التحالف الدولي ينسحب من قاعدة جديدة بالعراق.. والمليشيات تصعّد لغة التهديد

انسحبت القوات الفرنسية العاملة ضمن قوات التحالف الدولي في العراق، أمس الثلاثاء، من مقر كانت تشغله في قضاء أبو غريب التابع للعاصمة بغداد، وسلمته للقوات العراقية.

القاعدة الجديدة التي تنسحب منها قوات التحالف الدولي هي السادسة بعد أن انسحبت الشهر الماضي من قاعدتي “القائم”، و”الحبانية” العسكريتين بمحافظة الأنبار (غرب)، ومن قواعد عدة في الشمال، هي قاعدة “القصور الرئاسية” بالموصل، وقاعدة “القيارة” الجوية بمحافظة نينوى، وقاعدة “K1” في كركوك.

يأتي هذا الانسحاب متزامناً مع تصعيد فصائل مسلحة لهجتها التهديدية للحكومة العراقية، والوسط السياسي العراقي، وللمصالح الأمريكية، حيث حذرت من اختيار رئيس وزراء يمكن أن يكون محسوباً على واشنطن، فيما استهدفت شركات نفط أمريكية جنوبي العراق.

خلفية الانسحاب

واعتبر مراقبون أن توالي الانسحابات من قبل التحالف الدولي في العراق يثير الغموض حول مصير هذه القوات، فالأحزاب الشيعية التي دفعت البرلمان لإقرار قانون يفرض على الحكومة المطالبة بسحب القوات الأجنبية في أعقاب مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني، ورئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، في غارة أمريكية قرب مطار بغداد الدولي، في 3  يناير الماضي، في أعقاب هجمات استهدفت القوات الأمريكية في العراق، تؤكد أن العملية تأتي في إطار انسحاب شامل تحقيقاً لمطالبها، فيما تقول قوات التحالف: إن ذلك يأتي ضمن عملية إعادة انتشار.

وقالت، في بيان: إن انسحاب قواتها تم “وفقاً لالتزام التحالف الدولي بإعادة المواقع التي كان يشغلها ضمن القواعد والمعسكرات العراقية، وبناء على نتائج الحوارات المثمرة بين الحكومة العراقية والتحالف الدولي”.

وأشارت إلى أن “الانسحابات جاءت على خلفية انتشار وباء كورونا في العراق والعالم، وفي إطار إعادة نشر القوات في أقل عدد من القواعد، لتأمين حمايتها من هجمات محتملة”.

وكانت قواعد قوات التحالف والسفارة الأمريكية تعرضت لأكثر من 20 هجوماً منذ شهر أكتوبر الماضي، وحملت الولايات المتحدة كتائب حزب الله العراقي المسؤولية عن الهجمات.

الخبير العسكري أسعد إسماعيل شهاب، يرى أن هناك مؤشرات تؤكد أن الانسحابات التي ينفذها التحالف الدولي في العراق هي إعادة انتشار وليس تركاً للساحة بشكل نهائي.

وأضاف، في حديثه لـ”المجتمع”، أن نصب القوات الأمريكية منظومة صواريخ باتريوت الدفاعية، في قاعدة الأسد غربي العراق، أهم مؤشر على أن هذه القوات باقية وتعزز مواقعها.

وتابع: لا يمكن منطقياً أن تصدق أن هذه القوات تخطط للانسحاب النهائي، فيما هي تقوم بنصب منظومات دفاعية متطورة ومعقدة لتعزيز مواقعها، مشيراً إلى أن منظومة “الباتريوت” نصبت على عجل لحماية قاعدة الأسد من الهجمات الصاروخية التي تقوم بها الفصائل الموالية لإيران.

واعتبر المدرس السابق في كلية أركان الحرب العراقية أن هناك اتفاقية أمنية وقعتها واشنطن مع الحكومة العراقية عام 2014، وهي تتح للقوات الأمريكية البقاء، بهدف مساعدة العراق على محاربة “تنظيم الدولة”.

استهداف شركات أمريكية

في هذه الأثناء، تعرضت مواقع نفط عراقية بمحافظة البصرة تابعة لشركة “هاليبرتون” الأمريكية لهجوم بواسطة صواريخ الكاتيوشا، ولم يسفر الهجوم الذي وقع، أول أمس الإثنين، سوى عن أضرار مادية بمحيط مقر الشركة.

