تونس.. نشطاء يتطوّعون في حرب “كورونا”

مبادرات تطوعية أطلقها مواطنون ونشطاء تونسيون لمعاضدة جهود السلطات في حربها على جائحة فيروس كورونا، التي روّعت العالم أجمع.

مجموعات أنشئت عبر مواقع التواصل، تهدف إلى “التوعية من مخاطر تفشي هذا الوباء والحدّ من انتشاره”، فيما ترمي أخرى لـ”المساهمة في رصد التجاوزات والتبليغ عنها على غرار ظاهرة الاحتكار التي طالت بالخصوص المواد الحياتية الأساسية بالتوازي مع أزمة كورونا”، وفق شهادات عدد من التونسيين والنشطاء.

فيما اختارت مجموعات أخرى “قيادة مبادرات للمشاركة في حملات تعقيم بعض الأماكن العامّة وتوزيع المساعدات”، وأخرى تحثّ التونسيين على “الالتزام بالحجر الصحّي العام، والبقاء في منازلهم توقّيا من مخاطر الوباء”.

** محاربة “وباء” الاحتكار

“بلغّ عن مجرمي الحرب المحتكرين”، مجموعة على “فيسبوك”، عرّفها باعثها الإعلامي والكاتب الصحفي التونسي منجي الخضراوي بأنها “مجموعة مدنية تضمّ إعلاميين وقضاة ومحامين وأمنيين ومواطنين، وتهدف لفضح المحتكرين والإبلاغ عنهم ومقاضاتهم بالتوازي مع أزمة كورونا”.

وفي حديث للأناضول، أضاف الخضراوي أن “الاحتكار موجود في تونس، وهو سلوك اقتصادي جرّاء نمط الإنتاج المعتمد.. المحتكرون يُعاقبون وفق قانون المجلة الجزائية (القانون الجزائي)، وهو قانون قديم يعود إلى عهد البايات ولا تتجاوز العقوبات الخطايا (الغرامات) المالية”.

وتابع: “منذ أزمة كورونا، وبعد وصف رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ في خطابه الأخير، المحتكرين بأنهم مجرمو حرب، قمنا ببعث هذه المجموعة، واتفقنا مع قضاة ومحامين على ضرورة الدفع من أجل أن يكون هناك أثر قانوني لما جاء في كلمة الفخفاخ”.

وأردف: “باعتبار أن الحكومة هي التي تحدد السياسة الجزائية العامة، نريد الانتقال من تسليط عقوبة الخطايا المالية إلى عقوبة مجرم الحرب التي تصل إلى 5 سنوات سجنا أو أكثر مع خطايا (غرامة) مالية تقدّر بمئات الآلاف من الدينارات”.

ولفت الخضراوي إلى أن”المجموعة الافتراضية التي يديرها تطوّعت لمعاينة مظاهر احتكار المواد الأساسية، ورفع القضايا (تقديم شكاوى) ومساعدة المواطنين مجانا”.

مضيفا: “أصبح لهذه المجموعة محامون متطوّعون في 24 ولاية (محافظة) يقومون بمعاينة حالات الاحتكار، وتقديم قضايا (شكاوى) ضدّ المحتكرين والاتصال بالقضاة لتطبيق القانون”.

وكشف الخضراوي أن “عمل هذه المجموعة كانت له نتائج إيجابية، في غضون 3 أيام من تأسيسها، حيث تم بفضل أعضائها إيقاف عدد من المحتكرين والمضاربين للمواد الأساسية والسلع في محافظات جندوبة (شمال غرب)، والقصرين (غرب)، وبن عروس (شمال)، والعاصمة تونس”.

وشدد على أن “هذه المجموعة غير خاضعة لأي مقاربة سياسية أو حزبية أو فكرية وهي مبنية على قاعدة المشترك الوطني الإنساني”.

** تضامن تلقائي

أما “متطوّعون من أجل تونس” على “فيسبوك”، فهي مجموعة للتنسيق والمساعدة في مكافحة وباء كورونا، وتضم نشطاء من المجتمع المدني وإعلاميين ومواطنين.

الباحث في علم الاجتماع والعضو الناشط بالمجموعة سامي نصر، يقول للأناضول، “ما جعلني أكون ناشطا وفاعلا في هذه المجموعة، ليس كمواطن فقط بل أيضا كباحث في علم الاجتماع، هو الدور الهام الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي خلال الأزمات”.

