الإنسان على رأس أولوياتنا دون تمييز لعرق أو دين

 

 

 

تعتبر هيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات التركية، المعروفة اختصاراً بـ(IHH)، واحدة من أهم المنظمات الإنسانية في العالم، بسبب انتشار أنشطتها على رقعة جغرافية واسعة من قارات العالم، حيث تعمل في 130 دولة، وتقدم المعونة والدعم لمناطق الحروب والنزاعات والكوارث الطبيعية.

وتشمل عملياتها الإغاثية، ومساعداتها الإنسانية المحتاجين والمضطهدين والمظلومين والمتضررين والجوعى والمشردين في أنحاء شتى من العالم، وما يميزها عن سواها من المؤسسات الدولية، هو أنها تشمل بخدماتها الناس دون تمييز، أياً كان دينهم أو عرقهم أو لغتهم أو بلدهم انطلاقاً من مبدأ نشر وحماية حقوق الإنسان والحريات.

وللتعرف على هذه المنظمة الإنسانية الرائدة، كان لـ”المجتمع” هذا الحوار مع السيد عبدالله الطائي، منسق الدبلوماسية الإنسانية في هيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات التركية.

نظرة عامة

*شكرا جزيلا لكم سيدي الكريم على هذه الاستضافة الكريمة، ويشرفنا ظهوركم على صفحات مجلة المجتمع الكويتية.

هل لكم أن تعطونا نظرة عامة عن منظمتكم، متى تأسست وما الظروف التي أدت لوجودها؟

– بسم الله الرحمن الرحيم، وأهلاً ومرحبا بكم، ولدت فكرة المنظمة عندما ذهب فريق إغاثي تطوعي إلى البوسنة في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينات من القرن الماضي، وقدم مساعدات إنسانية للمحتاجين والمستضعفين هناك، حيث كان يعاني المسلمون من تداعيات الحرب، وبعد عودة الفريق إلى تركيا قرروا أن يشكلوا منظمة رسمية مسجلة لتقوم بجمع التبرعات وإيصال المساعدات بشكل رسمي، وكان هدفهم ألا تكون هذه المنظمة مثل قريناتها منظمة تقليدية، وبعد أن تم التسجيل عام ١٩٩٢ توسعت المنظمة سريعاً، وأصبحت تضم أقساما عديدة؛ هي:

١- الإغاثة الإنسانية ويشتمل على قسمين؛ الأول يوصل المعونات الإنسانية والسلال الغذائية..الخ إلى محتاجيها، والثاني قسم البحث والإنقاذ المختص بالوصول إلى الأشخاص في الأزمات والكوارث مثل الزلازل.

٢- المناصرة عبر فريق من المحامين الدوليين، يقوم بمتابعة انتهاكات حقوق الإنسان وملاحقة الجناة عبر المحاكم الدولية.

٣- الدبلوماسية الإنسانية وهو أحد أهم الأقسام الذي تتميز به منظمة (IHH).

*(IHH) منظمة تركية الجنسية، وكثيراً ما يرتبط اسمها لدى المتلقي العربي بالحكومة التركية.. هل يمكن توضيح العلاقة بين المنظمة والحكومة؟

– منظمتنا هي منظمة غير حكومية (NGO)، قرارها ينبع من مجلس إدارتها حصراً، اعتمدت رسمياً من الدوائر التركية الحكومية، وهي تلتزم بالقوانين التركية، كما تلتزم باقي مكاتبنا بقوانين الدول التي تتواجد فيها، ونتلقى الدعم من الشعب التركي مباشرة والمنظمات الدولية الأخرى، هناك تنسيق مشترك بين مكاتبنا والدوائر الحكومية المعنية في الدول التي نتواجد فيها، كما تهتم المنظمة باستقلاليتها عن الأحزاب السياسية والتيارات والجماعات بالإضافة إلى الحكومات، في نفس الوقت قمنا بمشاريع مشتركة مع المنظمات التابعة للدولة مثل، تيكا (TIKA)، وآفاد (AFAD).

*بما أنكم جزء من منظمات المجتمع المدني (NGO)، هل حصلتم على اعتراف أوربي أو أممي؟

– نعم لدينا شراكات مهمة مع الأمم المتحدة، وخاصة مجلس حقوق الإنسان في جنيف، وأنا وزملائي نمثل منظمتنا في الأمم المتحدة، وقد قمنا ببعض النشاطات؛ منها مشاركتنا الاستشارية في المجلس الاقتصادي والاجتماعي الأممي (ECOSOC)، بالإضافة إلى أن منظمتنا عضو مراقب للاجتماعات السنوية للاتحاد الدولي للصليب الأحمر والهلال الأحمر الدوليين، كما نحضر اجتماعات الاتحاد الأوربي في مجال حقوق الإنسان، ولدينا عمل مشترك مع منظمات الأمم المتحدة مثل اليونيسيف، ومنظمة الهجرة الدولية وغيرها، كما أننا شركاء في كثير من المنصات والاجتماعات للمنظمات الدولية مثل (OIC) (ICVA) (THF) (OICHF).

