“كورونا” يُحدث جدلاً في تونس حول صوم رمضان

تواصل الأوساط الشعبية ومواقع التواصل الاجتماعي في تونس هذه الأيام الحديث عن العبادات في زمن كورونا، ومن ذلك صوم رمضان، وما إذا كان الصوم يضعف الجسم في مقاومة جائحة كورونا، وبناء عليه هل يمكن للمسلمين أن يفطروا قياساً على إيقاف الجُمع والصلوات الخمس؟!

المفتي يُحدث التباساً

وقد التبس على البعض ما قاله المفتي عثمان بطيخ لـ”التلفزيون التونسي”، الخميس الماضي، حيث أحال الأمر على الأطباء، لأنهم يعرفون مدى تأثير الصيام على إمكانيّة تغلّب هذا الفيروس على مناعة الجسم.

واعتبر عثمان بطيخ أنّه لا يمكن أن يقدّم فتوى في هذا الشأن إلا حين يجتمع أهل العلم الشرعي مع أهل الطب.

وزاد الأمر لبساً عندما فهم من كلامه أن الأمر متروك للتقدير الشخصي، عندما قال: من يقدر على الصوم فليصم، ومن حالته الصحية حرجة ويتناول الأدوية فهذا ليس عليه حرج، والأمر لا يستحق فتوى.

جدل المواقع

ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالتفاعل مع ما قاله المفتي، وما سبقه من حديث حول إمكانية الإفطار لمقاومة كورونا، بين من دافع عن المفتي واتهم البعض بسوء الفهم، ومن اعتبر ما قاله المفتي دعوة للإفطار، بينما ذهب فريق ثالث للتشكيك في مقدرة عثمان بطيخ على تمثيل دار الإفتاء التونسية.

وقال عضو مجلس نواب الشعب والقيادي في ائتلاف الكرامة سيف الدين مخلوف: إن المفتي لم يستشهد بآية أو حديث طيلة حواره التلفزيوني. 

وقال أستاذ علم المواريث بجامعة الزيتونة د. عبدالباسط قويدر: إنه أمام ضعف أداء دار الإفتاء وفوضى الفتوى والبيانات الشرعية من أهل الاختصاص ومن غيرهم، أصبح من المؤكد بعث مجلس فتوى رسمي بدار الإفتاء من ذوي الاختصاص الشرعي والقانوني والطبي والاقتصادي والاجتماعي.

ودعا قويدر، على حسابه بـ”فيسبوك”، الرئيس التونسي قيس سعيّد إلى تفعيل الفصل (78) من الدستور، وإعفاء المفتي الحالي عثمان بطيخ من منصبه، وتعيين مفتٍ جديد للديار التونسية يحمل مشروعاً متكاملاً لصناعة الفتوى تأصيلاً وتفريعاً ومأسسة.

أهل الثقة

من جهته، قال الكاتب العام لنقابة الأئمة والخطباء الشيخ شهاب الدين تليش لـ”المجتمع”: المسلم لا يأخذ دينه سوى من العلماء الراسخين في العلم ومن أصحاب الاختصاص الأطباء الثقة.

وتابع: ما يروجه البعض من أن الإفطار من شأنه المساعدة على مواجهة فيروس كورونا مجانب للصواب، ورمي في عماية، واستشهد بفقرة من بحث للدكتور معز الإسلام فارس “الصوم ومناعة الجسم” جاء فيها: “ولعل من أهم الدراسات ذات العلاقة بالصيام والمناعة هي تلك التي أجريت على تأثير الصيام في شهر رمضان على آليات منع التأكسد ومقاومة الالتهاب.

فمن المقرر علميًّا -والكلام للدكتور فارس- أن زيادة تلك العوامل هو مما يضعف المناعة ويزيد معها خطر الإصابة بالعدوى الجرثومية، وقد قام فريقنا البحثي بجمع بيانات 12 من الدراسات العلمية وتحليلها (شملت 311 من الصائمين البالغين) التي عالجت أثر صيام رمضان على عوامل التأكسد والالتهاب.

وأظهرت نتائج التحليل وجود انخفاض ملموس في عددٍ من مؤشرات التأكسد والالتهاب في نهاية شهر رمضان، وهو ما يعزز دور الصيام في تفعيل المناعة وزيادة كفاءتها في مقاومة العدوى، ويدحض الزعم باحتمال تسبب الصيام بزيادة فرص العدوى. 

كما أظهرت دراسة قدرة صيام رمضان على زيادة التعبير الجيني لتلك الجينات وهي TFAM، SOD2،  and Nrf2بمستويات عالية بلغت 90.5%، 54.1%، 411.5%، على التوالي، مقارنة بمستوياتها قبل شهر رمضان، وهذه نتائج بالغة الأهمية في إثبات قدرة الصيام على الوقاية من حالة الكرب التأكسدي والالتهاب المسؤولة عن إضعاف الجهاز المناعي والتقليل من كفاءته في مقاومة العدوى”.

