الدفاع تحديداً.

الصحفي العراقي حسين الكعبي المقرب من الحشد الشعبي، قال: إن “القرار يعتبر من الناحية الفعلية خروجاً للفصائل العراقية من مظلة هيئة الحشد”، مشيراً إلى أن “الألوية الأربعة هي؛ لواء أنصار المرجعية، وفرقة العباس القتالية، وفرقة الإمام علي القتالية، ولواء علي الأكبر”.

وأضاف في حديثه لـ”المجتمع”: أن “قرار رئيس الوزراء جاء لحل الخلافات بين محور الفصائل الولائية وفصائل العتبات، بعد أن تعمقت الخلافات بينها بسبب مسالة اختيار شخص يحل محل أبو مهدي المهندس”.

الكعبي، تحدث عن أن “الخلاف لا يقتصر على من يخلف المهندس فقط، بل هو يشمل مسائل مادية مثل توزيع المخصصات المالية واللوجستية، على المقاتلين والأفراد”.

وأشار إلى أن “قائد فرقة العباس القتالية ميثم الزيدي، اتهم قيادة الحشد الشعبي؛ بالتمييز بين الفصائل المسلحة في ما يتعلق بالمخصصات المالية والأمور اللوجستية الأخرى”.

من جهته اعتبر الخبير العسكري أسعد إسماعيل شهاب أن طرح كتائب حزب الله المقربة من إيران، اسم عبد العزيز المحمداوي المعروف بـ”أبو فدك” لخلافة أبو مهدي المهندس هو الذي أجج الخلافات بين اطرف الحشد، وأخرجها للعلن.

وأضاف، في حديثه لـ”المجتمع”: أن “ترشيح أبو فدك جوبه بمعارضة شديدة من بقية مكونات الحشد، فزادت الانقسامات، وتدخلت إيران لرأب الصدع بينها دون جدوى، حيث أوفدت قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني إلى بغداد لهذا الغرض في 30 مارس الماضي”.

وأوضح الخبير العسكري العراق: أن “توجه الحشد الولائي نحو المواجهة مع الأمريكان على الأراضي العراقية، على خلفية دعم طهران في صراعها مع واشنطن، هو الذي حرك فصائل العتبات لاتخاذ قرار الانفصال عن الحشد، إذ أن غالبية قادة تلك الفصائل أعلنوا أنهم لم يوافقوا على ضرب معسكر التاجي وتهديد قوات التحالف التي أججت الصراع بين الطرفين في المرحلة الماضية”.

يشار إلى أن قرار فصل الألوية الأربع، جاء بعد نحو شهر من اجتماع عقد في 18 مارس الماضي في وزارة الدفاع العراقية، وجمع بين قادة هذه الألوية ووزير الدفاع نجاح الشمري، لمناقشة آلية دمج مقاتليها في المنظومة الأمنية العراقية الرسمية.

وشدد الحاضرون حينها، على حاجة فصائل الحشد الشعبي إلى الابتعاد عن تأثير المحاور الدولية والإقليمية وتركيز اهتمامهم على محاربة تنظيم الدولة، وأن يكونوا ضمن سلطة الدولة العراقية.

جدير بالذكر أن هذه الألوية الشيعية تشكلت في كربلاء والنجف بعد ما يعرف بفتوى “الجهاد الكفائي”، التي أطلقها المرجع الشيعي علي السيستاني في يونيو 2014، عقب ظهور تنظيم الدولة، وسيطرته على أجزاء واسعة من محافظات غرب العراق وشماله.

وكان البرلمان العراقي قد أقر، عام 2016، قانون الحشد الشعبي، الذي اعتبر الحشد مؤسسة عسكرية مرتبطة بالقائد العام للقوات المسلحة وتتلقى أوامرها منه، لكن أغلب فصائل الحشد لم تلتزم بالتوجيهات الحكومية، وارتكبت انتهاكات كثيرة في المحافظات التي شهدت معارك ضد تنظيم الدولة، كما أنها أظهرت ولاءها لإيران بشكل معلن، لا سيما فيما يتعلق بتداعيات قصفها للمواقع العسكرية الأمريكية في العراق.

Exit mobile version