العراق.. بين آمال التغيير واستفحال الأزمات المتراكمة في الذكرى الـ17 لاحتلاله

– بعد 17 عاماً على الغزو وصلت البلاد إلى مرحلة حرجة وباتت تصنف ضمن الدول الفاشلة

– دخل العراق في فوضى عارمة واجتاحته الطائفية وتغولت على قراراته دول الإقليم واستشرى فيه الفساد والإرهاب

– رغم أن حجم احتياطيات النفط في العراق يصل إلى نحو 112 مليار برميل فإن الفقر يطارد نحو ربع العراقيين

– العراقيون يعقدون الآمال على الحراك السياسي الذي تمخض عنه حراك أكتوبر الجماهيري

 

قبل 17 عاماً وفي مثل هذا اليوم سقطت العاصمة العراقية بغداد، بعد أن غزت الولايات المتحدة الأمريكية العراق، في عهد الرئيس الأسبق جورج بوش الابن، بذريعة أسلحة الدمار الشامل التي يهدد بها نظام صدام حسين العالم، والتي ثبت فيما بعد أنها غير موجودة.

واشنطن بشرت بنشر الديمقراطية في ربوع البلاد، لتحويله إلى أيقونة في الشرق الأوسط، بحسب الأدبيات التي نشرها الاحتلال حينها، وبهذا الخصوص قال الرئيس بوش، في 20 مارس 2003: “أتينا إلى العراق مع احترام كبير لمواطنيها وحضارتهم والأديان التي يمارسونها، ليس لدينا هدف آخر سوى القضاء على التهديد وإعادة سيطرة البلاد إلى أيدي شعبها”.

الفوضى تكشف النوايا

غير أن الأيام كشفت عن واقع مغاير لما أعلن عنه، حيث دخل العراق في فوضى عارمة، واجتاحته الطائفية، وتغولت على قراراته دول الإقليم، واستشرى فيه الفساد والإرهاب، حتى بات في ذيل أغلب التصنيفات العالمية على مختلف الصعد.

تصريحات المسؤولين الأمريكان لاحقاً، كشفت حقيقة أهداف الاحتلال، ولعل أبرزها تصريح مستشارة الأمن القومي الأمريكي، كونداليزا رايس، في عهد الرئيس بوش قالت فيه: إن “السبب الحقيقي لاتخاذ الولايات المتحدة قرار غزو العراق هو الإطاحة بصدام حسين، لا لجلب الديمقراطية للدولة الشرق أوسطية المحورية”.

وبعد 17 عاماً على الغزو، وصلت البلاد إلى مرحلة حرجة، وباتت تصنف ضمن الدول الفاشلة، بعد تردي الخدمات الصحية والتعليمية، وانهيار البنى التحتية، وانتشار الفقر والأمية، بحسب الأرقام التي تصدر عن المؤسسات الحكومية.

هذا الواقع أوجد حالة من الغضب الشعبي، الذي تحول إلى احتجاجات عارمة اجتاحت عدداً كبيراً من المحافظات العراقية، إلى جانب العاصمة بغداد، حيث شلت مظاهر الاحتجاج الشعبي العملية السياسية منذ شهر أكتوبر الماضي، واضطر رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي إلى الاستقالة من منصبه لامتصاص غض الشارع، وهو ما أدخل البلاد في مأزق اختيار رئيس حكومة جديد، مطلوب منه تقديم برنامج إنقاذ لأزمات البلاد، وهو ما عجزت عنه الطبقة السياسية منذ أشهر، وهي تحاول إيجاد مخرج لهذه الأزمة، في ظل معادلة محلية وإقليمية معقدة، تجعل آمال التغيير التي قتل في سبيلها أكثر من 500 شاب من المتظاهرين بساحات الاحتجاج في مهب الريح.

مؤشرات وأرقام

مجموعة مؤشرات وأرقام، بعضها صادر عن مؤسسات حكومية عراقية، وأخرى صادرة عن مؤسسات ذات مرجعية دولية، تكشف وضع الدولة العراقية بعد أكثر من عقد ونصف على الاحتلال.

حيث تظهر إحصاءات وزارة التخطيط، تصاعداً مستمر في أعداد المعوقين والأرامل واليتامى، وكذلك مؤشر الفقر الذي يشير إلى أن 22% من العراقيين تحت خط الفقر، وعدد المعوقين لغاية عام 2018 بلغ 1.117 مليون شخص، وعدد الأرامل 1.939 مليون شخص، واليتامى نحو 5 ملايين.

وزارة البلديات العراقية تظهر إحصاءاتها، أنه تم تدشين وتوسعة نحو 300 مقبرة في البلاد، خلال السنوات الـ17 الماضية، وهو عدد أكثر بثلاثة أضعاف مما تم افتتاحه بنفس المدة من مشاريع ترفيهية وثقافية في البلاد.

وبحسب وزارة العمل والشؤون الاجتماعية العراقية، فإن الموارد النفطية للعراق تشكل 89% من ميزانيته، وتمثل 99% من صادراته، لكنها تؤمن 1% فقط من الوظائف في العمالة الوطنية.

ورغم أن حجم احتياطيات النفط في العراق يصل إلى نحو 112 مليار برميل، فإن الفقر يطارد نحو ربع العراقيين.