وعلق الشيخ تليش قائلاً: “الصوم يقوي المناعة وليس العكس، والرخص تكون لمن ذكرهم القرآنّ؛ (فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة: 184).

وتابع: مريض كورونا بإمكانه الإفطار، ومن كان يعاني من مرض مزمن ونصحه الأطباء بالإفطار فله أن يفطر، وما عدا ذلك لا يعتد به.

وحول ما أثاره كلام المفتي من لبس في بعض الأذهان، أكد الشيخ تليش أن بعث لجنة للفتوى أصبح ملحاً أكثر من أي وقت مضى؛ حتى لا يرتهن الدين للسياسة، فالإسلام يجب أن تعلو أحكامه على يد رجاله، ويجب ألا يرتهن لأي شيء، وقد وصفه المولى بالمهيمن، في حين يحاول البعض الهيمنة عليه.

اجتماع مع رئيس الحكومة

شيخ جامع عقبة بن نافع بالقيروان وأحد علماء المسلمين بتونس الشيخ الطيب الغزي، قال لـ”لمجتمع”: إنه وثلة من علماء تونس أنهوا اجتماعاً مع رئيس الحكومة، مساء الخميس الماضي، حول تراتيب شهر رمضان المبارك، ولم يتم التطرق لمسألة الفطر في رمضان.

وأردف: الصحيح هو أن المريض أو المصاب بفيروس كورونا وهو تحت العلاج ويتلقى الأدوية في مواعيدها اليومية يدخل في عموم الآية التي ترخّص للمريض والمسافر ومن يدخل في حكمهما كمرضى الكلى والسكر بالإفطار.

وأضاف: أما الإفطار في رمضان بعلة الأجواء التي يحل فيها شهر الصوم هذا العام، فلم يقل به أحد من أهل العلم، ولن يقل به أحد منهم.

وبرَّأ الشيخ الغزي المفتي عثمان بطيخ مما فهمه البعض أو التبس على البعض، وأوضح قائلاً: لم يقل بالإفطار، وقد كان اليوم (الخميس) ضمن من التقوا برئيس الحكومة، وهو ليس مسؤولاً عن فهم الآخرين.

وعاد الشيخ الغزي للحديث عمن يسمح لهم بالإفطار في علاقة بفيروس كورونا: المصاب بكورونا والخاضع للعلاج في المستشفى مناعته في هبوط ويحتاج للدواء والماء، وهو مختلف عن الأصحاء الطبيعيين الذين يعيشون في الحجر الصحي كعموم الناس.

وحول صلاة التراويح، ذكر الشيخ الغزي بأن صلاة التراويح سُنة، وإذا كانت الجُمع والصلوات الخمس قد تعطلت توقياً من فيروس كورونا، فالتراويح لن تصلى جماعة في رمضان.

واستدرك: إذا رفع الحجر الصحي ستعود الحياة إلى طبيعتها في المساجد، ولكن إذا استمر الحجر الصحي، وهو المتوقع؛ فلا جماعة ولا جُمع ولا صلاة عيد في الوقت الحاضر، والصلاة تقام في المنازل.

وأشار الشيخ الغزي إلى علماء جامعة الزيتونة رداً على سؤال لـ”المجتمع” حول المطالب بإعادة المجلس الإسلامي الأعلى، الذي تم تجميده في زمن الرئيس السابق الباجي قايد السبسي، وإحداث لجنة للفتوى في تونس، حيث أصدروا فتوى بخصوص ميت كورونا، والاحتكار، لا سيما في الجوائح، وتقديم موعد دفع الزكاة لنفس السبب، وهناك أشياء كثيرة طرحت إلى ما بعد أزمة كورونا.

وكان عدد من علماء جامعة الزيتونة قد أصدروا أول بيان وصفوه بأنّه بيانٌ شرعيّ في حكم الصّوم في ظلّ تفشّي وباء كورونا، أكدوا فيه أنّ حكم الصوم ثابت بالنص القطعي، وهو واجب على كلّ مكلّف مقيم صحيح خال من الموانع الشرعية، وأنّ الفطر لا يجوز إلاّ لأصحاب الأعذار.

وأوضحوا أنّه يجوز للمصاب بوباء كورونا الفطر في رمضان بناء على توجيهات الأطباء المباشرين لحالته، ونبّهوا في ذات البيان من الأخذ بما يشاع من أنّ الصوم يُضعف مناعة الإنسان الصحيح؛ ممّا يهدّد بالإصابة بفيروس كورونا، معتبرين هذا القول دعوى غير صحيحة وتقديراً فاسداً واحتياطاً متوهّماً.

Exit mobile version