تونس في زمن كورونا.. كيلوان من الدقيق لكل عائلة!

ظلت طوابير المواطنين أمام بعض المحلات بالوسط التونسي حتى ساعة متأخرة من مساء أمس الثلاثاء تنتظر دورها للحصول على كمية من الدقيق لا تزيد على كيلوين لكل عائلة، وبعضهم عاد غاضباً إلى البيت بسبب مشادات مع صاحب محل التوزيع أو أحد المنتظرين لدورهم في التزوّد بالدقيق، حالة تعكس الوضع الاجتماعي والاقتصادي الذي تعيشه تونس وبالأخص عامة الشعب في هذه الأيام العصيبة التي يحصد فيها فيروس كورونا ضحايا جدداً كل يوم، وقد تجاوز عددهم في البلاد العشرين.

تداعيات الوضع الاقتصادي

إغلاق المدن وفرض الحجر الصحي الشامل كانت له آثاره على الوضع الاقتصادي، وقال المدير التنفيذي للمعهد العربي لرؤساء المؤسسات مجدي حسن لـ”المجتمع”: إن 61% من مواطن الشغل مهددة في تونس بسبب كورونا، وفق ما خلصت إليه دراسة حديثة للمعهد.

وأضاف حسن أن 81% من المؤسسات التونسية تضررت بسبب فيروس كورونا وفرض الحجر الصحي الشامل في البلاد، واعتبر أن الأزمة قد تتواصل حتى بعد رفع الحظر في حال تواصل الكساد الاقتصادي، مشيراً إلى أن هذه الأزمة عالمية.

وذكر المدير التنفيذي للمعهد العربي لرؤساء المؤسسات أن الدراسة توصلت أيضاً إلى أن ما يعادل 80% من المؤسسات التونسية تعتزم صرف الرواتب كاملة لموظفيها موزّعة على نسب متفاوتة، منها 44% فقط من المؤسسات الصغرى تنوي صرف الرواتب كاملة لموظفيها و86% في المؤسسات المتوسطة، و93% من المؤسسات الكبرى.

ما سيأتي أعظم

في هذا الإطار، رجّح الخبير الاقتصادي وزير التجارة السابق محسن حسن تضرر عديد القطاعات الاقتصادية في تونس بمفعول الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية الناجمة عن انتشار وباء كورونا، وذلك بسبب انفتاح الاقتصاد الوطني على الخارج بنسبة مهمة وضعف صلابته، إضافة إلى التأثيرات الاقتصادية والمالية على تونس متعددة الأوجه، بالنسبة للمالية العمومية.

ودوّن حسن على حسابه بـ”فيسبوك”: إنّ انفتاح الاقتصاد التونسي على الخارج بنسبة مهمة وخاصة على الفضاء الأوروبي الذي دخل في مرحلة الركود الاقتصادي والانهيار المالي سيكون له تداعيات سلبية على العديد من القطاعات، خاصة في ظلّ “ضعف صلابة الاقتصاد الوطني وهشاشته”، وهو ما يحد من قدرته على تقبل الصدمات الخارجية، وفق تقديره.

بالنسبة للمالية العمومية، توقع حسن أن يؤدي تراجع وتيرة النشاط الاقتصادي إلى تراجع موارد الدولة المتأتية من الجباية ومعلوم الديوانية (الجمارك)، بالإضافة إلى صعوبة توفير التمويلات الخارجية المبرمجة في قانون المالية لسنة 2020 والمقدرة بـ9 مليارات دينار نظراً لشح السيولة على مستوى الأسواق المالية العالمية، ولتوجيه الجزء الأكبر من الموارد المتاحة للمؤسسات المالية العالمية لدعم الدول المتضررة من أزمة كورونا بعد أن تحولت الأزمة الصحية في الصين إلى أزمة اقتصادية ثم مالية عالمية.

وتوقّع الخبير الاقتصادي أن تشمل التداعيات السلبية للأزمة، إضافة إلى السياحة والنقل والصناعات التقليدية والتجارة الخارجية، الصناعات التصديرية كالنسيج وصناعة مكونات السيارات والصناعات الميكانيكية والكهربائية، معتبراً أنّها ستكون الأشد تضرراً خاصة في ظل انتشار الوباء في إيطاليا وألمانيا والصين، باعتبار أنّ المبادلات التجارية لتونس مع هذه البلدان تبلغ 60% من مجموع المبادلات التجارية مع الخارج.