وقد خلقت النفقات المتضخمة أكبر عجز في الموازنة، إذ بلغت العام الماضي حوالي 23 مليار دولار، ويتوقع أن تزيد عن 30 مليار دولار خلال عام 2020 الجاري، بحسب اللجنة المالية في مجلس النواب العراقي.

ويعاني الاقتصاد العراقي مشكلات أخرى كثيرة، كانعدام الصناعة، وانهيار البنية التحتية، وضعف أداء القطاع الزراعي، والتجاري، وتفاقم المشكلات الأمنية.

وأظهر تقرير لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى نشر في سبتمبر 2019، أن الفساد المالي يستنزف نحو 25% من المال العام، وهو ما تؤكده التقارير الدولية التي تظهر أن سجل الفساد في العراق قد ازداد سوءاً في العقود الماضية، إذ صنفت منظمة “الشفافية الدولية” العراق في المرتبة 117 من أصل 133 دولة عام 2003، فيما جاء في المركز 16 عربياً، و162 عالمياً في مؤشر عام 2019.

وعلى الصعيد الحقوقي، لايزال العراق يعاني من انتهاكات واسعة في حقوق الإنسان، التي تراجعت إبان الاحتلال، بسبب استشراء الطائفية، وضعف سلطة القانون أمام انتشار الحالة المليشاوية، تجسد ذلك في تعامل الدولة مع المظاهرات الشعبية السلمية، التي انطلقت في أكتوبر الماضي، مطالبة بالإصلاح والتغيير في البلاد.

وفي آخر تقرير لبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي)، رصدت خلال الفترة الواقعة بين 5 نوفمبر 2019، و9 ديسمبر 2020، ارتكاب تجاوزات وانتهاكات للحق في الحياة والسلامة البدنية والحرية والأمن الشخصي وحرية التعبير والتجمع السلمي.

وبحسب التقرير، فإن رجالاً مسلحين مجهولين يطلق عليهم “مليشيات” أو “جهة مجهولة ثالثة” أو “كيانات مسلحة” وثمة من يقول إنهم “خارجون عن القانون” و”مفسدون”، هي جماعات مسؤولة عن القتل المتعمد واختطاف المتظاهرين. وطالب التقرير الحكومة بتحديد هوية هؤلاء الأشخاص وتقديمهم للمحاكمة وتحمل المسؤولية لحماية الشعب والمتظاهرين السلميين من بطش الجهات المسلحة التي تعمل خارج سيطرة الدولة.

من جهتها حملت منظمة العفو الدولية، في تقريرها الصادر في فبراير 2020، السلطات العراقية وقوات الأمن والحشد الشعبي مسؤولية “مقتل أكثر من 500 متظاهر وإصابة الآلاف”، وفق معطيات تقريرها لحالة حقوق الإنسان في الشرق الأوسط لعام 2019.

وحمل التقرير القوات الأمنية العراقية مسؤولية بقاء آلاف الرجال والصبية مفقودين، بعد فرارهم من مناطق كان يسيطر عليها تنظيم الدولة.

وقالت المنظمة: إن تقريراً حكومياً حول التحقيق في أحداث العنف في التظاهرات أكد أن 149 متظاهرا قتلوا معظمهم بطلقات في الرأس، بسبب “استخدام القوة المفرطة”، وفقدان قادة الأمن “السيطرة على قواتهم” في الفترة من 1-7 أكتوبر 2019.

الأمل بالتغيير

ويعقد العراقيون الآمال على الحراك السياسي الذي تمخض عنه حراك أكتوبر الجماهيري، ويأمل المتظاهرون ومعهم منظمات المجتمع المدني، والمؤسسات الحقوقية، أن ينتج عن هذا الحراك تغييراً ملموساً بعد تشكيل حكومة جديدة، خلفاً لحكومة عبدالمهدي التي أطاحت بها التظاهرات.

إلا أن ميلاد الحكومة الجديدة يمر بمرحلة عسر، بسبب الخلافات السياسية المستحكمة بين الأحزاب الشيعية التي تصر على أن يكون منصب رئيس الوزراء من حصتها، بموجب نظام المحاصصة المعمول به بعد الاحتلال.

ولم تفضِ الحوارات التي أجرتها مؤخراً تلك القوى، إلى أي اتفاق حاسم مع الكتل الأخرى بشأن مرشحها للمنصب، بعد أن رفضت مرشح رئيس الجمهورية عدنان الزرفي، ورشحت أنباء عن توصلها إلى اتفاق مبدئي مساء السبت 4 أبريل، خلال اجتماع لها في بغداد، على ترشيح مدير المخابرات العراقية مصطفى الكاظمي بديلاً للزرفي، إلا أن غموض موقف التيار الصدري وكتلة “النصر” التي يرأسها رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي يثير الشكوك حول إمكانية تحقيق إجماعي شيعي على الكاظمي.

وتبدد هذه الخلافات الآمال بالتغيير المنشود، في ظل تراجع مؤشرات الاقتصاد، بسبب تهاوي أسعار النفط، وهناك حديث عن احتمال إفلاس الحكومة وعجزها عن دفع رواتب موظفي الدولة، وهو ما يحذر منه مراقبون يرون أن هذا الأمر سيؤدي إلى انتشار الفوضى في البلاد.

Exit mobile version