علمتني أمي بدرية العزاز رحمها الله

 1- الصبر:

كانت والدتي رحمها الله حريصة على ألا تضجر من البلاء؛ وتعتبره منحة من الرحمن لتمحيص الذنوب ورفع الدرجات، وأن المرء يبتلى على قدر دينه، فقد فقدت زوجها (أبي) منذ أكثر من 25 عاماً، وعانت والدتي الحبيبة من الأمراض المزمنة منذ 20 عاماً، ولكن ما وجدتها يوماً قانطة؛ بل على العكس كانت أنموذجاً في الصبر والتحمل في وجه المصائب والابتلاءات.

2- الإرادة:

قدمت والدتي الحبيبة درساً في الإرادة، في الطاعة والعمل الصالح وطلب العلم؛ فقد كانت قائمة بالليل صائمة بالنهار، لا يكاد لسانها يفتر عن ذكر الله، وكانت وبشكل يومي منكبّة على القراءة والاطلاع من أمهات الكتب، تجمع وتصنف وتؤلف العلم النافع من مختلف منابعه لتبلغه وتنشره للناس بلغة سهلة وبسيطة يعرفها العالم الحاذق، ويفهمها الشخص العادي.

3- حب الخير للناس:

فقد وهبت والدتي نفسها ووقتها ومالها لخدمة الناس، فما كاد يمر يوم عليها إلا وقد أعانت فقيراً أو ساعدت مسكيناً أو سعت في حاجة محتاج؛ فكانت تعين المحتاجين في مختلف أنحاء العالم، حتى آخر أيام حياتها، فقد ألحت علينا في آخر أيامها أن تذهب بنفسها إلى البنك، وكان ذلك في أشد أوقات الصيف حرارة لتقوم بإجراء التحويلات المالية للفقراء والمحتاجين في مختلف دول العالم.

4- بناء الأسرة المسلمة:

كان شغل أمي الشاغل منذ بدء عملها في الدعوة وخدمة الناس ونشر العلم، بناء الأسر المسلمة؛ فقد كانت تحرص على جمع الرجال الصالحين بالنساء الطيبات، وتقدم لهم النصائح الزوجية التي تعينهم على حياتهم الزوجية، وتحفظ لهم أسرهم من التفكك والخلافات الأسرية

وكانت تحرص دائماً على الإجابة عن الاستفسارات الأسرية وحل المشكلات الزوجية بين الأزواج، وتوجت هذا العمل بإنشاء مركز العلاقات الأسرية في وزارة العدل الذي كان يعمل على حل المشكلات الزوجية قبل الطلاق بين الزوجين، وقد وفقها الله عز وجل للحفاظ على الكثير من الأسر الكويتية التي كانت مهددة بالطلاق والتفكك الأسري.

5- صلة الرحم:

كانت والدتي الحبيبة أنموذجاً في صلتها لأرحامها؛ فقد كانت تصل أقرباءها، القريب منهم والبعيد، بل وتصل أقارب زوجها وأهله كذلك، وكانت دائماً تحثنا على صلة الرحم وتدفعنا إلى زيارة أرحامنا باستمرار، وكانت تحرص على إعطاء الأولوية لأرحامها في تقديم أي مساعدة أو خدمة؛ فكانت عوناً وسنداً لأرحامها في مختلف الظروف والنوائب.

6- العفو:

كانت رحمها الله مثالاً يحتذى في العفو والصفح عمن أساء إليها؛ فقد كانت لا ترضى الإساءة أو الدعاء على من ظلمها أو أساء إليها، وإنما تدعو له بالهداية والمغفرة، وأن يصلح الله شأنه، فقد كانت صافية القلب نقية السريرة، لا تحمل أي حقد أو ضغينة على أحد؛ بل على العكس تتمنى الخير والتوفيق والبركة لكل الناس وتدعو لهم بالهداية والصلاح دائماً وأبداً.

7- العبادة والطاعة:

كانت والدتي الغالية قدوة حية في الاجتهاد بالطاعة والعبادة، وكانت من النوادر في الحرص على الطاعة والعمل الصالح ليس لنفسها فحسب، بل دائمة العون للآخرين في مساعدتهم على الطاعة والعبادة؛ كإيقاظهم لقيام الليل وصلاة الفجر، وكان من البشريات على ذلك إتمامها صيام شهر رمضان كاملاً وصيام الست من شوال مع معاناتها من المرض وشدة حر الصيف.

8- الحياة مع القرآن:

كان القرآن الكريم نهجها ومنهجها طوال حياتها، فما كان يمر عليها يومٌ إلا وقد قرأت أو راجعت أو تدبرت مجموعة من السور والآيات من كتاب الله، حرصت على ربط القرآن بالواقع، وتؤمن إيماناً عميقاً بأن القرآن الدليل العملي والمرجع الوافي لجميع مشاكل الناس، فكانت تربط دائماً بين الآيات القرآنية والواقع العملي بأسلوب متميز وطريقة رائعة، كما أكرمها الله عز وجل بأن حفظ جميع أبنائها القرآن الكريم كاملاً.

9- الصدقة والمعروف للناس:

كانت والدتي الحبيبة سخية العطاء كثيرة الصدقة، وكان حظ الفقير والمسكين والمحتاج من مالها كبيراً؛ حيث تتفقد أحوال الفقراء والمساكين في كل مكان، وتحرص على تأمين حاجتهم من مالها الخاص ومن صدقات وزكاة أهل الخير.

10- أن الوطنية قول وعمل:

كانت والدتي الحبيبة نموذجاً رائعاً في الوطنية وحب الوطن، فقد ضربت أروع الأمثلة خلال فترة الاحتلال الغاشم؛ حيث كانت هي ووالدي وأبناؤهما منذ أول يوم للاحتلال وحتى يوم التحرير من المرابطين المخلصين الذين لم يغادروا أرض الوطن في أصعب الظروف والأحوال.

وكانت تتواصل مع الكويتيات وتحثهن على الصبر والثبات والإيمان بنصر الله عز وجل وعدالة قضيتهن، وأن الاحتلال زائل لا محالة، وكانت تعد المنشورات الإيمانية التي تثبّت الكويتيين على الصبر والثبات.

وتنقلت بين مناطق الكويت لإلقاء الدروس والمحاضرات التي تثبت قلوب الكويتيين وتحثهم على الثبات، وتبشرهم بنصر الله القريب.

فقد كانت نموذجاً للمرأة الكويتية الوطنية، التي تقول كلمة الحق ولا تخاف في الله لومة لائم، حيث كانت خلال فترة الاحتلال الغاشم تدعو على الظالمين، وتدعو على صدام حسين وتذكره بالاسم دون خوف من بطش جيش الاحتلال، مما كلفها لاحقاً مطاردة قوات الاحتلال لها للقبض عليها، ولكن لم تثنها الملاحقات عن الاستمرار في دعم وتوجيه الكويتيات على الصبر والثبات والإيمان بعدالة الحق الكويتي.

Exit mobile version