تصريحات عبدالمهدي تعزز أجواء الترقب لعمل عسكري أمريكي بالعراق

كسر رئيس حكومة تصريف الأعمال العراقية عادل عبدالمهدي “الغياب الطوعي” عن إدارة الحكومة، الذي أعلن عنه في أعقاب إخفاق رئيس الوزراء المكلف السابق محمد توفيق علاوي بتشكيل الحكومة الجديدة مطلع الشهر الجاري، وعاد للظهور مجدداً مدلياً بتصريح مهم، عزز فيه أجواء الترقب السائدة في البلاد لعمل عسكري أمريكي قد يستهدف فصائل مسلحة مرتبطة بإيران، تُحملها واشنطن مسؤولية استهداف قواعدها العسكرية في العراق وتعريض حياة جنودها للخطر.

وقال عبدالمهدي، في تصريح أدلى به لـ”وكالة الأنباء العراقية” الرسمية (واع): إن هناك طيراناً غير مرخص به يحلق في مناطق عسكرية تم رصده من قبل قواتنا.

وأضاف أنه يتابع بقلق هذه المعلومات، محذراً من استهداف أي قاعدة عسكرية عراقية في البلاد من دون موافقة الحكومة.

واعتبر رئيس الوزراء العراقي المستقيل أن القيام بأعمال حربية غير مرخص بها يعتبر تهديداً لأمن المواطنين، وانتهاكاً للسيادة ولمصالح البلاد العليا.

مسك العصا من الوسط

عبدالمهدي حاول في تصريحاته مسك العصا من الوسط، بحسب المحللين، ففي تصريحاته التي كسر فيها غيابه الاختياري، ومع تحذيره من مغبة شن هجمات ضد قواعد تمركز الفصائل الشيعية المسلحة، حذر تلك الفصائل من استهداف المصالح الأمريكية، وتوعد من ينفذ منها هجمات ضد المصالح الأمريكية بالمتابعة والمحاسبة.

وقال بهذا الخصوص: إن الأعمال غير القانونية المتمثلة باستهداف القواعد العسكرية العراقية أو الممثليات الأجنبية هي استهداف للسيادة العراقية.

وتابع أن القيام بأعمال حربية غير مرخص بها تعتبر تهديداً لأمن المواطنين وانتهاكاً للسيادة ومصالح البلاد العليا، مؤكداً أن الحكومة ستتخذ كل الإجراءات الممكنة لملاحقة الفاعلين لمنعهم من القيام بهذه الأعمال.

وسبق أن استهدفت بعثات أجنبية، وقواعد عسكرية عدة في العراق، تتواجد فيها قوات أمريكية بضربات صاروخية أدت إلى وقوع قتلى وجرحى، وسط مطالب بمغادرتها العراق.

جاء ذلك بعد عملية اغتيال كل من قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، والقيادي بهيئة الحشد الشعبي العراقية أبي مهدي المهندس، في غارة جوية أمريكية ببغداد، في 3 يناير الماضي، وهو ما رفع من وتيرة المواجهة بين الفصائل الشيعية المنضوية تحت راية هيئة الحشد، والقوات الأمريكية المتواجدة على الأراضي العراقية منذ عام 2014 بطلب من الحكومة لمواجهة “تنظيم الدولة”.

مصدر مطلع في “الحشد الشعبي” أكد لـ”المجتمع”، أن تصريحات عبدالمهدي جاءت بعد أن تلقى رسائل من السفارة الأمريكية مفادها أن واشنطن ستستهدف فصائل الحشد.

وقال حسين الكعبي، الإعلامي في هيئة الحشد: إن عبدالمهدي خلص بعد لقائه مسؤولين أمريكيين إلى أن واشنطن تستعد لعمل عسكري ضد فصال المقاومة.

وأشار إلى أن الضربات التي وجهتها الفصائل المسلحة مؤخراً أدت إلى مراجعة التحالف لحساباته الأمنية، والانسحاب من بعض القواعد، معتبراً أن هذا الانسحاب أثار الشكوك حول نية الأمريكيين، واحتمال قيامهم بعمل عسكري واسع في العراق.

مؤشرات عمل عسكري

ويرى مراقبون للمشهد العراقي أن هناك عدداً من المؤشرات ظهرت مؤخراً تؤكد أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب مقبلة على عمل عسكري في العراق قد يكون نوعياً وواسعاً.

