مساعٍ تركية لفرض تطبيق اتفاق موسكو بالقوة لتجنيب إدلب عملاً عسكرياً جديداً

يستمر الهدوء النسبي في شمال غربي سورية، مع دخول وقف إطلاق النار الذي توصل إليه الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان، والروسي فلاديمير بوتين، في موسكو يومه الأربعين.

ولم تصل المنطقة إلى الهدوء الكامل بعد؛ بسبب عمليات الخرق التي يقوم بها النظام من خلال قصف قواته المدفعي المتقطع، أو من خلال محاولة التسلل والتقدم في جبهات عدة، يقابلها رد من فصائل المعارضة السورية.

وكانت قوات النظام السوري قصفت، أمس الإثنين، بالمدفعية الثقيلة، بلدتي سرمين والنيرب بريف إدلب الشرقي، بحسب “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، الذي أفاد بوقوع اشتباكات بعد منتصف ليل الأحد/ الإثنين، بين قوات النظام والمليشيات الموالية لها من طرف، وفصائل المعارضة السورية من طرف آخر، على محور كفرنبل بريف إدلب الجنوبي.

وفي السياق ذاته، ذكرت وسائل إعلام تابعة للمعارضة، أن فصائل المعارضة صدت محاولة تقدم للنظام على محور بلدة البارة بمنطقة جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي، مشيرةً إلى أن قوات الأسد تكبدت خسائر فادحة بالعتاد والأرواح، وأجبرت على العودة إلى مواقعها.

اتفاق موسكو على المحك

اتفاق موسكو الموقع بين تركيا وروسيا، في 5 مارس الماضي، نص على وقف إطلاق النار في محافظة إدلب، بعد حملة عسكرية شرسة كادت تدخل الروس والأتراك في مواجهة عسكرية مباشرة.

كما نص الاتفاق على إنشاء ممر آمن على طول الطريق الدولي (حلب اللاذقية) المعروف بـ”أم 4″، بعمق 6 كيلومترات من الجنوب ومثلها من الشمال، وبدء تسيير دوريات مشتركة تركية روسية من بلدة الترنبة (غربي سراقب)، وصولاً إلى بلدة عين الحور (آخر نقطة في إدلب من الغرب على تخوم ريف اللاذقية)، بحلول يوم 15 مارس الماضي، إلا أن تحقيق هذا البند تعثر بسبب قطع الطريق من قبل مدنيين محتجين على مشاركة الروس في هذه الدوريات، التي يعتبرونها قوات محتلة.

حيث فشلت القوات الروسية ونظيرتها التركية في تسيير أولى الدوريات المشتركة على الطريق، التي انطلقت من بلدة سراقب شرق إدلب، ووصلت إلى بلدة النيرب، لتعود مجدداً إلى النقطة التي انطلقت منها بسبب تواجد المعتصمين الذين يقطعون الطريق، وذات الأمر تكرر في 23 مارس، وفي 8 أبريل الجاري؛ حيث سيَّر الجانبان دورية ثالثة على الطريق، وذكرت وزارة الدفاع الروسية وقتها أن قواتها شاركت في الدورية بمدرعتين وسيارة مصفحة، بينما قامت طائرات بدون طيار بالتحكم في مسار الدورية من الجو وتأمين الحماية لها.

وتخشى أنقرة من أن يتخذ النظام السوري وروسيا من هذا الأمر ذريعة لاستئناف العمل العسكري، الذي يضع 4 ملايين سوري على محك التهجير، ويثير أزمة إنسانية على الحدود التركية، هذه النقطة التي وضعت اتفاق موسكو على المحك، دفعت أنقرة إلى السعي نحو فرض تنفيذ الاتفاق بالقوة.

وفي هذا الإطار، سعت قوات الدرك التركية، أمس الإثنين، إلى محاولة فض الاعتصام الذي يعيق تسيير الدوريات، وهو ما تسبب باندلاع اشتباك بالأيدي وإطلاق نار متقطع مع مناصري هيئة تحرير الشام، على الطريق الدولي “إم 4” التي تقود الاعتصام.

