أحمد ياسين.. 16 عامًا على اغتيال رائد المقاومة والوحدة

يُصادف اليوم الأحد 22 آذار/ مارس الجاري، الذكرى الـ 16 لاغتيال مؤسس حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، الشيخ الشهيد أحمد ياسين.

وكانت طائرات الاحتلال قد اغتالت الشيخ ياسين، فجر يوم الـ 22 مارس 2004، بعد خروجه من صلاة الفجر، في مسجد “المجمع الإسلامي” بحي الصبرة، في مدينة غزة القريب من منزله، حيث استشهد رفقة 9 من المصلين.

وارتبط اسم الشيخ ياسين، مؤسس حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، منذ ستينيات القرن الماضي بالمقاومة والتحريض عليها، في كل مواقفه وأفكاره، ليصبح “الأب الروحي” لفكرة مقاومة الاحتلال؛ حتى قبل أن يُمارسها تنظيمه واقعًا على الأرض قبل بدء العقد الثامن من القرن الماضي.

ولعب الشيخ ياسين منذ أن لمع نجمه في ستينيات القرن الماضي، دورًا كبيرًا في نشر ثقافة المقاومة قولًا وعملًا، وحرص على التحريض عليها، على الرغم من كونه مقعدًا إلا أنه كان دائمًا يحث الشباب ويحفزهم على مقاومة الاحتلال، ويدعمهم ماديًا ومعنويًا لتحقيق هذا الهدف.

وسعى الشيخ الشهيد، إلى جانب قيادته للحركة الإسلامية على مدار أكثر من أربعة عقود من الزمن، إلى تعزيز فكر ثقافة المقاومة ونشرها شعبيًا قبل أن تكون تنظيمًا (..) ودعم تنظيمات فلسطينية مسلحة بالمال والسلاح غير تنظيمه، وحرص على أن يكونوا أقوياء ليهابهم المحتل.

كما أن عظمة التضحيات الذي قدمها أحمد ياسين من اعتقال وملاحقة ومحاولات الاغتيال، ورغم ما يعانيه من أمراض وضعف وشلل كامل، جعلت منه رمزًا وطنيًا وإسلاميًا وعربيًا ملهمًا، وباتت رمزيته محط تأثير لدى الشباب، فأراد شارون القضاء على هذه الرمزية باغتيال الشيخ ياسين.

اغتيال مؤسس حركة المقاومة الإسلامية “حماس” الشيخ أحمد ياسين، كان قرارًا مهمًا بالنسبة للاحتلال، ولذلك برزت عدة أسباب دفعت رئيس وزراء حكومة الاحتلال آنذاك أرائيل شارون إلى الإقدام على اغتياله.

وقد جاء اغتيال الشيخ أحمد ياسين في وقت كان شارون يلمح فيه إلى خطته الرامية لتفكيك المستوطنات في غزة والاندحار عنها، وأراد تبديد الفكرة السائدة في الأذهان بأن إسرائيل اضطرت إلى الاندحار عن غزة تحت ضربات المقاومة؛ لذا أقدم على عملية الاغتيال لكي ينظر إليه وكأنه انتصار للاحتلال.

بعد ظهور دور حركة حماس جليًا في تصدر أعمال المقاومة المسلحة خلال الانتفاضتين الأولى والثانية، وعملها الدؤوب على تطوير أساليب المقاومة؛ أدرك الاحتلال الإسرائيلي خطورة الحركة الشديدة على أمنه، فحاول جاهدًا القضاء عليها عبر اغتيال رموزها، وعلى رأسهم مؤسسها الشيخ أحمد ياسين.

لم يكن الشيخ ياسين مجرد زعيم روحي للحركة، بل كان قائدًا حقيقيًا حتى لحظة استشهاده، وكان حاضرًا في ميادين العمل الدعوي والتنظيمي والجهادي وغيرها من الميادين على مدار الساعة، ويتابع أدق التفاصيل وأصغرها.

كما أن التركيبة التي عززها الشيخ عبر الجمع بين العمل الدعوي والجهادي وربطهما ببعضهما بعضًا أرست آثارًا على العقيدة القتالية لمجاهدي القسام بما تعجز كل منظومات الردع الإسرائيلية عن منعه من تنفيذ عملياته المقاومة.

واعتنق الشيخ أفكار جماعة الإخوان المسلمين، وتأثر بالإمام حسن البنا، ليتم اختياره عام 1968م لقيادة الحركة في فلسطين، فأسس عقب ذلك الجمعية الإسلامية ثم المجمع الإسلامي، ومن بعدها ساهم في تأسيس الجامعة الإسلامية.