*هل لكم أن تعطونا فكرة عن أهم الأنشطة التي تعمل من خلالها المؤسسة؟ وهل اتجهت مؤخراً للعمل باتجاه المشاريع التنموية؟

– نحن نحرص في جميع أعمالنا ونشاطاتنا على تعزيز روح التكافل ومشاعر الأخوة في جميع أنحاء العالم، عبر ما نحققه من مشاريع اجتماعية وثقافية، وتجتهد المنظمة لتكون نموذجاً يُحتذى به لمؤسسات المجتمع المدني الناشطة في المناطق المنكوبة؛ عبر بناء المدارس ودور الأيتام والمشافي والجوامع، وإنشاء المراكز الصحية والثقافية، وحفر الآبار لخدمة السكان.

كما أننا عملنا على دعم وإضافة أقسام الزراعة إلى الجامعات التي تفتقدها في أفريقيا، وساهمنا في هذا المجال بدعم القطاع الزراعي بالدورات المهنية، لأننا نؤمن أن مساعدة الناس على استغلال مواردهم أفضل طريقة لتحقيق الرخاء والتنمية في بلدانهم.

أما في مناطق الطوارئ والحروب والكوارث، فنقدم الخدمات الطبية الميدانية، كتوزيع الأدوية ومعاينة المرضى وفحصهم، وتأمين الأجهزة الطبية الضرورية. كما ننظم دورات تعليمية تستهدف الفرق والكوادر الطبية العاملة في مختلف البلدان، وقد دعمت منظمتنا١٢٠ الف عملية العين للماء الأبيض.

كما تقوم المنظمة بإنشاء وترميم المدارس والمعاهد والمؤسسات التعليمية في المناطق التي تنتشر فيها الأمية، بالإضافة إلى توفير إمكانية التعليم العالي، في الجامعات التركية أو العالمية لأبناء مناطق الأزمات، هذا إلى جانب مشاريع أخرى في شتى المجالات، كتوفير المواد المرئية والمطبوعة، وإنشاء المراكز الثقافية ودور العبادة والمدارس، وتنظيم الدورات المهنية، وترجمة المؤلفات العلمية في كل منطقة حسب حاجتها.

*هل تقتصر أعمال المنظمة الإغاثية ونشاطاتها على المجتمعات المسلمة فقط؟

– لا تمارس المنظمة أثناء القيام بأعمالها ونشاطاتها أي تمييز بين الأديان أو اللغات أو الأعراق، فالإنسان هو على رأس أولوياتنا، لكن بالنظر إلى المناطق التي تشهد حروب ونزاعات اليوم نجد أن معظم سكانها تجمعات مسلمة، على سبيل المثال، عند إرسال المساعدات إلى أفريقيا إثر كارثة المجاعة، يتم التوزيع على المسلمين وعلى أولئك الذين ينتمون إلى الأديان والمعتقدات الأخرى دون تفريق، كما أن النشاطات الإغاثية التي أجريناها بسبب إعصار كاترينا في أمريكا، والزلازل الذي ضرب إيطاليا وهايتي واليابان والفلبين ونيبال تعتبر مثالاً على ذلك.

*الملف السوري أخذ حيزاً واسعاً من جهود منظمات الإغاثة حول العالم خصوصاً الإسلامية، لاشك أنكم الأقرب للملف ولكم جهود جبارة فيه، هل يمكن أن تختصر لنا مساهماتكم؟.

– تعرضت سوريا بعد اندلاع الحرب فيها لأزمة إنسانية وخيمة، فقد أدت الحرب التي استخدمت فيها شتى أنواع الأسلحة حتى الكيماوية منها والمحرمة دولياً، إلى مقتل الألاف، وتهجير 5 ملايين سوري خارج البلاد، وبات أكثر من 13 مليون ونصف من سكان سوريا في حاجة ماسة للمساعدات الإنسانية العاجلة.

لذلك تدير هيئة الإغاثة الإنسانية (IHH) نشاطاتها الإغاثية في سوريا عبر 10 مراكز تنسيق، وقد قامت حتى اليوم بإنشاء 6 ضواحي كونتينر، و27 مخيما يعيش في مجموعها أكثر من 150 ألف إنسان، وتوفير الغذاء من خلال 61 فرنا و30 مطبخا، وتأمين اللباس المجاني من خلال 35 مخزنا، وتوفير الرعاية الصحية عبر 14 مركزا طبيا، وبناء جامعة ودعم التدريس في 43 مدرسة، وإنشاء مدينة لرعاية 990 يتيما، وكفالة 10 آلاف يتيم شهرياً. 

*آخر مآسي السوريين في إدلب، التي نزح منها مليون سوري في ظروف سيئة جدا.. كيف تقيمون الوضع هناك؟

– الأوضاع في إدلب في تفاقم مستمر، وهناك تجاهل متعمد من قبل اللاعبين الأساسيين في سوريا للوضع الإنساني المزري فيها، نشهد الآن هدوء حذراً بعد أن كان القصف المدفعي والصاروخي لا يتوقف، وأود الإشارة إلى ما قاله حينها مسؤول تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة ينس لاركيه: “لم يبق مكان آمن في إدلب، القنابل تتساقط في كل مكان، وحتى الذين نجحوا في الفرار من أماكن القصف ليسوا بمأمن”.

