هل خدعت “صحة” مصر أطباء العزل وقلَّصت أجورهم؟

– متوسط الأجور الشهرية للعاملين في القطاع الصحي هي الأدنى بين القطاعات المختلفة

– تراجع عدد الأطباء في القطاع الحكومي بنسبة 9.3% عام 2018 مقارنة بعام 2017

– 1600 طلب من العاملين في القطاع الطبي للحصول على تأشيرة للولايات المتحدة

“مرتبي 4 آلاف جنيه، ووعدوني بـ 20 ألفاً لو ذهبت إلى مستشفيات العزل، ولكنهم صرفوا لنا المرتب 5 آلاف جنيه فقط، والآن أنا محاط بعدوى من كل جانب في المستشفى، وجيراني يتنمرون ويخشون مني خشية أن أصيبهم بكورونا، والسفارة الأمريكية مستعدة لتسفيرنا إلى أمريكا للعمل هناك بعشرة أضعاف مرتباتنا، فماذا أفعل؟”.

كانت هذه “فضفضة” لأحد الأطباء المصريين خلال فترة “الهدنة” التي حصل عليها بعد 8 ساعات عمل مرهقة مع المرضى، يشكو معاناته هو وزملاؤه من عدم اهتمام السلطات الصحية المصرية بهم مادياً ومعنوياً، وقصر الأمر على تصريحات إعلامية لا تثمن ولا تغني من جوع عن أنهم “الجيش الأبيض” الذي يدافع عن مصر الآن.

ما قاله الطبيب المصري يمكن ترجمته في عدة أمور يعاني منها أطباء مصر من قبل ظهور فيروس كورونا وتحملهم أعباء إضافية، منها:

إن مصر بها 120 ألف طبيب، منهم 60 ألفًا خارج مصر يعملون في الدول العربية، و60 ألفًا يخدمون 100 مليون مصري داخل مصر، بحسب تأكيد د. أحمد محيي، مساعد وزيرة الصحة لشؤون المستشفيات، وهناك تقارير أخرى تؤكد أن هناك نحو 120 ألف طبيب مصري يعملون في الخارج من أصل 220 ألف طبيب؛ ما يعني تضاعف أعبائهم؛ ومن ثم ضرورة مكافأتهم.

إن مرتبات الأطباء في مصر حاليًا تتراوح بين 3 و10 آلاف جنيه شهرياً، وهي مرتبات هزيلة لا تكفي للمعيشة اليومية بعدما كان ينظر سابقاً لوظيفة الطبيب في مصر باعتبارها “مهنة الأثرياء”، وكلياتها الأكثر جذباً للطلاب.

حين تصاعدت الشكوى من رواتبهم، خصوصاً أن بدل العدوى الذي يصرف لهم يومياً هو 19 أو 21 جنيهاً فقط، قررت الحكومة المصرية اللجوء لحلول ثانوية برفع بدلاتهم بمبالغ ضئيلة لا تتعدى 400 جنيه، ما دفع الأطباء للتكالب على الهجرة.

الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الحكومي يؤكد أن متوسط الأجور الشهرية للعاملين في القطاع الصحي في مصر هي الأدنى بين القطاعات المختلفة، وتأتي في المرتبة الـ17، وأن متوسط الأجر الشهري للعاملين بقطاع الصحة والأنشطة الاجتماعية يبلغ 1746 جنيهاً مصرياً (نحو 110 دولارات)، بينما يبلغ متوسط الأجر الشهري لأعلى القطاعات أجراً، وهو قطاع التعدين والمحاجر 20701 جنيه (نحو 1318 دولاراً).

مقابل هذه المعاناة، أعلنت السفارة الأمريكية في القاهرة أنها تلقت، خلال 48 ساعة، ما يزيد على 1600 طلبٍ للحصول على تأشيرة دخول من جانب عدد من العاملين في القطاع الطبي المصري، ما بين أطباء بشريين وصيادلة وأطباء أسنان، وعلاج طبيعي للعمل، بعدما طلب ترمب من أطباء العالم مساعدة بلاده.