وأضاف نصر: “هذه المجموعات، اليوم، تخلق ما يمكن أن نسميه بالتضامن التلقائي خلال الأزمات، خاصة أنه لا يقف وراءها لا جمعية ولا حزب سياسي ولا شخصية سياسية، وهي تضم أشخاصا بدافع تلقائي، وأرقى الفترات التي تمر بها الشعوب في فترة الأزمات عندما يُخلق فيها هذا التضامن التلقائي”.

وشدّد نصر على أنه “مع أزمة الكورونا، أردنا خلق هذا التضامن التلقائي، اليوم فيسبوك أصبح قوة مؤثرة وفاعلة في حياة المواطن التونسي، لمن أراد تبليغ رسائل معيّنة والتأثير على الرأي العام.. لابد من استثمار هذا الموقع في هذا الإطار”.

ويعتبر نصر أن “مثل هذه المجموعات قادرة على المساهمة في إنقاذ الوضع الذي نحن فيه، عبر التوعية لتجنّب ما نراه من استهتار في التعاطي مع الأزمة، وهذا الاستهتار هو أكبر خطر يهدد البلاد اليوم نظرا لأن عملية انتشار الفيروس سريعة جدا، وإذا لم توجد قوة فاعلة مؤثرة فلن ننجز شيئا”.

ولفت الباحث في علم الاجتماع إلى أن “المجموعة مفتوحة لمواطنين من كل الفئات، وتضم أكثر من 65 ألف ناشطا، بينهم هدف مشترك يتمثّل في تحمل مسؤولية التوعية بخطورة هذا الفيروس، ونشر الوعي حول كيفية التصدّي لهذا الوباء والوقاية منه”.

ويضيف: “دور هذه المجموعة توعوي بالأساس للحثّ على الالتزام بالعزل الصحّي وتجنّب الاستهتار واللامبالاة بهذا الوباء الخطير”.

وحسب نصر، “أصبح لنشطاء داخل هذه المجموعة أنشطة ميدانية تطوّعية في علاقة بأزمة كورونا، مثل المشاركة في عمليات تعقيم لبعض الفضاءات العامّة، وتوزيع مساعدات، وغيرها”.

** “شدّ دارك” (ابق في بيتك)

عبد الجليل بن مبروك، ممرّض بوحدة صحيّة (تابعة لوزارة الصحة) لمكافحة وباء “كورونا”، بادر ببعث مجموعة عبر “فيسبوك” تحت اسم “شدّ دارك (ابق في بيتك)”، تضمّ ألفين و800 عضو.

يقول للأناضول: “هذه المجموعة الافتراضية هدفها حث الناس على ملازمة بيوتهم وعدم الاختلاط للحد من انتشار الفيروس ومحاولة حصره والقضاء عليه”.

ورأى أن “أهم خطة الآن هي تكثيف حملات التوعية للناس للالتزام بالحجر الصحّي حتى لا تصعب علينا مهمة القضاء على هذا الفيروس، نظرا لخطورته وسرعة تفشيه، خاصة وأنه إلى حدّ الآن لم يتم صناعة لقاح أو دواء لهذا الفيروس”.

وشدّد بن مبروك على “أهمية التوعية بالالتزام بالحجر الصحي العام الذي يعدّ الحل الوحيد والفعال لمقاومة الفيروس وعدم انتشاره، إلى جانب عدم الاحتكاك بأشخاص مصابين قادمين من دول موبوءة”.

ومنذ تسجيل أوّل إصابة بكورونا في تونس في 2 مارس/آذار الماضي، يتداول النشطاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي في تونس بشكل كبير، هاشتاڨ (وسم) “#شدّ_دارك (ابق في بيتك)”، في دعوة للمواطنين إلى ملازمة بيوتهم وتجنب الأماكن العامة المكتظة توقّيا من التقاط عدوى كورونا.

ومنذ 29 مارس/آذار الماضي، بدأ في تونس تطبيق حجر صحي شامل في كامل البلاد لمواجهة انتشار الفيروس.

وحتى الأحد، ارتفع عدد المصابين بالفيروس في تونس إلى 535، توفي منهم 19، وتماثل 5 للشفاء.

وإجمالاً، تجاوز عدد مصابي كورونا حول العالم مليونا و238 ألفا، توفي منهم أكثر من 67 ألفا، فيما تعافى ما يزيد على 255 ألفا، بحسب موقع “Worldometer”.

Exit mobile version