التقيت الأستاذ عبداللطيف الحمد في بهو الفندق في مدينة جدة بإحدى المناسبات، فقال لي: “فيصل.. اسمع”. وأشار إلى شخص كان واقفاً ليس ببعيد عنه، فاقترب منا، ثم قال: “في عام 1972م كنت مديراً للصندوق الكويتي للتنمية، وتلقيت اتصالاً من مكتب الشيخ جابر الأحمد رئيس مجلس الوزراء آنذاك يرحمه الله للاجتماع به، وعندما التقينا سلمني رسالة موجهة إليه من دولة اسمها المالديف، يستغيثون طلباً للعون بسبب نقص التموين لديهم إلى حد خطير، وتضمنت الرسالة بعض المعلومات عن تلك الدولة التي لم تكن معروفة لدى كثير من الناس، فطلبت منه أن يمهلني يومين للدراسة وجمع المعلومات، ثم رجعت إليه بمقترحين؛ الخطوة الأولى: “الإغاثة العاجلة”، وذلك بتحويل واحدة من سفينتين قادمتين الى الكويت، تحملان مواد تموينية لصالح شركة التموين الحكومية، نكتفي بواحدة تغطي الاحتياج العاجل، وسنقوم بطلب سفينة بديلة عن الثانية لتتجه إلى المالديف فوراً، و تشمل الحمولة المواد الغذائية الأساسية؛ كالرز والطحين والسكر والدهن والعدس.. إلخ، وهذه تحقق للمالديف تمويناً لمدة سنة تقريباً، بالنظر إلى حجم كثافة سكان تلك الدولة الصغيرة .
الخطوة الثانية: “طويلة الأجل”، فهذه الدولة تتكون من جزر ذات شواطيء جميلة، ويعيش أهلها على المهن البحرية وأهمها صيد السمك، وإذا تم تحويل مطارهم الصغير إلى مطار دولي ببناء مدرج طائرات مناسب، بالإضافة إلى تطوير مبنى المطار وتزويده بالأجهزة الملاحية المناسبة، فإن ذلك سينعش السياحة في بلادهم، وتتجه إليهم شركات لبناء وإدارة الفنادق والمطاعم والأسواق الحديثة، وسيكون هذا مصدر دخل هام للناس.. مع تزويدهم بسفينة صيد حديثة مجهزة بخزانات مبردة للأسماك، وتشييد ميناء بحري تقام فيه ثلاجة كبيرة لحفظ وتجهيز الأسماك لإعادة التصدير، الأمر الذي سيطور صناعة هامة تمثل دخلاً هاما لتلك الدولة، وقد وافق الشيخ جابر على المقترحين وتم التنفيذ، واليوم تمثل المالديف رقماً معتبراً في عالم السياحة”.
وبعد أن انتهى بو أحمد من الشرح، قال: “هل هذا العمل نافع، أم أنه غير نافع؟!”. قلت: “طبعاً.. بل وأكثر من نافع”.
ثم التفت إلى الشخص الواقف معنا، وقال: “هذا السيد محمد عبدالقيوم وزير خارجية المالديف في تلك السنة، و هو الذي أرسل الرسالة التي حدثتك عنها، وهو يتكلم العربية بطلاقة، واسأله.. هل ما ذكرته الآن للأخ فيصل صحيح؟”. فقال لنا: “نعم.. أنا الذي أرسلت الرسالة التي تحدثت عنها إلى سمو الأمير الشيخ جابر يرحمه الله، وكل ما ذكرته حصل، و تحققت لبلدنا منافع اقتصادية كبيرة جداً”.
هذا هو منهج أهل هذا البلد، تقديم الحلول طويلة الأمد، وهذا ما كان العم يوسف جاسم الحجي يرحمه الله يفعله طوال حياته، فهو أحد الرجال الذين قاموا بتأسيس بيت الزكاة لتنظيم جمع وتوزيع الزكاة بشكل حديث، وهو أحد الرجال المؤسسين لبيت التمويل الكويتي، والهيئة الخيرية الإسلامية العالمية.. وغيرها، إيماناً منه يرحمه الله بأن العمل المؤسسي يحقق الاستمرارية أكثر من العمل المنفرد، والمساعدة الآنية المتقطعة، ولهذا نال ثقة أهل الكويت.
وحدث في عام 1987م أن سلم العم جاسم العنجري يرحمه الله ابنه الأخ العزيز مشاري العنجري، شيك بمبلغ للتبرع الخيري، وطلب منه أن يوصله الى الملا يوسف، يقصد يوسف جاسم الحجي، يقول بو فيصل: “احتفظت بالشيك إلى أن تتاح لي الفرصة لإيصاله له، ورفعت سماعة الهاتف للاتصال بصديق لي، ولقبه بو عبدالله ، رن الهاتف.. فأجابني شخص قائلاً: “الو.. معاك الهيئة الخيرية، مكتب العم يوسف الحجي.. تفضل”!.. فوجئت، فلم أكن أعرف رقم يوسف الحجي، ولا رقم مكتبه ولا عنوانه، فكيف حدث هذا؟!! لم يترك لي المتحدث مجالًا للتفكير، وقال: تفضل…معاك طلال العوضي، مكتب العم يوسف الحجي، أي خدمة؟”، فقلت له: “يبه.. في شيك تبرع من الوالد لازم يوصل للملا يوسف الحجي، شلون أوصله له؟! وأرسلته له”.
علق بوفيصل على هذه الحادثة قائلاً: “الظاهر.. الشيك دال دربه”!
يرحم الله العم بويعقوب، كان يتفانى في عمل الخير في كل مجال، فهو من مؤسسي جمعية الهلال الأحمر الكويتي، وله صولات وجولات في مجالات الاغاثة مع مجموعة مميزة من جيله في اللجنة الشعبية لجمع التبرعات، أمثال العم يوسف الفليج، والعم عبد العزيز الشايع، وعدد كبير من كواكب الكويت، ومنهم أيضاً العم أحمد بزيع الياسين، والعم عبد الله العلي المطوع، والعم أحمد سعد الجاسر في بقية الجمعيات التي يعرف العالم كله أثرها الطيب، وبفضل الله ثم هذه الجهود.. رسمت الكويت شخصيتها الخيرية التي عرفها بها العالم، في تنفيذ المشاريع الخيرية بأسلوب الأستدامة، والتجرد من تحقيق سمعة او مديح، والترفع عن الجدل، تاركين العمل ليتحدث، والناس التي تستفيد منه لترفع أيديها الى السماء بالدعاء لهذا البلد وأهله بكل خير، وهذا هو المطلوب.. فقط لا غير .