آياتٌ تتوالى وتتعاقب

آياتٌ تتوالى وتتعاقب من الله عزَّ وجلَّ، لتحرِّك النُّفوس، وتهزَّ الأرواح، بعد أن أخذت الدنيا بمجامع القلوب، فقست وتحجَّرت، واستشرى الفكر الرأسمالي، وطغت المادية على مفاصل الحياة، فكان لا بدَّ من وقفة مع النفس لأخذ العبرة والعظة من فيروس صغير حيَّر العالم، وأوقف تحركات الشعوب، وحجر الناس في بيوتهم، ولنتدبر وننظر ونفكر في هذا الوباء ومسبباته، وما ينبغي أن نقوم به، فالله سبحانه وتعالى لا ينزل البلاء إلا لأسباب، فقد قال سبحانه: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (الأنعام: 42، 43)؛ أي لعلهم يدعون الله تعالى ويتضرعون إليه، ويخشعون تحت وطأة هذا البلاء، حتى يكتشفوا ما قصروا فيه في حقِّ الله سبحانه وتعالى، وهذا فعل الحكماء والمؤمنين، ومن ينشد أن يخرج من البلاء بأفضل مما كان عليه، وذلك لمن كان له قلب كما قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} (ق: 37).

إخواني.. دعوة لأن نتفكر ونتدبر في العظات التي تكشَّفت وتتكشف يومياً، والدروس التي يجب أن نلتقطها، ونضع لها أسساً في حياتنا على المستوى الفردي والحكومي والمجتمعي والمؤسساتي، وفي كلِّ المجالات، حتى نكون ممن ينتفع من هذا البلاء، فالمؤمن إذا جاءته سراء شكر فكان خيراً له، وإذا جاءته ضرَّاء صبر فكان خيراً له.

إخواني.. هنا العديد من الدروس المستفادة من هذا البلاء، ومنها: اجتناب الظلم والبغي، فهما يستجلبان البلاء، والعذاب والهلاك، وقد قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} (القصص: 59)، لذا ينبغي أن نقوم بترسيخ العدالة في تصرفاتنا الفردية والوظيفية، وفي الأجهزة والمؤسسات، وأن يتحول العدل إلى مبدأ وسلوك يُمارس على كلِّ المستويات.

أما الدرس الثاني: فيتمثل في ضرورة الإصلاح في جميع الميادين، فقد قال تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} (هود: 117)؛ أي يتصالحون فيما بينهم ويحققون العدالة، ويجعلون أمورهم فيما بينهم تقوم على الإصلاح المجتمعي، فالإصلاح ليس شعاراً، بل قاعدة، فينبغي أن نرسِّخ إجراءات الإصلاح فعلياً على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والأخلاقي والإداري، ويكون قاعدة توجه كلَّ الإجراءات والسلوكيات في كلِّ الجوانب الحياتية.

أما الدرس الثالث الذي نستفيده من انتشار فيروس كورونا: فيتمثل في أنَّ الأزمة الحالية قد كشفت عن أن الأوفياء لوطنهم هم من يتقدمون الصفوف، فقد رأينا المؤسسات الصحية والأمنية والمجتمعية والخيرية والحكومية تبذل كلَّ طاقاتها لحماية المجتمع وتوعيته، لذا يجب تقديم القوي الأمين الصادق في وطنيته الذي يتحمل المسؤولية، ويجعل وطنه ودينه أمام عينيه، والتخلي عن المشاهير التوافه الذين يتكسبون من هذه الأزمة، فميزان القدوة ينبغي أن يتغير ليتقدم إلى الاقتداء هؤلاء الأوفياء.

أما الدرس الرابع: فيتمثل في أنَّ هذه الأزمة أظهرت المعدن الأصيل لأهل الكويت، فهناك آلاف الشاب والفتيات تقدموا متطوعين لخدمة الكويت في هذه الأوضاع، وأظهرت أثر عمل الخير في المجتمع الكويتي في البذل والعطاء، وهذا متأصل فيه، فعمل الخير في الكويت من قرون، وشعارنا في هذا المقام {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (الفاتحة: 77)، وهذا العمل ينطلق لدينا نحن المسلمين من القاعدة الإيمانية، وهي احتساب الأجر من الله عزَّ وجلَّ، فقد نشترك في المعنى الإنساني مع كافة شعوب الأرض، لكننا نتميز بأنَّ الإنسانية والعمل الخيري ينطلقان من قاعدة الإيمان بالله عزَّ وجلَّ والاحتساب.

وختاماً؛ فإنَّ هذا البلاء سيُرفع بإذن الله بصدقكم وإخلاصكم، وببركة العمل الخيري الذي تقومون به، فصنائع المعروف تقي مصارع السوء، ولكن عليكم الاقتراب من الله تعالى، والتعاون والتكاتف والالتزام بالقرارات والتعليمات الوقائية حتى تكتمل منظومة الوقاية والحماية.

 

 

___________________________________________

(*) نائب رئيس مجلس الإدارة والأمين العام في جمعية الرحمة العالمية.

Exit mobile version