عالِم تركي: بالعمل نواجه حملات التشويش ضد بلادنا

– حملات التشويش التي تستهدف تركيا “لا تضر”

– الأهم هو ماذا نفعل نحن؟ وماذا نكون؟ وليس ما يفعل الآخرون ويعملون

– العالِم هو وارث النبي ويجب أن يكون رحمة للعالمين وقدوة أخلاقية بشكل تطوعي

– التفكير الاجتماعي الإسلامي يقوم على مفهوم الآدمية ويشمل جميع البشر بغض النظر عن قوميتهم ودينهم وثقافتهم ولونهم

 

اعتبر مدير جامعة بن خلدون العالم التركي رجب شنتورك أن حملات التشويش التي تستهدف تركيا “لا تضر”، مشدداً على أن مواجهة تلك الحملات يكون بالتركيز على العمل.

جاء ذلك في مقابلة معه أجرتها وكالة “الأناضول” بمدينة إسطنبول، تطرق خلالها البروفيسور شنتورك إلى مؤلفاته العديدة المتخصصة في “علم الاجتماع الإسلامي”، التي ترجمت بعضها إلى العربية، وأهمها كتاب “مالكوم إكس”.

نواجه التشويش بالعمل

وفي معرض رده عن سؤال حول حملات التشويش التي تتعرض لها تركيا من قبل بعض الدول والشخصيات، يقول شنتورك: إن الأهم هو ماذا نفعل نحن؟ وماذا نكون؟ وليس ما يفعل الآخرون ويعملون، نركز على عملنا وقولنا، وهذا الأهم.

ويضيف: نعمل بشكل مستقيم، نتكلم بالحق، فكلام الآخرين وتشويشهم لا يضر شيئاً، نحن ندعو لهم بالصلاح والهداية، ونحن مستمرون على الحق والاستقامة، وسيعرفون أن النية صحيحة والعمل صحيح، وسيعترفون بهذا بالمستقبل أيضاً.

ويلفت إلى أنه من الممكن أن تكون هناك خلافات بين المسلمين، والأهم ألا تكون عداوة، لأنه في عصرنا توجد اختلافات وتفرقة كبيرة بين المسلمين، وعلينا ألا نزيد هذه الخلافات، ويجب أن تكون وحدة المسلمين الأولى في أجندتنا، ونركز عليها بغض النظر عن الخلافات.

ويردف: علينا أن نركز على عملنا بدلاً عن عمل الآخرين، ونركز على أقوالنا وآرائنا وعملنا بشكل صحيح، فبذلك الله يؤيدنا ويهدينا للتوفيق، وفي النهاية؛ هؤلاء “المشوشون” يرون الحق ويلتحقون بنا.

مهام العالِم

وفيما يتعلق بمهام العالِم الإسلامي، يقول شنتورك: العالِم مختلف عن الأكاديمي، ليس كل أكاديمي عالِماً، العالِم هو وارث النبي، ويجب أن يكون رحمة للعالمين، وقدوة أخلاقية بشكل تطوعي، وأسوة حسنة عملياً وليس خطابياً فقط.

ويعتبر أن المشكلة في عصرنا هي مشكلة أخلاقية، لأنه لدينا مصادر كثيرة، وليست مشكلة سياسية بل أخلاقية، فلو أن علماءنا مهتمون بمشكلة الأخلاق، ويقدمون قدوة حسنة للشبان، ويربون الجيل الجديد بالخلق الحسن، فهذا يكفيهم لأداء دورهم، ويكون إحياء العالم الإسلامي من جديد.

ويصف علاقته مع العلماء في العالم العربي بأنها “جيدة”، مضيفاً: سافرت إلى مصر ودرست هناك، ولدينا زيارات ونرسل طلابنا إليهم، وهناك تبادل في الزيارات وتأسيس علاقات قوية، يعني العلاقات العلمية مختلفة عن العلاقات السياسية.

ويمضي: نحن في المجتمع المدني علينا أن نستمر في العلاقات العلمية؛ لأن السياسة متغيرة جداً، ولكن العلاقات العلمية تستمر وتساعد في تأسيس العلاقات الاقتصادية والسياسية بشكل سلمي وقوي، ونحاول التعاون في تربية الجيل الجديد بالقيم الإسلامية.

أهمية علوم الاجتماع

العالِم التركي الذي برصيده أكثر من 10 مؤلفات متنوعة، يتحدث عن أهمية العلوم الاجتماعية بالقول: لها في عصرنا هذا أهمية أكثر من العلوم الأخرى، لأن أكثر مشكلاتنا الراهنة اجتماعية سواء في مجال الحقوق أو الاقتصاد أو السياسة أو التعليم، كلها مجالات تحت العلوم الاجتماعية، ولذلك علينا الاهتمام بها أكثر من العلوم الأخرى لحل مشكلاتنا.

