لا يأس من رحمة الله

أصيب العالم بجائحة فيروس كورونا المستجد، وهو مرض معدي وقاتل.. ووقف العالم بكل ما يملك من تقنيات علمية وتقدم طبي وبحث علمي في علم الأوبئة، عاجزاً وحائراً، لم يعرف الأسباب الحقيقية لهذا الوباء ولم يستطع أن يجد له اللقاح والعلاج، فانتشر الوباء، وأصيب الكثير من الناس في كل الدول بالخوف و الرعب و الهلع، وظهر ضعف الإنسان.

و رغم تضافر الجهود الدولية للحد منه، يواصل هذا الفيروس في الانتشار في العالم متسبباً بآلاف الوفيات.

نشير إلى أنه ليس هذه أول مرة يجتاح الوباء العالم، فعلى مر العصور، أودت الأوبئة بحياة عدد كبير من الأشخاص وتسببت في أزمات كبيرة، فأكثر الأوبئة فتكا في التاريخ، ابتدأت من الطاعون الأنطوني الذي ضرب الإمبراطورية الرومانية بين عامي 165 و180 ميلادية حتى فيروس «كورونا المستجد» سنة 2020 م. ثم أن أكثر الأوبئة فتكا على مر التاريخ، هو الطاعون الذي سمي «الموت الأسود»، ضرب منطقة بالقرب من الصين وانتشر في العالم بين عامي 1347 و 1351م، وتسبب في وفاة ما يقرب من 200 مليون شخص، كما تفشى وباء الطاعون في البلاد الاسلامية، لا سيما في عهد الدولة الأمويّة وفي دولة المماليك. وقبل ذلك، ظهر الطاعون، في عهد النبي صلى الله عليه و سلم  ، في فارس السنة السادسة من الهجرة ، ثم وقع “طاعون عمواس” في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، في العام الثامن عشر من الهجرة ، ،وقد سمي بطاعون عِمَواس نسبة إِلى بلدة صغيرة ( عِمَواس) وهي بين القدس و الرَّملة ، وكان طاعونا فتاكا هلك فيه الآلاف من الناس، كما امتد إلى بلاد الشام ، وقد مات فيه من كبار الصحابة رضي الله عنهم : أبو عبيدة بن الجراح ويزيد بن أبي سفيان ومعاذ بن جبل.

وكان المسلمون آنذاك يطبقون قول رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون:  ( إِذا سمعتم به بأرض؛ فلا تقدموا عليه، وإِذا وقع بأرض، وأنتم بها؛ فلا تخرجوا فرارا منه )، وهذا ما تطبقه الدول في عصرنا اليوم في إطار الإجراءات الوقائية أو ما يسمى ب “الحجر الصحي ” بهدف مواجهة تفشي الوباء . و سار على هذه السنة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عندما لم يدخل الشام ، لما أصابها الوباء ، بعد أن كان قد قصدها. بينما بقي أبو عبيدة بن الجراح وغيره من الصحابة بقوا فيها ولم يخرجوا منها، إلى أن أصابهم المرض فتوفوا.

و لذلك، فإن الإنسان في حياته معرض لأنواع من الأزمات و الكوارث و المصائب، مثل الأوبئة التي ذكرناها ، فقد تضعف إرادته، وتلين عزيمته ، و يسيطر اليأس على نفسه ، و تنهار نفسه عند مواجهة  مثل هذه الأحداث أو المصائب و ما يترتب عنها من هواجس و مخاوف ، قد تؤثر على إيمانه و صلته بالله، خصوصا إذا تسرب الضعف إلى نفسه.

و مما لا شك فيه، أن كثيراً من الناس قد يصيبهم اليأس والقنوط خلال هذه الظروف العصيبة التي يجتاحها العالم، بما فيه البلاد الإسلامية، بسبب تفشي جائحة كورونا، التي أودت بحياة مئات الآلاف من البشر، ولحقت أضراراً باقتصاديات الدول، وترتبت عنها آثار اجتماعية ونفسية وخيمة على الأفراد و الأسر.

