“كورونا” يهدد مليوناً ونصف مليون عراقي يعيشون في مخيمات النزوح بسبب تردي الخدمات

لا يزال مليون ونصف مليون عراقي يعيشون في مخيمات النزوح، في أنحاء مختلفة من بلادهم، رغم مرور أكثر من عامين على إعلان الحكومة هزيمة “تنظيم الدولة” (داعش)، وتحرير كامل الأراضي التي سيطر عليها عام 2014، فإن هذا لم يساهم في تحسين أوضاع من نزحوا فراراً من الحرب، ومنع عودتهم إلى مدنهم وقراهم المنكوبة الفساد والصراعات السياسية، إلى جانب التدهور الأمني والخدمي والمعيشي.

وقد حذرت منظمات محلية ودولية من مخاطر تردي الخدمات في المخيمات، بعد انتشار فيروس كورونا في أرجاء العراق، حيث تعد هذه المخيمات خاصرة رخوة للنظام الصحي العراقي، الذي يكافح بصعوبة في مواجهة انتشار الوباء، ويحذر النشطاء من تحول هذه المخيمات إلى بؤرة للوباء الذي قد ينتشر منها بشكل واسع.

السلطة تقر المخاوف

وقد أقرت السلطات العراقية بهذه المخاوف، على لسان عضو خلية الأزمة في مجلس النواب العراقي (البرلمان) غيداء كمبش، حيث اعترفت بتفاقم معاناة النازحين الصحية والإنسانية داخل مخيمات النزوح في المحافظات المنكوبة وإقليم كردستان شمال العراق.

وقالت النائبة، أمس الإثنين، في تصريح صحفي: إن مخيمات النازحين التي لا تزال تضم آلاف الأسر أغلبها من الأطفال والنساء، في المحافظات المحررة وإقليم كردستان، تعاني من وضع إنساني صعب جداً، خاصة مع دخول حظر التجوال أسبوعه الثالث.

وطالبت كمبش النائبة عن محافظة ديالى، التي تحوي أربعة مخيمات، الحكومة العراقية بـ”ضرورة دعم هذه المخيمات في ظل الظروف الاستثنائية الراهنة لتفادي أزمة إنسانية، خاصة، وأن 80% من العائلات التي تعيش في تلك المخيمات تعيش تحت خط الفقر”.

وفي ذات السياق، عبر رئيس لجنة الهجرة والمهجرين في البرلمان رعد الدهلكي عن قلقه إزاء الأوضاع الصحية التي تمر بها البلاد، ومخاطرها على تجمعات النازحين ومساكنهم، التي تفتقر لأبسط المقومات الصحية.

وقال الدهلكي: إن لجنة الهجرة والمهجرين تشعر بقلق كبير من إجراءات الحكومة تجاه النازحين، وعدم توفيرها المعقمات ووسائل الوقاية الصحية، مشيراً إلى أن الحكومة عاجزة عن إيجاد حل نهائي لملف النازحين.

وأضاف: أن الخطر الصحي المحدق بالنازحين يتطلب تدخلاً عاجلاً من الجميع، فتركهم يواجهون مصيرهم وحدهم كارثة إنسانية.

وطالب الدهلكي الحكومة بضرورة العمل على إعادة النازحين إلى مناطقهم قبل وقوع الكارثة الصحية، معتبراً أن ما يعيق تحقيق هذا الأمر أجندات سياسية وحزبية لجهات لا مصلحة لها بعودة النازحين، دون أن يسمي تلك الجهات.

المخيمات سجن كبير

عضو اللجنة العليا لحقوق الإنسان العراقية، حاتم الشيخلي، وصف مخيمات النازحين في العراق بالسجن الكبير، الذي يغذي الفقر والمرض والجوع في البلاد.

وقال الشيخلي، في حديثه لـ”المجتمع”: إن مخيمات النازحين تفتقر للبنى التحتية الصحية، التي تتعامل مع آدمية الإنسان بما يليق به في بلد نفطي مثل العراق، وفي ظل انتشار فيروس كورونا باتت هذه المخيمات مؤهلة لأن تكون بؤرة خطيرة للوباء.