وتعارض اتفاق موسكو المجموعات المتشددة المنضوية تحت راية “غرفة عمليات وحرض المؤمنين”، التي أُنشئت في 15 نوفمبر2018، وتضم “تنظيم حراس الدين”، و”جبهة أنصار الدين”، و”أنصار التوحيد”، و”جماعة أنصار الإسلام”.

وأكدت مصادر مطلعة لـ”المجتمع” أن هذه الجماعات قامت بعمليات تفجير للجسور، في منطقة “محمبل والكفير” على الطريق الدولي، في رسالة واضحة أنها ضد تطبيق الاتفاق، وهو ما يحرج تركيا أمام الروس الذين يطالبونها بتنفيذ الاتفاق مهما كان الثمن.

عودة 110 آلاف نازح

وفيما تسعى أنقرة لتثبيت وقف إطلاق النار، ومنع اندلاع عمل عسكري جديد في إدلب، يواصل أكثر من مليون مدني نزحوا من المحافظة بسبب العملية العسكرية التي شنها النظام السوري وحلفاؤه على المحافظة في نوفمبر من العام الماضي، مساعيهم للعودة إلى قراهم وبلداتهم التي نزحوا منها.

وفي هذا السياق، وصل عدد من نجحوا في العودة إلى 110 آلاف نازح سوري، منذ بدء سريان وقف إطلاق النار في 6 مارس الماضي، وبحسب وكالة “الأناضول” التركية، توجه قسم من النازحين إلى المخيمات القريبة من الحدود السورية التركية، فيما توجه قسم آخر إلى البلدات الخاضعة لسيطرة المعارضة شمالي سورية.

وقال محمد حلاج، مدير فريق “منسقو الاستجابة المدنية في الشمال السوري” المعني بجمع البيانات عن النازحين، للوكالة: إن جزءاً من النازحين المدنيين عادوا إلى ديارهم فور وقف النظام السوري وحلفائه عملياتهم العسكرية في المنطقة.

وأضاف أن 109 آلاف و714 منهم عادوا إلى منازلهم مع مرور 40 يوماً على اتفاق وقف إطلاق النار.

وأشار حلاج إلى أن جزءاً كبيراً من هؤلاء النازحين يواصلون العيش في مخيمات بالقرب من الحدود السورية التركية، ولا يرغبون في العودة إلى قراهم وبلداتهم التي سيطر عليها النظام خلال عملياته العسكرية الأخيرة.

وتضع الظروف القاسية للمنطقة النازحين بين خيارين أحلاهما مر؛ فإما البقاء في مخيمات مزدحمة للغاية، في ظل مخاوف من انتشار فيروس كورونا الذي يجتاح العالم، ويهدد أرواح الملايين من البشر، أو العودة إلى قراهم وبلداتهم التي تتعرض للقصف العشوائي من قوات النظام، مع احتمال عودة المعارك بين المعارضة والنظام في ظل ظروف سياسية معقدة.

تجدر الإشارة إلى أن النظام السوري تقدم مدعوماً بالمليشيات الإيرانية والغطاء الجوي الروسي، في المنطقة التي تعرف بـ”منطقة خفض التصعيد” التي تضم كامل محافظة إدلب، وأجزاء من أرياف حماة الغربي والشمالي، وحلب الجنوبي والغربي، واللاذقية الشرقي في معارك دموية العام الماضي، على الرغم من توقيع اتفاق “سوتشي” بين روسيا وتركيا حول إدلب في سبتمبر 2018.

وقضمت قوات النظام خلال معارك متعددة أجزاء واسعة من تلك المنطقة، ولا سيما في أرياف حماة الشمالي وإدلب الجنوبي والشرقي وحلب الغربي والجنوبي؛ ما دفع تركيا للتحرك في محاولة للحد من تقدم النظام، وتعزيز وجودها في إدلب، ومن ثم شن عملية عسكرية ضد قواته، توقفت بعد إبرام اتفاق موسكو بين روسيا وتركيا.

Exit mobile version