تواصل عمليات الهجرة السرية

إذا كان الموظفون والعمال في المؤسسات الرسمية قد تم ضمان رواتبهم حتى هذه اللحظة رغم اختلال قيمة الإنتاج والمردودية، وعددهم لا يتجاوز المليون موظف، فإن الموظفين والعمال في القطاع الخاص أصبحوا حالات اجتماعية وعدت الدولة التونسية بصرف منح لهم تبلغ خُمس ما كانوا يحصلون عليه في السابق، وهو وضع لا تفي كلمات الوصف التعبير عنه، علاوة على نحو مليون عاطل عن العمل قد لا تفيد بعض الحلول الاجتماعية في سد حاجياتهم؛ وهو ما دفع العشرات من الشباب إلى استئناف رحلات الهجرة إلى الشمال الأوروبي، رغم الكوارث الناجمة عن كورونا في كل من إيطاليا وإسبانيا على وجه الخصوص، فقد تواصلت الهجرة غير النظامية في الثلاثية الأولى من عام 2020، رغم انتشار وباء “كورونا” في كل من إيطاليا وإسبانيا، إذ بلغ عدد ضحايا فيروس “كوفيد 19” في إيطاليا قرابة 16 ألف ضحية في الأسبوع الأول من أبريل 2020، وهذا الرقم هو الأعلى في العالم، أما في إسبانيا فقد فاق العدد 13 ألف ضحية في نفس الفترة من السنة.

ورغم ذلك، تم تسجيل وصول 98 تونسياً إلى السواحل الإيطالية بطريقة غير نظامية في الفترة الممتدة من يناير إلى مارس 2020.

إلى جانب إحباط 47 عملية اجتياز للحدود البحرية، وتم إيقاف 1037 مهاجراً؛ منهم 483 تونسياً، و487 مهاجراً من جنسيات أفريقية.

وقد يشهد الوضع تعقيداً من نوع آخر خاصة إذا ما انتشر فيروس “كورونا” في تونس لا قدر الله، حينذاك قد يصبح الهروب من الوباء أحد أهمّ الأسباب للهجرة غير النظامية.

إجراءات حكومية

لمواجهة تداعيات جائحة كورونا، أعلن رئيس الوزراء التونسي إلياس الفخفاخ، في وقت سابق، عن حزمة إجراءات استثنائية تبلغ كلفتها ملياري ونصف المليار دينار (850 مليون دولار) تهدف إلى حماية الأفراد والمؤسسات من أجل التخفيف من التأثيرات السلبية لتفشي وباء كورونا.

وأنه من أجل تحقيق هذه الأهداف قررنا الإجراءات الاستثنائية التالية التي تناهز كلفتها 2500 مليون دينار، وذلك للمحافظة على مواطن العمل وضمان تواصل الدخل للعمال والأجراء والموظفين وتخفيف العبء المالي عليهم:

وأنه تم فتح خط تمويل بقيمة 300 مليون دينار كمساعدات لفائدة العمّال المحالين على البطالة الفنية.

وتخصيص اعتمادات مالية استثنائية بقيمة 150 مليون دينار لفائدة الفئات الهشة ومحدودي الدخل والفئات ذات الاحتياجات الخاصة.

إضافة إلى تأجيل خلاص أقساط القروض البنكية لمدة 6 أشهر بالنسبة للذين لا يتجاوز دخلهم الشهري ألف دينار.

وبالنسبة للمؤسّسات الاقتصادية وخاصة المؤسّسات الصّغرى والمتوسّطة وأصحاب المهن الحرّة، تقرر تأجيل دفع الأداءات لمدة 3 أشهر ابتداء من أول أبريل.

إضافة إلى تأجيل دفع المساهمة في الضمان الاجتماعي للثلاثية الثانية لمدة 3 أشهر.

وتأجيل خلاص أقساط الديون البنكية والمؤسسات المالية لمدة 6 أشهر.

علاوة على جدولة الديون الجبائية والديوانية لمدة 7 سنوات.

ووضع خط ضمان بقيمة 500 مليون دينار لتمكين المؤسسات من قروض جديدة للتصرف والأشغال.

مع تمكين المعنيين بهذه الإجراءات من استرجاع فائض الأداء على القيمة المضافة في أجل أقصاه شهر.

ولا يعرف ما إذا كانت هذه الإجراءات ستصمد كثيراً إذا ما استمرت الأزمة بسبب كورونا لا سيما في وقت أعلن فيه وزير الصحة التونسي عبداللطيف المكي أن كورونا قد يطول زمنه وقد يبلغ السنة.

Exit mobile version