وآخر هذه المؤشرات انسحاب القوات الأمريكية، أمس الإثنين، من رابع قاعدة عسكرية عراقية في مدينة الموصل شمال العراق، حيث سلم مقراته في القصور الرئاسية للقوات العراقية، بعد أن سلم قبل ذلك قاعدة “كي وان” في كركوك، بعد انسحاب مماثل من قاعدتي القائم والقيارة، غرب وشمال العراق، وانتقلت القوات المنسحبة إلى قاعدتي حرير في أربيل، وعين الأسد في الأنبار المحصنتين.

دعوة الولايات المتحدة رعاياها لمغادرة العراق بأسرع وقت ممكن، يوم الجمعة 27 مارس، وإخلائها لموظفيها غير الأساسيين في سفارتها ببغداد وقنصليتها في أربيل، مؤشر ثانٍ على احتمال وجود تحرك عسكري قريب في العراق.

وقالت السفارة الأمريكية في بغداد، في بيان: نظراً لمجموعة من الظروف الأمنية وإجراءات السفر المقيدة نتيجة لوباء كورونا، أمرت وزارة الخارجية بمغادرة موظفي الحكومة الأمريكية غير الأساسين في السفارة في بغداد ومركز بغداد للدعم الدبلوماسي والقنصلية الأمريكية العامة في أربيل.

جاء هذا الإجراء بعد 24 ساعة من تعرض السفارة الأمريكية لهجوم بصواريخ كاتيوشا لم يسفر عن سقوط ضحايا، وهو الهجوم السادس والعشرون منذ أواخر  أكتوبر الماضي، الذي تتعرض له مصالح أمريكية في العراق.

ورغم أن أي جهة لم تعلن مسؤوليتها عن أي من الهجمات، غير أن واشنطن توجه أصابع الاتهام إلى مليشيا كتائب حزب الله المقربة من إيران.

وكانت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، نقلت عن مسؤول أمريكي قوله: إن المسؤولين يتلقون تقارير شبه يومية عن هجمات وشيكة من كتائب حزب الله العراقي على مرافق عسكرية أو دبلوماسية أمريكية.

وأضاف المصدر، الذي لم تذكر الصحيفة اسمه، أن المليشيات العراقية المدعومة من إيران أصبحت أكثر جرأة في مهاجمة الجيش الأمريكي في العراق، وأن هجماتها تكررت وأصبحت تنفذ في وضح النهار.

وقالت الصحيفة: إن إدارة ترمب تبحث اتخاذ خطوات لمواجهة المليشيات دون إثارة انتقام مكلف، إلا أنها منقسمة بشأن كيفية الرد وتوقيته.

ونقلت عن مصدرين اثنين أن الإدارة بحثت، في 11 مارس، قائمة من الأهداف منها مواقع مرتبطة بالحرس الثوري في إيران وسورية، إلا أن المقترح رفض مخافة أن يترتب عليه تصعيد أكبر.

وقبل ذلك بعدة أيام، حذر وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، من أن الولايات المتحدة سترد “كما يجب” على أي استهداف جديد للأميركيين، بعد أن تعرضت قاعدة التاجي شمالي بغداد لهجوم بالصواريخ أسفر عن مقتل عسكريين أمريكيين ومجندة بريطانية.

الخبير العسكري أسعد إسماعيل شهاب، قال لـ”المجتمع”: إن وزارة الدفاع العراقية رصدت مؤخراً نشاطاً جوياً أمريكياً غير منسق في مناطق غرب العراق ووسطه وشماله.

وأضاف أن هذه الأنشطة الجوية ذات طابع استطلاعي، بدأت وتيرتها بالارتفاع من يوم 26 في مارس، وهي على الأرجح تستهدف مراقبة ورصد تحركات فصائل الحشد.

المدرس السابق في كلية الأركان العراقية، أعرب عن اعتقاده بأن هذه التحركات تؤشر إلى وجود هجوم عسكري ما، إذ إن النشاط الجوي الاستطلاعي المكثف غالباً ما يسبق مثل هذه الهجومات، مستدركاً بالقول: إن الهجوم الأمريكي على الأرجح سيطال الفصائل الموالية لإيران، التي زادت جرأتها الهجومية تجاه القوات الأمريكية، وهو ما تسبب بمقتل مواطنين أمريكيين.

وختم شهاب حديثه بالقول: إن انشغال إدارة ترمب بجائحة فيروس كورونا، أخرت وربما ستؤجل مثل هذه الخطط إن وجدت على الأرجح، مشيراً إلى أن المواجهة بين أمريكا وحلفاء إيران في العراق أمر حتمي حتى لو تأخر، فمعركة عض الأصابع بين واشنطن وطهران تستخدم الأراضي العراقية ساحة لمعاركها الجانبية.

Exit mobile version