لمواجهة آثار تفشي جائحة كورونا المستجد التي تعصف بالعالم برمته، أطلقت الملكة المغربية بأمر من الملك محمد السادس مبادرة إنشاء صندوق تضامني بقيمة 10 ملايير درهم، وربطه بحساب بنكي خاص.
ومنذ الساعات الأولى لهذه المبادرة، سارع عدد من رجال الأعمال والشركات الكبرى والمتوسطة والصغيرة والخواص وعموم المواطنين إلى تسجيل تبرعاتهم فاقت في اليوم الأول المبلغ المعلن عنه بكثير، قبل أن تستمر التبرعات عبر إرسال رسائل قصيرة بمبلغ 10 دراهم لكل رسالة.
وساهم في الصندوق أيضا مستشارو الملك ووزراء في الحكومة وبرلمانيون ورؤساء مؤسسات دستورية وغيرهم في مختلف القطاعات العمومية وشبه العمومية.
ودعت أحزاب وهيئات نقابية ومدنية وحقوقية مغربية إلى تفعيل وتسريع صرف المساعدات الاجتماعية المرتبطة بالصناديق الوطنية ذات الصبغة التضامنية والتكافلية.
وثمنت كل التدابير لمساندة القطاعات المتضررة بانتشار فيروس كورونا المستجد، وإجراءات الحفاظ على مناصب الشغل والتخفيف من التداعيات الاجتماعية لهذه الأزمة.
وقال المحلل السياسي المغربي ذ.حسن بويخف إن الوضعية التي يعيشها المغرب من جديد مثال لما هو معروف عن المغاربة من تجدر قيم التضامن والتكافل.
وأضاف في تصريح لمجلة المجتمع أنه مند الوهلة الأولى أخذت الأصوات ترتفع للتعبير عن الاستعداد للتضحية بالغالي والنفيس في سبيل المصلحة العامة.
وأبرز أن الحس التضامني اتخذ أشكالا عدة لعل أبرزها مظاهر التنظيم التلقائي أمام الصيدليات ومحلات البيع، وهذا السلوك قبل أن يكون تنظيميا واحترازيا فهو تضامني يضمن حق الجميع في الحصول على الضروريات.
لكن المحطة الكبرى التي عبر فيها المغاربة عن عمق قيم التضامن فيهم، يوضح المتحدث ذاته، هي الإعلان عن الصندوق الخاص بتدبير جائحة كورونا، حيث عمت موجة واسعة من المطالبة بإعلان رقم الحساب الخاص بالصندوق، ولما أعلن انخرط المواطنون في التبرع للصندوق والمطالبة بذلك.
وأشار الأستاذ بويخف إلى أن هناك مواطنون بادروا إلى تقديم المساعدة المالية والعينية للفقراء والمحتاجين، كما أعلن العديد من المشغلين في المهن الحرة أنهم لن يطردوا مستخدميهم من العمل، وأنهم بعكس ذلك سوف يؤدوا لهم أجورهم كاملة، وهناك من الملاك من أعفى مكتري محلاتهم من واجبات الكراء تضامنا معهم في هذه الظرفية الصعبة، وهكذا تجد قيم التضامن محطة للانتعاش العملي من جديد.
بدوره قال الداعية المغربي حماد القباج إنه بالرجوع إلى التاريخ والتأمل في الواقع، ندرك أن المغاربة اشتهروا بطباع التضامن عند الشدائد، مبرزا أن ذلك ينبع من طبيعتهم المسالمة، والتي تؤثر النجاة من الأخطار عوض التصارع والعنف، وأيضا إلى تشبعهم بقيم الإسلام الحنيف، والذي يترك أثره العميق على المغاربة بشكل ملفت.
وأضاف في تصريح لمجلة المجتمع أن المغرب في تاريخه المعاصر انفتح بشكل كبير على كل وسائل العمل التطوعي، واجتهاد المجتمع المدني في أعمال الخير والبر، ليتأكد عمق قيم التسامح بالموازاة مع المنحنى المؤسساتي الذي وجد امتدادا وحضورا وقويا في المجتمع.
وأوضح أن المغاربة يضعون جانبا في مثل هذه الظرفية كل خلافاتهم وتخف تقاطباتهم، ويسعون إلى العمل المشترك، مما ينعكس على مظهرهم في العلاقة بين الفرقاء السياسيين.
وأشار إلى الدور الهام الذي يلعب الملك في المغرب من أجل توحيد الأطياف وتوحيدها في الظروف الصعبة لما فيه صالح الوطن والمواطنين، وهذا ما تجلى واضحا في مبادرة إنشاء صندوق لمكافحة تفشي وباء كورونا.