وبدا أن نشاط الشيخ وقدرته على التأثير في المواطنين أزعج الاحتلال، فأمر عام 1982م باعتقاله، ووُجهت إليه تهمة تشكيل تنظيم عسكري وحيازة الأسلحة، والتحريض على إزالة الكيان “الإسرائيلي”، ليصدر عليه حكم بالسجن مدة 13 عامًا.

ولكن الاحتلال أطلق سراحه عام 1985، في إطار عملية تبادل الأسرى بين الاحتلال والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، بعد أن أمضى 11 شهرًا في السجن.

اتفق الشيخ عام 1987، مع مجموعة من قادة العمل الإسلامي في القطاع على تكوين تنظيم إسلامي لمقاومة الاحتلال وتحرير فلسطين أُطلق عليه اسم “حركة المقاومة الإسلامية”، وعرفت فيما بعد اختصارًا باسم حركة “حماس”.

وبعدها أصبح الشيخ الأب الروحي للحركة والانتفاضة، وتكفل الشيخ منذ بداية الحركة بمهام متابعة الجهاز العسكري للحركة منذ بدايته في عام 1987م، وترسخ دوره في حشد الهمم، وتأكيد ضرورة مواصلة المقاومة لتحرير فلسطين.

ويقول الشيخ أحمد ياسين، “إن حماس حركة تحررية، تريد تحرير الأرض والإنسان، وإزالة الاحتلال عن أرضنا ومقدساتنا، وإقامة دولة فلسطينية تتبنى المفاهيم الإسلامية؛ ومستقبلها واعد”.

وفي 16 أكتوبر 1991م، أصدرت إحدى المحاكم العسكرية حكمًا بسجنه مدى الحياة إضافة إلى 15 عامًا أخرى، وجاء في لائحة الاتهام أن هذه التهم بسبب التحريض على اختطاف وقتل الجنود، وتأسيس حركة حماس وجهازيها العسكري والأمني.

إلا أنه أُفرج عن الشيخ في عملية تبادل في الأول من أكتوبر 1997م، بين المملكة الأردنية والكيان “الإسرائيلي” في أعقاب المحاولة الفاشلة لاغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل.

وفي عام 1998 بعد الإفراج عنه، بدأ الشيخ وللمرة الأولى جولة عربية التقى خلالها عددًا من رؤساء تلك الدول، وسط استقبال شعبي كبير.

ومع إصرار الشيخ على نهج المقاومة، الذي يتعارض مع نهج السلطة الفلسطينية، فُرضت على الشيخ الإقامة الجبرية مرتين، ورغم ذلك حافظ الشيخ على الخطاب الوحدوي الضامن لوحدة الشعب الفلسطيني.

وأما عن محاولات اغتياله، فقد تعرض الشيخ أحمد ياسين في 6 سبتمبر/أيلول 2003 لمحاولة اغتيال حين استهدفت مروحيات الاحتلال شقة في غزة كان يتواجد فيها الشيخ أصيب خلالها بجروح طفيفة.

وختم الشيخ سجل حياته المكللة بالجهاد والمقاومة شهيدًا بعد أدائه صلاة الفجر في 22 مارس عام 2004م، ليرسم نهجًا أحيى به نضالات الشعب الفلسطيني، ويرسخ مبدأ “الحياة مقاومة”.

القائد الإمام

وقد صرح القيادي في “حماس” رأفت مرّة، بأن الشيخ ياسين “قائد زرع بذور المقاومة وأسس لإطلاق الانتفاضة والمقاومة الشعبية وأذهل الاحتلال”.

وأشار مرّة إلى أن الإمام أحمد ياسين “أثر برؤيته ومواقفه ونضاله في المعتقلات وخارجها ما شكل مدرسة في نهج الوحدة الوطنية والمقاومة والتحرير والعودة”.

رائد الوحدة الوطنية

حرصت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” منذ تأسيسها عام 1987 على وحدة الشعب الفلسطيني بمختلف فصائله وقواه، واعتبرتها المنطلق الأساسي لمقاومة الاحتلال وتحرير فلسطين.

ومنذ انطلاقة الحركة برز الشيخ المؤسس أحمد ياسين رائداً للوحدة الوطنية الفلسطينية، فقد تميز بخطاباته الوحدوية التي ما فتئ خلالها من دعوة القوى والفصائل كافة إلى الوحدة، والتي اعتبرها أقوى سلاح في مواجهة الاحتلال.