هل خدعتهم الصحة؟

ما زاد من غضب الأطباء خاصة هؤلاء الذين تم تكليفهم كدفعة أولى للسفر إلى مدينة مطروح غربي مصر لاستقبال أول دفعة مصريين قادمة من قلب بؤرة الفيروس (مدينة ووهان الصينية)، أن وزارة الصحة وعدتهم بـ20 ألف جنيه كراتب مقابل عملهم هناك في العزل الصحي مدة أسبوعين باعتبارهم فدائيين وحياتهم معرضه للخطر، ليفاجَؤُوا بمماطلات في الحصول على مستحقاتهم.

بعض هؤلاء الأطباء وأعضاء هيئة التمريض أكدوا أن وزارة الصحة تراجعت عن وعدها بمنح المخالطين المباشرين لحاملي فيروس كورونا المستجد مكافأة قدرها 20 ألف جنيه في الشهر من الأطقم الطبية والتمريض، قائلين: إن المكافأة انخفضت إلى الرُبع تقريبًا.

ونقل بعضهم عن وزيرة الصحة حين طالبوها بتنفيذ وعدها، أن الوزيرة أبلغتهم أن الأمر كان قاصراً على مرتب شهر واحد وتم تسليمه لهم على أجزاء، ثم يعودوا لتلقي نفس رواتبهم المتدنية السابقة، التي تم تعزيزها بـ”بدل المخاطر الطبية” بنسبة 75% تتراوح قيمته الفعلية بعد خصم الاستقطاعات بين 250 إلى 400 جنيه فقط.

وفي محاولة لتلافي غضبهم، قرر مجلس نقابة الأطباء واتحاد نقابات المهن الطبية صرف 100 ألف جنيه لأسرة كل طبيب يتوفى وهو يعمل داخل مصر لمواجهة كورونا، و20 ألف جنيه لو أصيب بالفيروس.

الهروب بسبب تدني الأجور والنفقات

وقد كشف تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2018، الذي أظهر أن متوسط الأجور الشهرية للعاملين في القطاع الصحي في مصر هي الأدنى بين القطاعات المختلفة، إذ تأتي في المرتبة الـ17؛ ما أدى إلى هروب الأطباء من العمل في هذا المجال والهجرة، أو رفض العمل في مستشفيات الحكومة عموماً.

وأكد تراجع عدد الأطباء في القطاع الحكومي بنسبة 9.3% عام 2018 مقارنة بعام 2017 بسبب معاناتهم خصوصاً من تدني رواتبهم.

أمر آخر يزعج الأطباء هو انخفاض ميزانية الصحة في موازنة مصر، وعدم التزام الحكومة بنصوص الدستور التي تحدد نسباً معينة من الدخل القومي للنفاق على التعليم والصحة.

وتبين مقارنة الإنفاق على الصحة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، أو إجمالي المصروفات في الموازنة العامة للدولة، انخفاضًا مستمرًا عامًا بعد آخر منذ العام المالي 2014-2015 وحتى الآن، بالمخالفة للاستحقاقات الدستورية، إذ تبلغ نسبة الإنفاق على الصحة للناتج المحلي الإجمالي أقل من نصف الاستحقاق الدستوري.

وتنص المادة (18) من الدستور على أن” تلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للصحة لا تقل عن 3% من الناتج القومي الإجمالي تتصاعد تدريجيًا حتى تتفق مع المعدلات العالمية”.

وانخفض الإنفاق على الصحة نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي من 1.53% عام 2014-2015، إلى 1.19% في العام المالي الحالي 2019-2020.

وقد ذكر تقرير صادر عن البنك الدولي أن التعليم والصحة لم يستفيدا من وفورات الإصلاحات المالية في مصر، وأشار التقرير إلى تراجع الإنفاق على الصحة في الموازنة العامة للدولة إلى 1.6% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي في عام 2018.

Exit mobile version