وفي سياق متصل حيى الدكتور الصيدلاني طارق غفلي كل الأطقم الصحية على ما يبذلونه من جهود كبيرة، وتجندهم الدائم لخدمة المصلحة العامة، ليس فقط لمواجهة جائحة كورونا ولكن للتكفل بجميع المرضى.
ودعا المتحدث ذاته إلى الاهتمام أكثر بالقطاع الصحي، وتشجيع البحث العلمي المرتبط بالصحة العمومية، وهو نوع من التضامن يظهر أثره البالغ أثناء الصدمات والفترات الاستثنائية.
ونوه الدكتور غفلي بما أبانه المغاربة بجميع فئاتهم المجتمعية من قيم التضامن كل حسب استطاعته وإمكانياته، كما لاحظ سيادة السلوكيات الجميلة خلال اقتناء الأدوية من الصيدليات أو في المحلات التجارية، مع اتخاذ جميع الاحتياطات اللازمة.
ومن المبادرات الجميلة قامت شركة للنسيج بتصنيع وتوزيع مجانا لأقنعة واقية معقمة لفائدة كل العاملين في هذه الظروف الاستثنائية من رجال الأمن، أطر الصحة والعاملين بالمحلات التجارية.
وعبر عدد من المشاهير في البلاد ومغتربون وفي قطاعات مختلفة عن عزمهم التكفل بأسر مغربية معوزة في ظل الظروف الصعبة التي يجتازها الجميع.
وفي ظل فرض حالة الطوارئ ومنع التجول وتعليق الحضور الصفي في المدارس، بادرت وزارة التربية الوطنية لإطلاق مبادرة التعليم عن بعد، ساهم فيها المعلمون والأساتذة سواء بالتواصل المباشر مع تلامذتهم، أو من خلال المنصات والمواقع التي أنشأتها وزارة التعليم في المغرب على الإنترنيت وفتحت الولوج إليها مجانا.
ومع إغلاق المطاعم والمقاهي والأماكن الرياضية والترفيهية، لم ينس المغاربة عدد من الفئات الهشة، حيث أطلقت مبادرات لقضاء أغراض المسنين والمرضى والعجزة وباقي الفئات.
وأشارت رئيسة جمعية مدنية في المغرب نسرين اللوزي أن لجميع المواطنين الحق في الحماية بمن فيهم المواطنين في وضعية الشارع.
وأضافت في تصريح لمجلة المجتمع أن متطوعين في الجمعية بادروا إلى إيصال الطعام إلى هذه الفئة، واقترحوا حلولا لإيوائهم وتقديم المعونة إليهم ومساعدة بعضهم إلى العودة إلى أسرهم.
بينما أشارت وزيرة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة جميلة المصلي، إلى إطلاق مبادرات بمجموعة من المدن المغربية، من خلال توفير فضاءات ومراكز لإيواء الأشخاص في وضعية الشارع، وذلك في إطار المساعدة الاجتماعية التي تقوم بها مؤسسة التعاون الوطني بتنسيق مع السلطات المحلية والجماعات الترابية وجمعيات المجتمع المدني المتخصصة.
وفي تعليقه على كل ذلك قال خالد الشرقاوي السموني مدير مركز الرباط للدراسات السياسية والإستراتيجية إن من آثار التضامن الاجتماعي شعور الفرد بأنه غير منفصل عن المجتمع و غير معزول عن الناس لوقوفهم إلى جانبه في السراء و الضراء، وتوثيق الصلات والعلاقات الأخوية، وتعزيز الروابط المجتمعية بين الناس وتقوية أواصر المحبة بينهم، وقوة تماسك المجتمع وتلاحمه وترابطه في مواجهة الأزمات و الكوارث.
وأضاف في تصريح لمجلة المجتمع أنه في ظل هذه الظروف الصعبة والاستثنائية، يحتاج المجتمع إلى إحياء ثقافة وسلوك التضامن الاجتماعي الأصيلة في ديننا وثقافتنا وتقاليدنا الاجتماعية، وهذا يقتضي المساهمة في توعية أفراد المجتمع و تأطيرهم لمواجهة هذه الظروف والتبرع بالمال في مساندة الجهود الوطنية المبذولة لمواجهة الأزمة التي تمر بها البلاد، انطلاقا من المسؤولية المجتمعية تجاه الدولة والمؤسسات التي تبذل جهودا كبيرة لاحتواء انتشار فيروس كورونا .