ففي هذا الصدد، يقول الله تعالى في محكم آياته: (وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف: 87)، (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) (  الحجر : 56)

فمهما بلغ الكرب، واشتد الأمر، وضاقت الحياة، فلا ينبغي على المؤمن أن َييأس من رَوْحِ الله، فاليأس سمة من سمات الكفر، لأنه لا يأس مع الإيمان، ولا قنوط من رحمة الله، فالإسلام يدعو دائماً إلى التفاؤل، وانتظار الفرج، والاستبشار بالخير، والاطمئنان بما قدره الله.

 ومن الآثار المترتبة على اليأس فساد قلب الإنسان و الخروج عن سكينته، وفتور همته، وضعف عزيمته، والاستسلام للفشل و الاضطراب النفسي و القلق و الهم، و غير ذلك من الصفات التي تنقص من قوة و عزم الإنسان.

فالمؤمن الأقوى، يكون قويا في كل الأمور، يواجه الأزمات و الكوارث و المصائب بصبر، يتعامل مع الأحداث و الشدائد التي تحصل له بإيمان و عزم، فتتصاغر أمامه مهما عظمت، و تتولد في نفسه العقيدة الصحيحة، مرتكزها الأساسي الإيمان بالله و بقضائه و قدره .

كما أن المؤمن يواجه المصائب و الشدائد بإرادة قوية، وعزيمة ، حتى لا يتمكن اليأس من نفسه . فكل شيء في هذا الكون إنما هو بقدر الله تعالى، كما جاء في الآية الكريمة : (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)  (الحديد: 22، 23).

فالإسلام يزرع في نفوس المؤمنين روح الأمل والتفاؤل، حيث قال الله تعالى: (لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ) (الزمر:53 ). فالأمور وإن تعقدت، والظروف وإن اشتدت، فالفرج يأتي من بعد . و هذا من سنن الكون ، لأن لكل أزمة مدة محددة في الزمن ، تبتدئ و تنتهي، وكل مصيبة من قضاء الله و قدره. 

قال عز وجل قال تعالى: ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ )  ( التغابن:11 ) . قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: ( أي من أصابته مصيبة فعلم أنها بقضاء الله وقدره ، فصبر واحتسب واستسلم لقضاء الله. عوضه عما فاته من الدنيا هدى في قلبه ، ويقيناً صادقاً ، وقد يخلف عليه ما كان أخذ منه أو خيراً منه ).

فبعد جائحة فيروس كورونا المستجد سيأتي الفرج، وعند شدة البلاء يكون الرخاء ، و أن الفرج مع الكرب، و أن مع العسر يسرا ، و أن رحمة الله واسعة . فالمؤمن يعلم بأن الضيق له نهاية وسيأتي بعده فرج، أما إذا كان هناك ضعف في الايمان لدى الإنسان ، فإنه يخاف مما سيواجهه على إثر هذه الجائحة، و ينظر بنظرة تشاؤم لما هو قادم في المستقبل.

 إن الحياة و ما فيها من خير وشر هي ابتلاء ، و أن الصبر فيها هو مفتاح كل خير كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : (واعلَمْ أنَّ في الصَّبرِ على ما تكرهُ خيرًا كثيرًا، واعلَمْ أنَّ النَّصرَ مع الصَّبرِ ، وأنَّ الفرَجَ مع الكرْبِ ، وأنَّ مع العُسرِ يُسرًا) . ( أخرجه الإمامان أحمد و الترمذي ) .

و لا يسعني إلا أن أقول في آخر هذا الكلام ، أن ما بعد الصبر إلا الفرج و لا بعد الحزن إلا الفرح ولا بعد الضيق إلا السعادة ولا بعد اليأس إلا الأمل . و هذا لن يتحقق إلا بصبر الانسان و قوة إيمانه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) أستاذ جامعي ـ المغرب.

creps2014@gmail.com

Exit mobile version