وفي إطار حرصه على الوحدة الوطنية، أكد الشيخ ياسين عصمة الدم الفلسطيني منذ انطلاقة حماس قائلاً: الدم الفلسطيني فوق كل الخلافات، ونحـن نـرفض الفتنـة والصراع الداخلي، هذا منهجنا في القديم والحاضر والمستقبل.

الشيخ والوحدة

وبدأ اهتمام الشيخ بالوحدة الوطنية مبكرا، إذ بادر إلى تشكيل لجان الإصلاح الاجتماعي في قطاع غزة عام 1978م، كخطوة أولى في خدمة الوحدة الوطنية التي تتمثل في العمل على تماسك المجتمع الفلسطيني ومواجهة مخططات الاحتلال الهادفة إلى ضرب وحدته.

كما ساهم الشيخ في تعزيز الوحدة الوطنية في المجالات كافة، حيث دعم الشيخ توجه حركة حماس وذراعها المسلحة كتائب القسام للقيام بعمليات عسكرية مشتركة مع الأجنحة العسكرية لفصائل المقاومة الأخرى.

ومع بداية الانتفاضة الأقصى تجلى اهتمام الشيخ أحمد ياسين وإخوانه في قيادة حماس بالوحدة الوطنية من خلال قرار الحركة بالانضمام للجنة المتابعة العليا للانتفاضة وذلك لتوحيد الجهود وتوجيهها نحو مقاومة الاحتلال الإسرائيلي.

ومع إصرار الشيخ على مواصلة طريق المقاومة ومعارضته لاتفاق أوسلو وبالرغم من فرض السلطة الإقامة الجبرية عليه، ظل الشيخ محافظا على الخطاب الوحدوي الضامن لوحدة الشعب الفلسطيني.

وخلال اعتقالات عام 1996 التي نفذتها السلطة ضد أنصار حركة حماس وكوادرها، نجح الشيخ في الحفاظ على حرمة الدم الفلسطيني وتصويب البندقية تجاه الاحتلال الإسرائيلي فقط.

أوفياء لنهجه

سارت حركة حماس على نهج الشيخ ياسين من الدعوة للوحدة الوطنية والتمسك بها، ولم تكتفِ برفع شعارات الدعوة إلى الوحدة الوطنية وتماسك البيت الداخلي الفلسطيني فقط، بل ترجمت ذلك واقعاً عملياً وملموساً على الساحة الفلسطينية عبر سلسلة طويلة من العمل المشترك مع الفصائل كافة.

وواصلت حماس مساعيها بالجهود كافة للوصول إلى الوحدة الوطنية، ونجحت جهودها في تجسيد شراكة وطنية حقيقية تمثلت في مسيرات العودة وكسر الحصار، حيث لأول مرة في تاريخ الشعب الفلسطيني يخوض نضالًا موحدًا بكل الفصائل دون استثناء، وبمشاركة نخب الشعب وقواه المدنية والعشائرية.

كما رسخت حماس الوحدة الوطنية بشكل حقيقي عبر تشكيل غرفة العمليات المشتركة التي كانت حلمًا، وقد تحقق هذا الحلم وأصبحت مواجهة الاحتلال عسكريًا تقوم وفق سياسة واحدة، وقد مارست الغرفة مهامها بنجاعة كاملة، وأربكت حسابات العدو الصهيوني.

وفي وثيقتها السياسية أكدت حماس إيمانها وتمسكها بإدارة علاقاتها الفلسطينية على قاعدة التعددية والخيار الديمقراطي والشراكة الوطنية وقبول الآخر واعتماد الحوار، بما يعزّز وحدة الصف والعمل المشترك، من أجل تحقيق الأهداف الوطنية وتطلّعات الشعب الفلسطيني.

وتسعى الحركة جاهدة إلى توحيد بوصلة الجميع نحو الهدف الأوحد وهو الاحتلال الإسرائيلي ومقاومته، مؤكدةً ضرورة الوقوف صفاً متماسكاً ويداً بيد من أجل دحره عن الأرض الفلسطينية المحتلة.

وترى أن أمثل طرق إدارة الصراع مع الاحتلال، هو العمل المقاوم الموحد والمشترك وحشد طاقات الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال بكل الوسائل وإبقاء جذوة الصراع مشتعلة معه.

وفي الذكرى السادسة عشرة على اغتيال مؤسس حركة حماس، لا تزال الحركة يدها ممدودة إلى القوى والفصائل الفلسطينية كافة للتوحد على برنامج وطني يحمي المقاومة ويحافظ على الثوابت الوطنية من أجل دحر المحتل الغاصب ونيل الشعب كل حقوقه المشروعة.

Exit mobile version