وقالت وزارة النفط العراقية، في بيان: إن هذا الحادث فعل إجرامي ما هو إلا استهداف واضح لأرواح العاملين في القطاع النفطي، ويعكس في الوقت ذاته المحاولات اليائسة لتعطيل العمليات النفطية التي تمثل عصب الاقتصاد الوطني.

وأضافت: إذ تدين وتستنكر وزارة النفط هذه الأفعال الإجرامية التي لا ترى فيها أي مبرر، خصوصاً في هذا الظرف العصيب الذي تواجهه البشرية جمعاء، والمتمثل بتفشي وباء فيروس كورونا وآثاره الوخيمة على الاقتصاد العالمي، ومنها تدني أسعار النفط وما تمثله من تهديد للاقتصاد الوطني ولحياة العراقيين، فإنها تناشد في الوقت ذاته الأجهزة الأمنية كافة بحث الخطى من أجل الكشف عن الجناة وتقديمهم إلى القضاء.

الهجوم جاء بعد يومين من تهديد 8 فصائل عراقية مسلحة، مقربة من إيران، باستهداف القوات الأميركية واعتبارها قوات احتلال، وقالت كتائب حزب الله، العراقية: إن السفارة الأمريكية تحت “مرمى صواريخنا”.

تهديد للوسط السياسي

ولم يقتصر تهديد الفصائل المسلحة على استهداف القواعد العسكرية التي يتواجد فيها الأمريكيون، بل تعداه إلى التهديد باستهداف أي رئيس حكومة يتم تعيينه لا يتوافق مع معايير حددتها سابقاً.

وقالت كتائب حزب الله: لقد وضعنا شروطاً ومواصفات لأي مرشح لرئاسة الوزراء، ولن نسمح بتمرير أي شخصية لا تنطبق عليها تلك الشروط.

وتابعت، في بيانها، أنه سيكون لنا موقف واضح وحازم تجاه محاولات فرض حكومة تحمل توجهات مريبة وتمثل تهديداً للقضايا الكبرى، في إشارة إلى حكومة رئيس الوزراء المكلف عدنان الزرفي، الذي تتهمه الفصائل الموالية لإيران بالعمالة لأمريكا.

وأضافت أن التعقيدات التي تمر بها العملية السياسية اليوم ناتجة عن التجاوز المقصود من قبل رئيس الجمهورية برهم صالح على حق الأغلبية بترشيح رئيس للحكومة.

وتعقد القوى الشيعة العراقية اجتماعات ماراثونية منذ أيام؛ سعياً للوصول إلى توافق بينها على مرشح يحل محل الزرفي، وقد رشحت أنباء عن اتفاقها على تسمية مصطفى الكاظمي، مدير المخابرات العراقية، ليكون بديلاً عن الزرفي.

الصحفي العراقي حسين الكعبي أكد أن كتلة النصر، التي يتزعمها رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي، شذت عن الإجماع الشيعي، وواصلت دعمها لترشح الزرفي.

واستدرك الكعبي، في حديثه لـ”المجتمع”، أن موقف كتلة سائرون بزعامة مقتدى الصدر لا يزال يتسم بالغموض، ويخشى الفرقاء السياسيون من أن يمضي الصدر في دعم الزرفي، وهو ما يعني حصول حكومته على ثقة البرلمان في ظل تأييد السُّنة والأكراد لترشحه.

وختم الكعبي حديثه بالقول: إن فصائل مسلحة في الحشد الشعبي تعتبر الزرفي عميلاً للولايات المتحدة، وترى في ترؤسه للحكومة حرباً ضروساً ضد ما تعتبره محور الممانعة الذي يضم سورية ولبنان، إلى جانب طهران.

يشار إلى أن وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، كشف في لقاء صحفي عن أن البيت الأبيض يريد فتح حوار إستراتيجي مع العراق في منتصف يونيو المقبل.

وتحدث عن أهمية التزام الحكم في بغداد بعملية الإصلاح اللازمة لبناء عراق مستقل، يبتعد عن النمط الطائفي الذي أدى إلى الفساد والإرهاب.

وأضاف بومبيو أن الحوار يجب أن ينهض على أساس مثل هذه المعايير التي نريدها للدخول في حوار إستراتيجي مع العراق لمواجهة العنف والتهديدات التي قد تأتي بها عودة الإرهاب.

Exit mobile version