كورونا.. جدل في تونس حول دموع وزير الصحة

أثار خطاب وزير الصحة التونسي عبداللطيف المكي، الذي غلبت عليه المشاعر الفياضة لدرجة فاضت فيها عيناه بالدموع وهو يدعو التونسيين للالتزام بالحجر الصحي، ويؤكد أنه ووزارته وكل العاملين معه سيستمرون في العمل حتى النهاية؛ “سنواصل العمل حتى آخر رمق، ولو بأظافرنا”، ثم غلبته مشاعره فبكى.

وقد تفاعل التونسيون بطرق مختلفة مع حالة التأثر للمكي، بيد أن دموع الوزير أحدثت شرخاً في معسكر المنافسين والخصوم، في حين أثنى عليه عامة الشعب، وتيار الحرية الواسع في تونس.

الموقف السلبي

هناك فصيل يمثل كل سجناء نظرية الصراع لم تعجبه دموع وزير الصحة عبداللطيف المكي، فخرج عن اللياقة إلى السوقية ونزل إلى مستوى سحيق من التفاعل، إذ اعتبر بعضهم دموع عبد اللطيف المكي، تعبّر عن ضعف، وعن عجز، ويجب أن يبقى في بيته.

بل هناك من اعتبر دموع وزير الصحة التونسي” إجراماً”، وأنها لا تلقى التعاطف سوى من.. (وذكر كلمة لا تصدر سوى من سوقة وتعني التحقير من شأن المتفاعلين بإيجابية مع الوزير وتحمل من جملة ما تحمل معنى التمسح بالأعتاب والتزلف)!

واعتبر البعض دموع وزير الصحة “نذير شؤم”، وواصل بنفس الروح السلبية، معتبراً أن التونسيين يكفيهم ما وصفه بـ”الهم”، وأنهم لا يحتاجون المزيد منه، على حد قوله (مع التخفيف من حدة اللهجة) ولم تخرج بقية التعليقات المنتقدة لدموع الوزير عن هذا الإطار.

تعبير عن قوة

من المنافسين السياسيين الأشداء للمكي والتيار الذي يمثله (حركة النهضة) الذين تفاعلوا بإيجابية، وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية، غازي الشواشي (التيار الديمقراطي) الذي اعتبر في تعليق على حسابه بـ”فيسبوك” دموع وزير الصحة تعبيراً عن قوة وليس عن ضعف، تلك دموع قوة وليست دموع ضعف، وسنظل نعمل معاً إلى آخر رمق.

بين مكي ورئيس حكومة كندا

وذكرت الناشطة والمدونة مديحة سعد منتقدي المكي بإعجابهم بدموع رئيس وزراء كندا عندما بكى بعد حادث إرهابي تعرض له مسجد، وإعجابهم بدموع السبسي في حملته الانتخابية على امرأة لم تذق طعم اللحم، حسب قوله، منذ 6 أشهر، وتابعت: إنها الرحمة والإنسانية التي لا يقدرها البعض حق قدرها، وليسوا فالحين سوى في توجيه الانتقادات والمقدرة الخارقة على تحويل ما هو إيجابي ومعبّر إلى سلبي وتافه.

عندما يبكي الرجال

الذين انتقدوا دموع المكي لا يعرفونه حق المعرفة، ولم يطلعوا على نضالاته وما قدمه من أجل الحرية في تونس، وساهم بمراكمته حتى استعلت الثورة، وهو ما حاول الأكاديمي والأستاذ الجامعي سامي براهم تذكير المشككين في دموع المكي، فكتب على حسابه بـ”فيسبوك”: المعارك تخاض على “فيسبوك” في تونس أكثر من أي ساحة أخرى.

وقال براهم إلى من يشكّكون في دموع وزير الصحّة ولم تحرّك مشاعرَهم ما فاضت به من عاطفة صادقة ومعاني نبيلة: هذا الرّجل التقيناه في ظروف عصيبة حالكة لا يصمد فيها إلّا صفوة الرّجال وليس كلّ الذّكور رجالاً، لقيناه في غمرة سنيّ القمع والاضطهاد والتنكيل حيث كان التعذيب ألواناً وأشكالاً وفنوناً ولم نشهد عليه مواقف ضعف وانكسار ولم نر له عيناً دامعة، بل كان “عصيّ الدّمع شيمته الصّبر”، ولم نلحظ على وجهه إلّا مظاهر الشّموخ والكبرياء في وجوه جلّاديه وسجّانيه.

ورأيناه وهو يناضل ليواصل دراسته في الاختصاص الذي عشقه فكان يتسوّر أسوار الكليّة ليواكب الدّروس حتّى اكتُشِف أمره ومُنِع من مزاولة بحثه الجامعي بقرار سياسيّ تعسّفي صادر من أعلى سلطة قرار في الدولة زمن الاستبداد، ولكنّه لم يقبل بالتعسّف على حقّه في الدّراسة بل خاض إضراباً تاريخيّاً عن الطّعام تجاوز الخمسين يوماً ساندته فيه أكبر الجمعيات الطبيّة والحقوقيّة العالميّة، ورفع بإضرابه الظّلم والحيف الذي لحق المئات من المساجين السياسيين الممنوعين من الترسيم في الجامعة، ثمّ عاد إلى الدّراسة وتوّج مساره بنجاح باهر ومناقشة لرسالة التخرّج حيث أثنى أعضاء اللجنة على إصراره وشجاعته وقد واكبنا في كليّة الطبّ تلاوته المهيبة لقَسَم أبو قراط العظيم.

هذا الرّجل الذي لم نر له قطّ دمعاً طيلة كلّ ما مرّ به من محن ومصائب وظلم وقهر وعسف وبقي صامداً صلباً صاحب عزم وعزيمة ورباطة جأش، يتهدّج اليوم صوته وتفيض محاجر عينيه فرقًا وإشفاقًا ممّا ينتظر أبناء وطنه من مصير كارثيّ مرعب لو تواصل عدم الالتزام بتوصيات الدّولة والجماعة العلميّة بوزارته، سيكون محزناً ومُهيناً وجرحاً في الذّاكرة الوطنيّة وإثماً في الضّمير الجمعيّ لو سجّل التّاريخ أنّ شعباً أنجز ثورة سلميّة باهرة أحدثت تحوّلات جيوستراتيجية نوعيّة غيّرت وجه المنطقة ووجهة الحاضر والمستقبل، ولكنّه عجز عن الالتزام بحجر صحيّ مؤقّت والصّبر على عزلة محدودة المدى لحماية أرواح مواطنيه ومقدّرات بلده ومناعة وطنه الذي يفتقد للبنية التحتية الصحيّة والاقتصاديّة القادرة على مواجهة الكارثة الجماعيّة والفاجعة الكبرى.

لمثل هذا تبكي العيون وتُذْلِلُ دمعاً من خَلائِقِه التَّحْنَانُ والكِبْر.

Exit mobile version