هناك نقص كبير في المساعدات المقدمة إلى الشعب السوري، كما أن هناك مشكلة في الوصول للأماكن الساخنة، وهناك حاجة لأبسط مقومات الحياة الإنسانية، نتكلم عن ٣ ملايين مدني نصفهم من كبار السن والأطفال، نحتاج إلى تكاتف الجهود أكثر، وإلى عدم نسيان إخوتنا في الإنسانية داخل سوريا فهم بحاجة إلى وقفتنا اليوم.

*لفت نظري العنوان الذي تعمل تحته حضرتك في المنظمة “منسق الدبلوماسية الإنسانية”، لعله مفهوم جديد نسبياً على الساحة العربية.. هل لك أن توضح لنا ماهية هذه المهمة؟

– الدبلوماسية الإنسانية هي أن تقنع صانعي القرار بالعمل في جميع الأوقات، لصالح الأشخاص الضعفاء، والاحترام الكامل للمبادئ الإنسانية الأساسية على وجه تام، هذا التعريف معتمد لدى الاتحاد الدولي للصليب والهلال الأحمر.

المصطلح أُقر بعد الحرب العالمية الثانية، حيث تم تبادل الجرحى في برلين بين شقيها الشرقي والغربي، بعدها بدأ المصطلح يتطور أكثر على الساحة ويكتسب مجالات جديدة في ظل تراجع الدبلوماسية التقليدية في حل النزاعات، ناهيك عن ضعف بعض المؤسسات المعنية بهذا المجال وتزايد العنف ضد الأقليات، والحرب على الإرهاب بالإضافة إلى الإسلاموفوبيا.. كل هذه الأسباب وغيرها فتحت الطريق أمام الدبلوماسي الإنساني كي يحاول إقناع أصحاب القرار بأن يعملوا من أجل المستضعفين، نحن في مكتبنا لدينا أربع اتجاهات رئيسية:

أ – الوساطة أو التحكيم في قضية ما.

ب – إطلاق سراح أو تبادل المختطفين والأسرى.  

ج –  الممرات الإنسانية والهدنة.

د-  لم شمل العوائل التي فرقتها الحروب.

*إذًا الدبلوماسية الإنسانية لها بعد يتجاوز المفهوم المتعارف عليه في العمل الإغاثي، ويشمل التوسط في النزاعات وحل المشاكل العالقة.. فماذا حققتم في هذا المجال؟.

– كما أسلفت نحن نعتقد أن المساعدة لا تكون فقط في توزيع الغذاء، وإنما في استحصال الحقوق كذلك بالطرق القانونية والدولية المعتمدة، فالدبلوماسي الإنساني يحاول أن يحصل على حقوق المستضعفين في ظل شروط مختلفة ومعقدة، وكانت لدينا وساطات في ليبيا والعراق وأفريقيا وآسيا، أهمها ما تحقق في الفلبين، فبعد ٤٠ سنة من الاقتتال الداخلي، تمكنت (IHH) من قيادة جهود وساطة بين أطراف النزاع بقيادة السيد حسين أوروج، الذي أصبح عضوا مراقبا لعملية السلام، بعد أن تم الوصول إلى سلام وعقدت هناك انتخابات أنهت النزاع.

 *هل شاركتم مع مؤسسات كويتية في أعمال إنسانية؟ وكيف تقيمونها؟

نعم لدينا شراكات وأعمال إنسانية مع عدة مؤسسات كويتية كثيرة لا يسعني ذكرها، والشعب الكويتي متميز ومعروف بحب عمل الخير، ولعل تتويج سمو أمير الكويت بلقب أمير الإنسانية يجسد هذا الأمر خير تجسيد، فالكويتيون لهم  بصمات متميزة في العمل الخيري عبر العالم.

*هل باب التبرع لمنظمتكم مقتصر على الأتراك أم أنه مفتوح للعالم؟ وماهي آلية التواصل معكم؟.

– باب التبرع مفتوح للعالم أجمع وبطرق مختلفة عبر تطبيق يمكن تحميله على منصتي (اندرويد) أو من خلال الـ(آب ستور)، والمنظمة تتيح التبرع كذلك من خلال موقعها الإلكتروني، كما أن لدينا نظام مجيب آليا مرتبطا برقم دولي، يتيح لكل الناس حول العالم التبرع للمنظمة.

*ما رؤيتكم للسنوات العشرة القادمة؟ هل تتجهون للمزيد من الانفتاح؟

– العالم كله يتجه إلى الانفتاح، مع أن مرض كورونا أعاق الانفتاح وسهولة التنقل اليوم، كنا وما زلنا نمد يد العون للتقليل من الضرر الحاصل بسبب الحروب والنزاعات وسنستمر، ونعمل على زيادة الشراكات بين المؤسسات المحلية والدولية لتكاتف الجهود في ظل تجاهل تام لحقوق الإنسان وغياب الحلول الجذرية للنزاعات الحاصلة في العالم.

Exit mobile version