ويتابع: علينا الوقوف على أكتاف كبار سلفنا حتى نرى الأشياء أكثر من الآخرين، فهؤلاء مثل ابن خلدون أو الأئمة أبو حنيفة والشافعي والشخصيات العامة في عصرنا، يجب أن نستفيد من خبراتهم لنرى أموراً في عصرنا هذا.

وبالنسبة لشنتورك، فإنه لا يمكن البناء من الصفر، علينا التجديد المؤصل من دونه لا يؤدي لشيء، وهو ما شهدناه في القرن الأخير، كانت هناك محاولات للتجديد فأهملوا التراث فلم يؤدِّ لنتيجة ملموسة، وعندنا علماء كبار في مجال العلوم الاجتماعية.

ويضرب مثلاً بالقول: ابن خلدون له اعتبارية من قبل كل دول العالم بمختلف التوجهات، ويحترمونه، فكيف يمكن غض النظر عن تراثه وأفكاره، الهندسة القديمة لا تفيد مثلاً، ولكن التفكير السياسي الاجتماعي مهم جداً، وندعو للاستقلال الفكري.

ميادين التطبيق

أما بخصوص ميادين تطبيق العلوم الاجتماعية، فيقول شنتورك: إنها في جميع المستويات؛ لأنه في العلوم الاجتماعية وكل العلوم هناك مستويات التحليل، أقل شيء يبدأ من الإنسان والفرد، ومن ثم المجموعات الصغيرة، وبعدها الكبيرة، ومن ثم الدولة والقوم، والحضارة، وهي أوسع مستوى التحليل.

ويدعو إلى التركيز على جميع المستويات؛ لأنها تؤيد بعضها بعضاً، وإن لم يفهم الفرد فلن يفهم المجتمع، والعكس صحيح، كله مرتبط كميزان، لذلك اليوم تحليلاتنا يجب أن تجمع جميع المستويات.

كما يتحدث عن عالمية الدين الإسلامي، قائلاً: إن التفكير الاجتماعي الإسلامي يقوم على مفهوم الآدمية، وتشمل جميع البشر بغض النظر عن قوميتهم ودينهم وثقافتهم ولونهم، وخصوصاً في الفكر الإسلامي، نرى أن البحث الاجتماعي يرتكز على الإنسان، وهذا منظور عالمي، الفكر لا يبحث عن أحكام للمسلمين فقط، بل لجميع البشر، فهناك قاعدة كلية في الفقه وهي العصمة بالآدمية؛ ما يعني حرمة الإنسان وحفظه.

ويشير إلى أن علوم الاجتماع تدرس عن حقوق الإنسان وظروفهم، وهذه نظرة واسعة عالمية جداً، ولكن بعض علمائنا لديهم نظرة ضيقة، وكأن هذه العلوم تدرس المسلمين فقط، وفي كتب ابن خلدون لا يدرس المسلمين ومجتمعهم فقط، بل لديه نظرة عالمية وجميع العلماء قديماً كان لديهم نظرة عالمية شاملة، ولكن في عصرنا ضيعنا هذه النظرة، وركزنا فقط على المسلمين.

وحول آليات تطبيق هذه العلوم، يوضح شنتورك أن هذه النظرة العالمية الشاملة طبقت في العالم الإسلامي في زمن النبي محمد صلى الله عليه وسلم وبعده، عبر جغرافية واسعة من آسيا إلى المغرب مروراً بالشرق الأوسط والبلقان، عبر أكثر من 10 قرون، فهو ليس خيالياً.

ويكمل: الإسلام منح الحقوق للبوذيين والهندوس والمجوسيين والوثنيين والمسيحيين واليهود، بناء على النظرة الشاملة العالمية، وعلماؤنا في علم الكلام والتصوف والأخلاق درسوا هذا الموضوع.

ويشير إلى أنه في عصر التحديث والتغريب تركنا هذا النظام وتبنينا القومية، وهذا انحراف من التفكير العالمي الشامل، وهو ما أسميه بالحضارة المنفتحة، وتبنينا القومية من الغرب، فعلينا إحياء هذا التفكير من جديد، وكتبنا ومقالاتنا ندرسها في جامعة ابن خلدون وأنشره في المؤتمرات لكي يحيي المسلمون هذا الفكر الذي يفيد المسلمين وغيرهم.

Exit mobile version