وأضاف أن انتشار المرض في المخيمات سيتحول إلى كارثة إنسانية تلحق كل المجتمع العراقي، لأن مخيمات النزوح تنتشر على مساحة واسعة من جغرافيا العراق، مشيراً إلى أن الفرق الحقوقية رصدت المخيمات في أغلب المحافظات العراقية، ووثقت وجود تقصير حكومي فيما يخص التعقيم والتعفير.

الشيخلي تابع حديثه بالقول: إن الجوع والفقر عاملان إضافيان يهددان ساكني المخيمات، فبعد فرض حضر التجوال في المحافظات، انقطعت أرزاق الغالبية منهم الذين يعيشون ويعتمدون في حياتهم على الأجور التي يتقاضونها من أعمالهم اليومية، إلى جانب تراجع من إدارة المخيمات في تقديم الخدمات الغذائية والطبية.

وكان رئيس الوزراء المكلف بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة، عدنان الزرفي، قال في تغريدة نشرها على موقع التدوينات القصيرة “تويتر”: إن الحياة في المخيمات مأساة يجب أن تنتهي، وقد دعوت وزير الهجرة والمهجرين اليوم لمعالجة أوضاع النازحين، إذ لا نقبل أن يعيش أهلنا في المخيمات، فهدفنا هو إغلاق جميع المخيمات وإعادة النازحين إلى ديارهم معززين مكرمين في غضون الفترة الانتقالية القادمة.

مناشدات ميدانية

وقد ناشد بعض ساكني المخيمات العراقية حكومة بلادهم النظر في أوضاعهم الإنسانية الصعبة، ورصدت “المجتمع” من بعض المخيمات في محافظتي ديالى (شرق)، وأربيل (شمال)، جانباً من هذه المطالب والمناشدات.

وقال عبدالله السلامي (55 عاماً)، من مخيم “معسكر سعد” في ديالى: أطالب الحكومة العراقية أن تنظر في أوضاعنا المأساوية، فأنا نزحت عام 2014 من قريتي بسبب الحرب على “داعش”، ولا أستطيع العودة إليها رغم تحريرها بسبب تهديد المليشيات التي تتهمنا بمناصرة التنظيم.

وأضاف السلامي: بقاؤنا في المخيمات طوال السنوات الماضية، بعيداً عن منازلنا أخطر من انتشار فيروس كورونا الذي يهدد حياتنا اليوم، بسبب الإهمال وعدم وجود الرعاية الصحية.

جاسم العبيدي (45 عاماً) من سكان مخيم “بحركة” في أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق، ناشد وزارة الصحة العراقية بتقديم الدعم والرعاية لنازحي المخيم، في ظل تهالك البنية التحتية والصحية التي تهدد بانتشار الأوبئة.

وقال العبيدي الذي نزح من مدينة الموصل مع أسرته عام 2014: إن المخيم يعاني قبل انتشار كورونا من انتشار الأمراض الجلدية، ومن حالات الإسهال خصوصاً بين الأطفال بسبب عدم توافر مياه نقية للشرب، منوهاً إلى أن عدم التعقيم ونشر التوعية بين سكان المخيم يهددان اليوم بانتشار الفيروس بشكل لا يمكن السيطرة عليه.

جدير بالذكر أن رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر تحدث في 4 فبراير الماضي، بعد زيارة استغرقت أربعة أيام شملت الموصل وبغداد وأربيل، عن أن إعادة بناء النسيج الاجتماعي العراقي هو حجر الزاوية لضمان تجاوز ما حمله الماضي له من عنف.

ونقل عنه موقع الهلال الأحمر الرسمي قوله: إن هناك تحديات جسيمة لا تزال تواجهها المجتمعات في جميع أرجاء العراق، بما في ذلك الحقيقة المتمثلة في أن 1.5 مليون شخص لا يزالون نازحين داخل البلاد، إذ يعيش ما يقرب من شخص واحد من كل ثلاثة أشخاص في المخيمات.

وتابع: إذا كان للعراق أن يعود إلى النهوض على قدميه من جديد، فمن الواجب على المجتمع أن يتحرك نحو المصالحة، ويلزم في إطار تلك العملية، ضمان عمليات العودة الطوعية والآمنة دون تمييز لجميع النازحين العراقيين الذين تحدوهم آمال العودة إلى ديارهم.

Exit mobile version